حسن الإفراني يكتب: خواطر من وحي العمل الاسلامي (6)

كمون الانتماء أو المال قوام الأعمال (1)

يعد الكمون أحد التوابل الأساسية في المطبخ المغربي، ويستخدم في العديد من الأطباق، إلا أن الثقافة المغربية نسجت منه أمثالا شعبية معبرة، منها قولهم:”فلان بحال الكمون إلى ما حكيتو ما اعطي الريحة”، وكأن هذا الفلان أو العلان يحتاج إلى نوع من تحفيز خارجي وإلى الصرامة، لينجز واجبه، ويقولون كذلك :”دجاجة بكمونها.” وكأن الشيء مكتمل من شتى جوانبه، ولا ينقصه أي شيء.

وعلاقة بالموضوع قيد المدارسة، فإن الالتزام المالي يحتاج فعلا إلى مجاهدة النفس والصرامة معها وتدريبها عليه، كما أنه يعد معيارا من معايير اكتمال شروط العضوية، إلى جانب الالتزام التربوي بطبيعة الحال، والدليل المادي الملموس على خلق الوفاء.

فالمال عصب الحياة، وهو ركن من أركان الدين، كما أنه ركن من أركان الدنيا، أما كونه من أركان الدنيا فلا أحد يجادل في أهميته الكبيرة في تحقيق حاجيات الناس، فهو ضروري من ضروريات الحياة والمعيشة التي لا غنى للإنسان عنها، والمتمثلة في قوته ومشربه وملبسه ومسكنه ومركبه وتعلمه وسفره وتطببه…، فالمال قوام الأعمال، وهو قوام الحياة، يقول أحمد شوقي:

بالعلم والمال يبني الناس ملكهم                    لم يبن ملك على جهل وإقلال

أما كونه من أركان الدين، فيتجلى ذلك في كونه الركن الثالث من أركان الإسلام ويتعلق الأمر بالزكاة، فالزكاة عبادة مالية خارجية، كما أن لها بعدا تزكويا داخليا كذلك، يقول تعالى:”خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها.” والعجيب أن المال يحضر كذلك في الأركان الأخرى، فالصلاة لا يمكن أن تقوم بدون بناء المساجد وتجهيزها والعمل الدائب على خدمتها، كما أن الحج يتوقف من بين ما يتوقف عليه الاستطاعة المالية.

ويعد حفظ المال من المقاصد الضرورية الكبرى، ولقد ذكر لفظ المال في القرآن الكريم 86 مرة، وقيل بأن المال إنما سمي مالا لأن الطبع يميل إليه:” وتحبون المال حبا جما”.

إلا أن الإسلام قد أقر ضرورة إخراجه لتحقيق الاستخلاف فيه بوجوب الإنفاق منه، يقول تعالى:”وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه.”، فالتصور الإسلامي للمال يعتبر المال مال الله، وأنه مجرد وسيلة لغايات فضلى، أبرزها تحقيق العدالة الاجتماعية، وتنمية المجتمع في كل مناحيه بالاستثمار والوقف…

ولكن من ناحية أخرى فقد حذر الشرع من كون المال قد يتحول إلى فتنة، يقول تعالى:”واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم.” وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:”ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف.” لذا وجب أن يكون طريقا للتقرب به إلى الله، بشكر نعمه، وحسن تدبيره، والإنفاق منه…

ونميز عادة بين المال الباقي، والمال الفاني، فأما الفاني فهو الذي استمتع به الإنسان مع أسرته، وتشتت رصيده  في المطبخ والمركب والأجور…،  وأما الباقي فهو الذي أنفقناه في سبيل الله، ويحفظ رصيده إلى يوم القيامة، وإن كان العمل للآخرة في التصور الإسلامي لا يتنافى والعمل للدنيا، أو قل بكلمة واحدة، إن المال الفاني لازم، والمال الباقي متعدي، والفاني أفقي، والباقي عمودي، والفاني ينخر، والباقي يدخر…

لذا رغب الإسلام في الإنفاق والجود والكرم والسخاء، يقول تعالى:”لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون.” وقد ضرب لنا الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة المثال الرائع في ذلك، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه  أنفق كثيرا من المال في سبيل الله، حتى قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:”ما نفعني مال قط مثلما نفعني مال أبي بكر”. فبكى أبو بكر وقال:”وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله”. وقيل لسفيان بن عيينة: ما السخاء؟ قال: السخاء البر بالإخوان والجود بالمال”، وقال الحسن:”بذل المجهود في بذل الموجود منتهى الجود”.

لقد سبق أن قلنا بأن المال يعد ركنا أساسيا، تنهض عليه أركان الإسلام الأخرى، ونفس الأمر نقوله عن الدعوة إلى الله تعالى، فكل الدعوات مهما كانت قبلتها، إنما تقوم على المال، وعليه فإن البذل بجزء منه في سبيل الدعوة إلى الله – ونحن نتحدث عن أبناء الحركة الإسلامية – يعد واجبا من واجبات العضوية، وهو بالمناسبة ليس فحسب انخراطا مدنيا وإنما هو عهد مع الله تعالى، ويعتبر الامتناع عنه إخلالا بمقتضى من مقتضيات العضوية، وتفريطا في الوفاء بالعهد.. ينجم عنه المساهمة في إضعاف الحركة على القيام بأعباء الدعوة، من وقفات، ومخيمات، وأبواب مفتوحة، ورحلات، وملتقيات، وكراء مقر، وتجهيزات، وفواتير الماء والكهرباء والهاتف، وسفر، واتصال، واستقبال ضيف، وغذاء، وجوائز،  وطباعة.

ويتحمل تعطيل أي جزء من هذه الوظائف كل من أخل بذلك الواجب المالي، وبالعكس فإن الالتزام بأدائه يجعل التنظيم قويا، وينجز برامجه بكل أريحية، ويحقق الاستقلال الذاتي للحركة، التي حسمت أمرها على ألا تأخذ درهما واحدا من أي طرف خارجي مهما كان نوعه، وذلك للحفاظ على استقلال واستقرار القرار التنظيمي، يقول الشعراوي رحمه الله:”إذا لم يكن قوتك من فأسك، فلن يكون رأيك من رأسك”.

أبو عبد الرحمن

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى