حركة التوحيد والإصلاح تجيب على أسئلتها الراهنة – عبدالهادي باباخويا
بكل ثقة وثبات نظمت الحركة جمعها السابع، حيث شمرت جهدها وجمعت شملها ونادت رؤوسها في فضاء مفتوح يعبر عن طبيعة تصوراتها وأدبياتها، وعن حقيقة تفكيرها وأسلوب تخطيطها. وفي جمع مرشوح بعد تصفيات وتنقيحات، أنتج ثلة خاصة من أعضائها العاملين، وفئة مميزة من قادتها المرموقين.
كان هَمُّ هذا الجمع هو التعاون على وضع الإجابات الصائبة لكل سؤال مرحلي، وتحديد العمل المناسب لكل إشكال راهني. بعد قراءة دقيقة للواقع، في تحدياته وإشكالاته، وفي إمكاناته وفرصه، وفي إكراهاته ومعيقاته.
ويمكن إجمال هذه الأجوبة في ثلاث محاور كبرى:
1 – حركية مستمرة في النقد والمراجعة، من وضع السؤال إلى تنويع طرق التفكير.
2 – مواجهة تحولات الواقع وإكراهاته، بمخطط استراتيجي دقيق وواضح.
3- صيانة الذات الجماعية للتنظيم، بتعميق جذور الشورى وتوفير مقومات الرسالية.
أ- حركية مستمرة في النقد والمراجعة، من وضع السؤال إلى تنويع طرق التفكير:
نشأت حركة التوحيد والإصلاح إثر مراجعات عميقة، ونقد شامل لكل تصوراتها ورؤاها دون استثناء، أدت إلى إعادة صياغة كل الوثائق المُؤسِّسة لأعمال الحركة الموحدة. وظلّت هذه الروح النقدية مصاحبة لكل أنشطتها في مختلف المراحل، حيث دأبت في كل جموعها سواء المحلية أو الوطنية، على تقييم المرحلة السابقة بكل إنجازاتها وإخفاقاتها، قبل استشراف ووضع خطوات وبرامج المرحلة المقبلة.
عملية التقييم هذه، تأسست على فلسفة خاصة عند الحركة، قِوامها عدم التحجير على إرادة الأفراد، وتوفير جو مناسب من الحرية لممارسة النقد البناء، وتحفيز الأعضاء على الجرأة في التعبير عن آرائهم، وتشجيعهم على الصدح بالحق بكل صدق وأمانة. مع تمكينهم من قيم الحوار والمناقشة، ومنهج التقويم والتصحيح والمراجعة. وتدريبهم على آليات ذلك من نماذج وبرامج، وإنشاء مؤسسات ومراكز تحتضن هذه الحركية النقدية وتواكب أشغالها وأعمالها، وتستفيد من خلاصاتها ونتائجها، وتوظفها في خطوات التصحيح والتصويب.
إضافة إلى ذلك، تَعتبر الحركة ممارسة أعضائها لهذا الحق، والتزامهم بآدابه وشروطه هو جزء من المسار التربوي الذي تطمح له منظومتها التربوية “سبيل الفلاح” في تخريج المسلم الرسالي، المعتز بكرامته والمُمارس لمقتضيات حريته، والملتزم بواجباتها قبل حقوقها. القادر على التفاعل مع القضايا والأحداث، ومساءلة التطورات والمستجدات، والبحث في سياقاتها وظروفها قبل العمل وبعد الإنجاز.
فأدى هذا المسار التربوي، إلى تقوية الحاسة النقدية لدى عموم أعضائها. وساهم في تنويع طرق التفكير لديهم، مما مكنهم من بناء مناعة منهجية تستلهم حيويتها ونشاطها من جهاز مفاهيمي متعدد المصادر، متكامل الوسائل، منسجم الغايات والمقاصد.
ب- مواجهة تحولات الواقع وإكراهاته، بمخطط استراتيجي دقيق وواضح:
من الخصائص المنهجية المؤطرة لرؤية الحركة وتصوراتها، اعتمادها على الفكر السُّنَني القائم على مبدأ الأخذ بالأسباب، كوسيلة أساسية في تحقيق أهداف ومقاصد المشروع الإصلاحي، واستفادة عملها الرسالي من الكسب الإنساني، في الإدارة والتخطيط والتنظيم.
ومن ذلك مقاربتها للواقع بظواهره وحقائقه، وتبنيها مداخل الإصلاح ومجالاته، بطريقة عِلمية متخصصة. تستجمع التهديدات وتصنفها، وتكتشف الفرص وترتبها، وتستشرف الطموحات وتحددها، وتتوقع المتغيرات وتميزها.
وبهذا الجهد الفكري والعمل التنظيمي المهني، استطاعت الحركة تحويل برامجها المتنوعة وخططها العملية، إلى قرارات محددة وخطوات مرتبة، لتنزيل مضامين رسالتها الإصلاحية، وتطبيق رؤيتها التجديدية، وفق منهج التدرج والاعتدال فكرا وممارسة.
في إطار هذا التوجه، يأتي اعتماد الحركة على المخطط الاستراتيجي، لأهمية كسبه التنظيمي المتمثل في توفيره معطيات دقيقة عن الواقع وإكراهاته، وتوفير تقنيات جديدة للبرمجة والتخطيط لمواجهته، وتوحيد الجهود والإمكانات، وتجويد مخرجات تحقيق الأهداف الرسالية، وبلوغ الإنجازات المتوقعة.
وأيضا لعائده الفكري، نظرا لاعتماده على منهجية تشاورية واسعة ومتنوعة، في كل مراحل المخطط بإشراف نخبة من الخبراء والمتخصصين، تُمَكن من صياغة إطار منهجي، وقاموس مفاهيمي للعمل والمتابعة والتقييم.
لذلك كان المخطط الاستراتيجي للحركة، هو جوابها العِلمي وبرنامجها العَمَلي، في معركتها الإصلاحية وتدافعها المدني، في استشراف المستقبل واستباق مخاطر وتهديدات الواقع، واستثمار فرصه وإمكاناته.
ج- صيانة الذات الجماعية للتنظيم، بتعميق جذور الشورى وتوفير مقومات الرسالية:
من السمات المميزة للحركة، استفادتها من وسائل العصر وتقنياته وعلومه، حيث أخضعت مؤسساتها المنتخبة، لقوانين تَحكم سيرها وتُوجه مسيرتها حسب قدرتها وإمكانها.
ورغبة منها في تجويد الأداة التنظيمية لمشروعها الإصلاحي، تقوم الحركة بين الفينة والأخرى، بتعديل أنظمتها القانونية ومساطرها الداخلية، تثبيتا للإيجابي منها وتجاوزا لما شابها من سلبيات. بما يتلاءم مع رسالة الحركة ورؤيتها، وما يتطلبه ذلك من هيكلة مناسبة، وبنية تنظيمية قادرة على استثمار الفرص وتمتين نقاط القوة وتفعيل البدائل.
إن اختيار الحركة للتنظيم الرسالي، القائم على مبدأ “وحدة المشروع بدل وحدة التنظيم”، جعلها تنحو إلى آليات تنظيمية تستوعب هذا الخيار وتدعمه وتحميه. من أهمها الوفاء لأصل الشورى الملزمة في اتخاذ القرارات، ودمقرطة الاختيار باعتماد الانتخاب آلية لتولي المسؤوليات، واحترام مواعيد الجموع العامة وطنيا ومحليا، سواء المرتبطة بالانتداب أو الانتخاب أو التقييم والمساءلة.
إضافة إلى اتجاهها نحو تخفيف المركزية والتمركز، في تسيير أعمالها وتحديد الوظائف الأساسية للحركة في ثلاثة مجالات رئيسية هي: الدعوة والتربية والتكوين، تركيزا للجهود الإصلاحية وتوجيها لها نحو تأثير أعمق، ومساحات أوسع وبوسائل أنجع.