حاجة المسلم المعاصر إلى إعمال فقه المصالح والمفاسد – عبد الحق لمهى

بداية لابد من التأكيد  على أن هدي الإسلام جاء لأجل  إصلاح واقع الحياة الإسلامية بمختلف تجلياتها، ومنه يكون هذا المقال محاولة للوقوف عند بعض قواعد الشريعة الإسلامية التي تساعد على تقويم واقع المسلمين .

يقول الله تعالى:  ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ ﴾ البقرة: 219

من هذه الآية استنبط علماء الشريعة، ومنهم الإمام الشاطبي رحمه الله مسألة جعلها من علم أصول الفقه ومقاصد الشريعة الإسلامية، فقد ذهب في كتابه الموافقات إلى أن المفاسد والمصالح لا يكاد يخلو منها أي تصرف وعمل ومنه العمل البشري .

إن حياة الإنسان المسلم بما هي تصرفات وأعمال صادرة عن البشر، لا تنفك عنها المصالح والمفاسد، فلو أخذنا أي فعل من أفعال الإنسان المسلم لوجدنا أنها كذلك. وهذا أمر طبيعي بالنظر إلى طبيعة الإنسان الذي جعله الله خطاء يصدر منه الصواب والخطأ، مما يجعل من حياته حياة تنتج المصالح والمفاسد .

إن القصد من كلامي في هذا المقام، أنه لما كانت الشريعة قد نصت على وجود المصلحة والمفسدة في الفعل البشري، وكانت الحاجة ماسة في واقعنا الحالي  إلى معرفة وجوه المصالح والمفاسد، وما إذا كان أفعالنا مصلحة خالصة ينبغي العمل على تحصيلها أو مفسدة خالصة تدعو الحاجة إلى دفعها. فإنه من الضروري أكثر من أي وقت مضى من حياة المسلمين، قيام العلماء العارفين بالواقع وتقلباته واضطراباته ببذل الجهد واستفراغ الوسع بغية إنذار الناس وإيضاح الطريق لهم، بل  تولي القول الفصل في ما يعرض للناس من أحوال تختلط فيها المصالح بالمفاسد، وترجيح مدى كون عمل بشري ما مصلحة خالصة أو مفسدة خالصة .

لقد تبين مما سبق أن مكانة ووظيفة أهل العلم في حياة الناس مهمة جدا، لذا كان من المفيد بل قل من الضروري الحضور الفعال لهؤلاء العلماء في الحياة الاجتماعية، مسددين لكل التصرفات الصادرة عن البشر بناء على هدي الشريعة وميزانها.

جدير بالإشارة إلى أن واقع الإنسان المكلف المسلم يطبعه شيء من التقعيد وتداخل مجموعة من العوامل ذات الصلة بالمصالح والمفاسد، أعني بذلك أن التوصل إلى تحديد هذه الأخيرة قد تحيط به معطيات عديدة تضفي عليه صعوبات كثيرة، ومن هنا تأتي مسألة إمكانية الحديث عن الاجتهاد الجماعي الذي يستحضر دور مختلف التخصصات العلمية والمعرفية من علماء الشريعة وغيرهم حسب طبيعة النازلة،   لإثبات مسمى المصلحة والمفسدة في عصر يطبعه التقعيد وتعدد العوامل المتنوعة والمتناقضة أحيانا.

فإذا توصل الاجتهاد الجماعي إلى رأي على مستوى فهم النازلة  تبقى الحاجة إلى فقه آخر لا يقل أهمية عن فقه الفهم لها، إنه فقه التنزيل لمجموع ما تحصل فهمه بخصوصها، وهذا أمر معلوم شرعا تناوله أهل العلم ومن هؤلاء الإمام الشاطبي في باب الاجتهاد حيت يقرر مسميات من قبيل تحقيق وتنقيح المناط وغير ذلك من التسميات ذات الصلة بمبحث الاجتهاد عنده .

وحتى يكون الكلام في هذا الباب قاصدا ، فبعد الحديث عما يمكن اعتباره من كيفيات التوصل إلى المصالح والمفاسد، يبقى تنزيل  هذا الأمر مطلوبا في حياة الأفراد والمجتمعات، ومن ذلك :

عرض الأفراد لمختلف تصرفاتهم على ميزان الشريعة أو على اجتهاد العلماء بغية الاقتراب من الصواب في هذا الباب.

المؤسسات بمختلف مجالات سواء الاقتصادية او السياسية، لا تكاد هي نفسها تستغني عن طلب رأي أهل العلم في سبيل إصابة الحق في باب المصلحة والمفسدة فهما وتنزيلا لذلك على  الواقع، فمتى كانت الاستشارة كانت القرارات التي تصدر عن تلك المؤسسات موفقة في تحصيل المنافع والمضار .

صفوة القول مما سبق أنه إذا كانت العصور الإسلامية الأولى متمسكة بفقه المصلحة والمفسدة آخذة به في حياتها المختلفة، كل ذلك والمسافة بينهم وبين نزول الوحي قريبة، فإن الحاجة ماسة في عصرنا هذا الذي بعدت بينه وبين زمن نزول الوحي الشقة، إلى مزيد تمسك بهذا الهدى الشرعي الأصيل  من قبل الأفراد والمؤسسات والدول والحكومات وغيرها .

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى