جولة ماكرون ولافروف بإفريقيا.. ماذا يخفي هذا التزامن؟
بشكل متزامن، قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بجولة في غرب إفريقيا، فيما اتجه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إلى شرق القارة السمراء. ويحاول كل طرف تحميل الآخر مسؤولية أزمة الغذاء العالمية، والتي ستكون الدول الإفريقية أول ضحاياها.
وشرع ماكرون في الفترة ما بين 25 و28 يوليوز الماضي، في جولة بغرب إفريقيا شملت الكاميرون وبنين وغينيا الاستوائية، وجميعها مستعمرات فرنسية سابقة، في الوقت الذي يشهد نفوذ بلاده تصدعا في أكثر من بلد إفريقي، أمام منافسة عدة دول صاعدة بينها روسيا والصين.
أما لافروف، فسبق ماكرون، إلى القارة السمراء بيومين، وختم جولته في 27 يوليوز، وشملت كلا من مصر وأوغندا والكونغو (برازافيل) وإثيوبيا، وجميع هذه الدول تقع شرقي القارة، باستثناء الكونغو الواقعة في غربها، والتي خضعت للاستعمار الفرنسي.
حرب الغذاء
لم يتردد ماكرون في اتهام موسكو، باستخدامها أزمة الغذاء العالمية كأحد “أسلحة الحرب”، نافيا من الكاميرون من يردده الروس بأن العقوبات الغربية على بلادهم وراء هذه الأزمة. لكن لافروف أكد من أوغندا أن روسيا “لم تكن المسؤولة عن أزمة الطاقة والمواد الغذائية”، نتيجة لعمليتها العسكرية في أوكرانيا، والتي أطلقتها في 24 فبرايرالماضي.
ويعكس التراشق بالاتهامات بين الفرنسيين والروس على أطراف القارة غربا وشرقا، حول المسؤولية في ارتفاع أسعار الحبوب والمواد الغذائية عالميا، رغبة في حشد أكبر قدر من الحلفاء الأفارقة. فروسيا ترغب في العودة إلى القارة السمراء من بوابة التعاون الأمني والعسكري، الذي يشكل هاجسا للبلدان الإفريقية، بينما تسعى فرنسا لتثبيت نفوذها في مستعمراتها السابقة، بعد أن خسرت نفوذها بمالي وجمهورية إفريقيا الوسطى في صراعها مع موسكو.
وقد تسببت الحرب الروسية في أوكرانيا في ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء والأسمدة، مما فاقم معاناة الدول الإفريقية ذات الاقتصاديات الهشة، خاصة المستوردة منها للغذاء من روسيا وأوكرانيا. ووتخاف فرنشسا وتقلق من امتلاك روسيا لقدرات تصديرية هامة من النفط والغاز والحبوب والأسمدة، لأن هذه القدرات تشكل سلاح موسكو لفرض نفوذها على القارة السمراء، واستقطاب الدول الإفريقية في صفها في صراعها مع الغرب.
وفي هذا السياق، امتنعت 17 دولة إفريقية عن التصويت بشأن قرار أممي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا، في مارس الماضي، بينما اختارت نحو 9 دول إفريقية التغيب عن الجلسة والنأي بالنفس، وصوتت دولة إفريقية واحدة (إريتريا) ضد القرار من إجمالي 54 دولة إفريقية.
وأدان نحو نصف القارة الإفريقية الغزو الروسي، بينما اختار النصف الثاني موقفا أقرب لموسكو منه للغرب، ما يعكس انقساما حادا في المواقف بين دول القارة، وتراجع الهيمنة الفرنسية والغربية على القارة. وهذا ما يفسر التنافس الحاد بين فرنسا وروسيا من أجل سحب دول القارة إلى صفها في أي معركة دبلوماسية قادمة.
معاقل أخيرة
هزيمة مدوية لفرنسا أمام روسيا دون قتال في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى ، تخشى باريس أي يمتد صداها من وسط القارة إلى غربها. لذلك كانت أول جولة إفريقية لماكرون بعد إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية إلى غرب القارة، وبالأخص إلى الكاميرون وغينيا بيساو، اللتين اختارتا التغيب عن جلسة التصويت على إدانة قرار “الغزو الروسي لأوكرانيا”، بينما انحازت بنين للموقف الفرنسي بالكامل، رغم أنها تستورد 100 بالمئة من القمح من روسيا.
ماكرون يريد من خلال زيارته لغرب إفريقيا طمأنة هذه الدول، بأن انسحابها العسكري من مالي بعد فشلها في القضاء على الجماعات الإرهابية لقرابة 10 سنوات، لا يعني ذلك تخليها عن أمن دول المنطقة. وقال “ستبقى فرنسا ملتزمة بحزم بأمن القارة، من أجل دعم شركائنا الإفريقيين وبناء على طلبهم”.
حمل ماكرون في جعبته مباردة غذائية للأفارقة لمقاومة إغراءات القمح الروسي، على شكل مساعدة القطاع الزراعي الإفريقي، وإقامة شراكة مفيدة مع أوروبا، وتمكين المناطق الإفريقية من السيادة الغذائية. لكن الروس يملكون سلاحا آخر ضد فرنسا؛ ماضي الأخيرة الاستعماري في إفريقيا، الذي لطالما نفخت فيه موسكو لدفع الأفارقة للتخلص من الهيمنة الفرنسية والغربية وتقديم نفسها كبديل.
ويدرك ماكرون هذه الحقيقة جيدا، خاصة وأن تجمعا لأحزاب كاميرونية، طالبه بالاعتراف بجرائم الاستعمار الفرنسي في بلادهم، لكنه لم يمتلك الشجاعة للاعتراف بها واكتفى بفتح “أرشيف اللحظات المؤلمة” في الكاميرون.
وقبل أن يتوجه لافروف إلى إفريقيا، وقعت روسيا وأوكرانيا وتركيا بإسطنبول على “وثيقة مبادرة الشحن الآمن للحبوب والمواد الغذائية من الموانئ الأوكرانية”، وهي رسالة روسية للأفارقة بأنها تأخذ أمنهم الغذائي بالحسبان، وأنها غير مسؤولة عن أزمة الغذاء العالمي التي نتجت عن عمليتها العسكرية في أوكرانيا.
ويتوقع خبراء أن يتسبب تصاعد أزمة الغذاء العالمي في اتساع رقعة الجوع خاصة بإفريقيا، مما ينعكس سلبا على أوضاعها الاجتماعية والأمنية، قد تؤدي لأزمات، خاصة مع احتدام الصراع الروسي الفرنسي في إفريقيا التي ستقسم إلى دول صديقة وغير صديقة.
وكالة الأناضول