جهود المغاربة في دعم قضايا الأمة: فلسطين نموذجا – عبد الرحيم مفكير
تقديم:
ارتبط المغاربة منذ القدم بدعم قضايا الأمم ببعد إنساني وكوني متميز أبان عن حس وروح متفرد في الاهتمام بقضايا البشرية من منطلق حق الآدمية، اعتمادا على قوله تعالى ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”. وتعد القضية الفلسطينية مرتكز القضايا، وتحتل مكانة عالية في الوجدان المغربي إلى جانب القضية الوطنية الوحدة الترابية للمغرب. وقد تميز المغرب بدعم الشعب الفلسطيني ملوكا وشعبا، وسجل بمداد الفخر جهاده وانتصاره لفلسطين والقدس ووحدة الشعب في الاستقلال والعودة لأراضيه المغتصبة. وتشكل القضية الفلسطينية نقطة التقاء واتفاق عند المغاربة مهما اختلفت الإيديولوجيات، حيث ارتبط المغرب بفلسطين منذ دخول الإسلام في المغرب في القرن الثاني الهجري، إذ كان المغاربة يتوجهون إلى الحجاز لأداء فريضة الحج ثم يقصدون بلاد الشام لزيارة بيت المقدس نظرا لمكانتها الدينية والتي يحتفظ بها المغاربة حيث يعتبر المغاربة أن المسألة الفلسطينية مختزلة في عقولهم كقضية وطن، مسارها النضال والمقاوم .وقد حظيت قضية فلسطين باهتمام كبير من المغاربة، الذين كانوا ينظرون إليها قضية دينية، قبل أن تكون سياسية وقضية جهاد مقدس لحماية المقدسات، قبل أن تتحول إلى “قضية وطنية” في أدبيات التيارات السياسية الوطنية والإسلامية المغربية، مما جعل منها قضية إجماع مؤكد لدى الشعب المغربي عليها، الذي طالب عبر مساره النضالي بحقوق الفلسطينيين، وندد بالعدوان الصهيوني ، ومناهضة كل أشكال التطبيع مع الكيان الإسرائيلي المغتصِب حق الشعب الفلسطيني.
كما تعلق المغاربة عبر تاريخهم بالقدس، لدرجة أن عددا لا يستهان به ممن قصدها منهم حاجا لم يتردد في اتخذها موطنا له، وما حي المغاربة إلا دليل دامغ على ذلك. وهو التعلق الذي وجد ترجمته في المرحلة الراهنة، في ترؤس العاهل المغربي للجنة القدس، وفي التظاهرات المليونية التي طالما عبر من خلالها المغاربة عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية. المغرب وفلسطين الرباط المقدس:
فلسطين لها حضور مميز وواعٍ يضاهي في قوته كثيرا، فهي قلب الوطن العربي. عندما يتحدثون عن القدس وكأنهم يتحدثون عن الأمل والرجاء والتسامح والفداء. فهي في أجندة الملايين من المغربيين وملتقى الديانات الثلاث، فالقضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة العربية لإنجاز المصالحة والوحدة. فالمغرب قدم الكثير للدفاع عن القدس ومواجهة الصهينة، يدعمون فلسطين كواجب ديني وحضاري تفرضه العقيدة والحضارة والتاريخ والرؤية الاستراتيجية وكأولوية وطنية ضمن أجندات المغرب .
لم يهتم بها المغاربة فقط لوجود العامل الديني لفلسطين وبالأخص القدس وإنما وصلها الرحالة المغاربة من أجل البحث عن العلم. فالرحالة أبو القاسم الزياني وأبو سالم العياشي حسب ما ذكره المؤرخون، كانوا يكتبون عن رحلاتهم عن فلسطين والقدس وهذا ما أثر كثيرا على الشعب المغربي، الذي يعتبر فلسطين ذاكرة تأبى النسيان ودما يسري في شريان قلوبهم، ذاكرة مستدامة صلبة عتية عن الذوبان أمام الإعصار .
ارتبطت جذور المغرب بجذور فلسطين والتحم الوفاء والوئام بينهما بالتعاون المستمر بروابط وطيدة. فارتبط بالقضية الفلسطينية على أكثر من صعيد. بعد حرق اليهود للمسجد الاقصى 1969، تم عقد أول مؤتمر لمنظمة المؤتمر الإسلامي بالدار البيضاء تحت رئاسة المغرب. وفي عام 1975 تم إنشاء لجنة القدس التي اتفقت عليها البلدان الإسلامية وشارك فيها الملك الحسن الثاني وشارك في تجريدة عسكرية 1973 .
وبعد حرب أكتوبر شارك المغرب في اتفاقية السلام عام 1978، وقام المغرب بدور الوساطة بين مصر وإسرائيل لإرساء المفاوضات. وفي عام 1974 اتخذ قرارا في مؤتمر القمة العربية في الرباط أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي لفلسطين .
1981 وفي سنة تم عقد قمة فاس الأولى بدعم من المغرب والأردن ليعلن أن منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للفلسطينيين. للوصول إلى الحل الشامل على أساس الحق والعدل. وفي عام 1982 انعقدت قمة فاس الثانية لأول مشروع عربي للسلام أقر في القمة بإنشاء دولة فلسطين وعاصمتها القدس. ولقب الملك الحسن الثاني رحمه الله أبو عمار برمز المقاومة والصمود. أعلنت منظمة التحرير باجتماع المجلس الوطني بالجزائر 1988، عن إنشاء سلطة فلسطينية وكان المغرب أول دولة يعترف بها. لم تنسَ فلسطين دور المغرب في دعم مدينة القدس عبر لجنة القدس في المؤتمر السادس لوزراء الخارجية في منظمة المؤتمر الإسلامي .
حيث كان المغاربة سدنة للمسجد الأقصى وحاملين مفتاح القدس. وهناك باب في القدس اسمه باب المغاربة وسمي بذلك نظرا لأن القادمين من المغرب كانوا يعبرون منه لزيارة المسجد الأقصى. واسمه أيضا باب البراق وباب النبي وسمي بذلك لأنه قريب من حائط البراق عند السور الغربي للمسجد الأقصى. فعمق العلاقة الفلسطينية والمغربية تأتي من العلاقة الأخوية بينهما لإيصال فلسطين إلى طريق الحرية والاستقلال. تهتم المملكة المغربية بإيصال قضية فلسطين عبر المحافل الرياضية والثقافية والاجتماعية حيث رفع العلم الفلسطيني أكثر من مرة على أرض ملاعب المغرب. وهناك تعاون مشترك بين المغرب وفلسطين من حيث تبادل الخبرات والمجالات والمعرفة، وهناك اتفاقيات بينهما مثل اتفاقية في مجال الزراعة كالتأمينات الزراعية في المغرب وصندوق درء المخاطر بين التعاضدية الفلاحية للتأمينات الزراعية في المغرب وصندوق درء المخاطر والتأمينات الزراعية في فلسطين .
وهناك اتفاقيات في مجالات التقنية، ومجالات التعليم وتطوير المناهج ودعم الموهوبين وتدريبهم وتأهيل المعلمين وإعطاء المنح للمتفوقين الفلسطينيين، وهناك اتفاقيات في مجال البيئة وهناك توقيع مذكرة تفاهم بين المغرب وفلسطين للتعاون في المجال البيئي ولدعم البيئة في فلسطين . وهناك الكثير من العلاقات المهنية بينهما .
ودعم المغرب القدس في مجال الاستيطان وعمل على إنقاذ القدس وحافظ على المقدسات وحافظ على سكانها نظرا لوجود الرابط الدموي بين فلسطين والمغرب من خلال استشهاد الحسني الطنجاوي وعبد الرحمن ازغار نصرة للقضية العادلة. يهتم المغرب في رسم البسمة والبهجة والفرح في قلوب أطفال فلسطين عن طريق الفرق الفنية التي تأتي إلى فلسطين خلال المهرجانات السنوية.
فالعلاقة التاريخية قديمة جدا بين فلسطين والمغرب لما لها من دور هام في دعم وإسناد قضية فلسطين حيث يعتبرون أن قضية فلسطين لا يمكن التنازل عنها ولها حق في تقرير مصيرها وإقامة دولة فلسطين على ترابها الوطني ودعم الاستقلال وحقها الثابت في مواجهة الاحتلال.
باب المغاربة سر التعلق والوجدان:
باب المغاربة هو أحد بوابات القدس. سمي بباب المغاربة نظرا لأن القادمين من المغرب كانوا يعبرون منه لزيارة المسجد الأقصى. وقد عرف هذا الباب أيضاً باسم باب حارة المغاربة، وباب البراق، وباب النبي. أعيد البناء الحالي لهذا الباب في الفترة المملوكية، في عهد السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في سنة 713 هجرية/ 1313 ميلادية.
باب المغاربة هو أقرب الأبواب إلى حائط البراق، كان في البداية باب صغير ثم تم توسيعه. عمليا اسم الباب الحالي هو إحياء لاسم بوابة سابقة من أيام التوراة: “وسيخرج نحو باب القمامة” “نحميا” الفصل الثاني آية 13. يصل الباب إلى مدينة داود، نبع الجيحون، بركة سلوان والى قرية سلوان. في العهد البيزنطي مر بالجوار شارع الكاردو الفرعي الذي وصل بين باب العمود في الشمال لبركة سلوان في الجنوب. في الغالب كان الباب مقفلاً وفتح فقط عند الحاجة، مثلا في أيام المحل لتمكين سكان سلوان من إدخال قرب الماء إلى سكان القدس. أيام الحكم الأردني (1948-1967)، تم توسيع الباب لتمكين العربات من الدخول. من على الباب من الخارج قوس يشبه الوسائد الحجرية وفوقه زخرفه مستديرة بشكل ورده.
حينما سئِل صلاح الدين من قبل حاشيته عن سبب إسكان المغاربة بهذه المنطقة، أي عند السور الغربي للمسجد الأقصى، وهي منطقة سهلية يمكن أن يعود منها الصليبيون مجددًا، كون الجهات الثلاث الأخرى وعرة، أجاب بقوله: “أسكنت هناك من يثبتون في البر، ويبطشون في البحر، من أستأمنهم على هذا المسجد العظيم، وهذه المدينة”.
تشهد الوقائع وكتب التاريخ والسير أن المغاربة من بين الشعوب الأكثر تعلقا بالقدس خصوصا وبفلسطين التاريخية عموما. فالحديث عن فلسطين بقدسها بالنسبة للإنسان المغربي يثير كوامن النفس ومشاعر الألم والأمل، واليأس والرجاء، والتسامح والفداء… ذلك أن فلسطين والقدس بالنسبة للإنسان المغربي هما مهوى أفئدة مئات ملايين المسلمين وقبلتهم الأولى وحجهم الثالث، وهي مهبط الأنبياء ومسرى خاتمهم محمد صلوات الله وسلامه عليه. لكل هذا وغيره، شكلت فلسطين ولا تزال جزءا من الذاكرة المشتركة والمتقاسمة بين أهلها وأبناء الشعب المغربي. وفي اعتقادي ما من مدينة في التاريخ استأثرت باهتمام المغاربة كما استأثرت به مدينة القدس، ذلك الاهتمام النابع من الوجدان المغربي القح وقيمه الروحية والحضارية.
فبعد نداء البابا أوربان الثاني سنة 1095م، وتمكن الحملات الصليبية من إخضاع القدس للاحتلال الصليبي، انبرى عدد من قادة المسلمين للتصدي له، ومن بينهم القائد البطل صلاح الدين الأيوبي الذي توجهت انظاره نحو الجناح الغربي من العالم الإسلامي حيث كان يومها معاصره السلطان يعقوب المنصور الموحدي، فوجه إليه سفارة يطلب من خلالها مده بالأساطيل لمواجهة جيش الإفرنج. وفي هذا الصدد، يقول ابن خلدون: «ويقال إنه جهز له بعد ذلك مائة وثمانين أسطولا، ومنع النصارى من سواحل الشام، والله تعالى أعلم.» ومهما اختلفت المصادر حول هذا الموضوع، فإنها تجمع على حضور أهل المغرب بأرض الشام وقتالهم المستميت لجيش الفرنجة، مما بوأهم مكانة مرموقة لدى صلاح الدين الأيوبي وابنه الذي يرجع له الفضل في تخصيص بقعة أرضية بجوار المسجد الأقصى لمن آثروا المكوث في فلسطين من المغاربة بعد أداء واجب الجهاد، وهي القطعة الأرضية التي حملت اسم حي المغاربة وبابه المشهورة أيضا « بباب المغاربة».
واستدلالا على أن للمغرب والمغاربة علاقة خاصة بالقدس وفلسطين، تحدث الرحالة ابن بطوطة والعلامة أحمد المقري والمؤرخ أبو القاسم الزياني وغيرهم عن عقارات ومدرسة ومساجد تنسب للمغاربة في القدس؛ كالوقف المنسوب للمجاهد الشهير الشيخ عبد الله المصمودي المغربي على سبيل المثال لا الحصر
واجتهدت الدولة المرينية في تنمية الأوقاف المغربية في القدس، وكان سلاطينها أنفسهم ينسخون المصاحف بخط أيديهم ويبعثونها لمكتبات القدس الشريف تعبيرا عن تعلقهم به.
واستمرت الصلات قائمة ومتصلة على عهد السلطان أبي العباس أحمد المنصور الذهبي الذي كان يستقبل في قصره «البديع» بمراكش العديد من علماء القدس.
ومجمل القول، إن فلسطين ظلت على مر الأزمنة والحقب بالنسبة للمغاربة أرضا للزيارة يقصدونها جيئة وذهابا «يقدسون ويخللون» على حد تعبيرهم، أي يزورون مدينتي القدس والخليل، سواء كان طريقهم نحو الحجاز لأداء مناسك الحج أو نحو العاصمة العثمانية اسطنبول في مهمات سياسية ودبلوماسية. والباب هو جزء من حارة المغاربة، وهي من أشهر الحارات الموجودة في البلدة القديمة بالقدس، ويرجع جزء من شهرة الحارة إلى إقدام إسرائيل على تسويتها بالأرض بعيد احتلال القدس عام 1967م، حيث حوَّلتها إلى ساحة سمتها “ساحة المبكى” لخدمة الحجاج والمصلين اليهود عند حائط البراق.
وتكررت مشاركة المغاربة في الجهاد في فلسطين عام حرب 1948 بمتطوعين ضد الميلشيات الصهيونية المحتلة، وتوالت المشاركات فردياً بفدائيين متطوعين، التحقوا بصفوف فصائل المقاومة الفلسطينية على مر العقود الماضية.
الحركة الوطنية وفلسطين:
في المغرب الأقصى كان لظروف السيطرة الغربية على أرضه في العام 1912، وانشغاله بالكفاح المسلح اذي لازم كفاحه السياسي في النصف الثاني من ثلاثينات القرن العشرين، دوره في عدم وجود ردود فعل مغربية قبل العام 1929 تجاه القضية الفلسطينية في العشرينات، على الرغم من أن علال الفاسي قد حمل السلطات الفرنسية سبب هذا التقصير.
في المغرب الأقصى كان سبب ازدياد الاهتمام المغربي بأحداث البراق، إضافة إلى مكانة القدس الدينية، يعود لوجود موانين مغاربة في منطقة باب المغاربة في فلسطين، الذين تضررت منازلهم، وهذه المنازل هي أملاك وقفية مغربية سعى يهود المغرب مرات عديدة لشرائها ولكن دون جدوى، إلى جانب تضرر بعض المغاربة في القدس بسبب رفضهم البيع أثناء أحداث البراق، مما دفع القوى الوطنية لإعلان المساندة.
تقول الباحثة بشرى خير بك: “لقد شكل رد الفعل المغربي على ثورة البراق محك اختبار حقيقي بالنسبة لكل من علال الفاسي ومحمد بن الحسن الوزاني ورفاقهم، ولم يكن لها تأثير على العلاقات بين الجماعتين المسلمة واليهودية، والتي تميزت بانضباط كبير. وقد طبع هذا الاعتدال الموروث عن روح التعايش بين الجماعتين، مواقف الوطنيين فيما تجاه النخب اليهودية”
لقد تزامنت حادثة البراق في العام 1929 في فلسطين مع ممارسات استعمارية في الأقطار المغربية تمثلت بمظاهر استفزازية عديدة كانت غاية في الأهمية، ولكن ما يسترعي الانتباه أنها استهدفت المساس بالهوية الدينية بشكل خاص، سواء المغربية منها أو الفلسطينية، وهذا ما جعل ردة الفعل المغربية شديدة على أحداث البراق، وتمثلت بالمساندة المعنوية والمادية معاً.
وفي مرحلة (1936- 1939) شهدت كتلة العمل الوطني انقساماً إلى عدة أحزاب سياسية، مما أفقدها المساندة الجماهيرية التي كانت تنشدها، وهذا الأمر دفعها إلى الاهتمام بتطورات القضية الفلسطينية كي تتمكن من استقطاب الجماهير حولها.
الحركة الوطنية المغربية والقضية الفلسطينية بين سنتي 1939-1930.
إن اختيار هذا التاريخ كمحدد زمني لاهتمام الحركة الوطنية المغربية بالقضية الفلسطينية لا يعني غياب القضية عن بال المغاربة، ولكن وبسبب ظروف الاحتلال العسكري الفرنسي والإسباني، وكذا أوضاع التجزئة للكيان المغربي والمواجهات التي لم يهدأ أوارها إلا في أوائل الثلاثينات من القرن العشرين، لم تنضج لدى المغاربة مواقف داعمة على أعلى مستوى أو تتجسد على أرض الواقع. وكما يذكر المرحوم العلامة الزعيم علال الفاسي (في كتابه الحركات الاستقلالية في المغرب العربي)،» لم تكن هناك ردود فعل واضحة لمساندة القضية الفلسطينية قبل انطلاق المغاربة في حركة سياسية وطنية لمجابهة نظامي الحماية الفرنسية والاسبانية، ذلك أن مرحلة العشرينات كانت مرحلة نضال مسلح في المغرب وبالتالي شغلت الكثيرين من المغاربة عن الاهتمام بقضايا خارج نطاق المغرب».
وقد كانت أحداث البراق بالقدس أواخر سنة 1929 المناسبة الاولى التي عبر فيها الوطنيون المغاربة علانية عن استنكارهم للواقعة، حيث حصل تحرك جماهيري على نطاق واسع في بعض المدن المغربية كتطوان وسلا وفاس عبر خلاله المنتفضون والمتظاهرون عن احتجاجهم ضد السياسة البريطانية المتواطئة مع الصهاينة، وذلك برفع وثيقة احتجاج وتنديد إلى رئيس الوزراء البريطاني ماكدونالد MacDonald قدمها الزعماء الوطنيون المغاربة علال الفاسي ومحمد بلحسن الوزاني جاء فيها: «نبلغكم استياء عموم المغاربة المسلمين استياء عميقاً للحوادث المؤلمة التي وقعت في فلسطين والظلم الفادح الذي أصاب المسلمين بتلك الناحية من جراء المساعي الصهيونية …. وان المساعدة التي تقدمها السلطة الانجليزية تجعل أربعمائة مليون من المسلمين في سخط تام على السياسة الانجليزية….». وقد كان لهذه الوثيقة الاحتجاجية صدى كبير داخل المغرب وخارجه.
وسعت سلطات الحماية الاسبانية بشمال المغرب والتي كانت تقلقها علاقات أهل مدينة تطوان بالفلسطينيين وبمفكري المشرق العربي من قبيل الأمير شكيب أرسلان ومواظبتهم على قراءة الصحف الفلسطينية إلى إعاقة النداءات التي وجهها الشباب المغربي لأهل المدينة قصد التضامن مع أهل فلسطين بالاعتقال والسجن.
وفي يونيو 1930، وعلى إثر إصدار سلطات الإقامة العامة الفرنسية لما سمي ب «الظهير البربري السيئ الذكر»، بلغ النضج والوعي الوطني لدى المغاربة شأوا كبيرا ومدى بالغا وازداد معه اهتمام المغاربة بالقضايا الوطنية والقومية، لاسيما القضية الفلسطينية ، وقد انضم وفد مغربي مكون من شخصيات وطنية إلى المؤتمر الإسلامي العام بالقدس، من أجل الدفاع عن القضية الفلسطينية
وكانت لاندلاع الثورة الفلسطينية عام 1936 بسبب ارتفاع أعداد المهاجرين اليهود بين عامي 1933 و 1935 أصداء واسعة في صفوف الحركة الوطنية المغربية ، ففي مدن الرباط وفاس والدار البيضاء، خرج الوطنيون المغاربة في مظاهرات صاخبة وقدموا عرائض استنكار واحتجاج أرسلت إلى القنصلية البريطانية جاء فيها: « … نستنكر هذه السياسة الغاشمة ونعتقد أن ﺃرض فلسطين جزء من البلاد الإسلامية ونحن متضامنون أدبياً مع إخواننا الفلسطينيين… ولا يمكن أن نغض الطرف عما يجري في تلك البلاد التي تربطنا بها روابط مقدسة…». كما طالب الوطنيون المغاربة اليهود في المغرب بعدم تقديم أي دعم للصهيونية في فلسطين والإبقاء على العلاقات الجيدة التي تجمعهم في المغرب.
وعلى اثر قيام الحكومة البريطانية بتقديم تقرير اللجنة الملكية ،لجنة بيل عام 1937 والتي أوصت بتقسيم فلسطين وإنشاء دولة يهودية فيها، بعث أهل مدينة سلا الذين اجتمعوا في المسجد الاعظم رسالة إلى مفتي القدس الحاج أمين الحسيني يستنكرون فيها وبشدة قرار التقسيم الذي عدوه «…سبة على جبين التاريخ وإهانة للعروبة والدين الحنيف …». كما أرسلوا عريضة احتجاج للقنصل العام البريطاني اعتبروا فيها قرار التقسيم «إهانة في الصميم لجميع الشعوب الإسلامية واحتقارا للوطنية وضربة في الاعماق للوحدة الإسلامية المقدسة…». كما أسس الزعيم علال الفاسي» لجنة حماية فلسطين والأماكن المقدسة» مهمتها العمل على إشعار الرأي العام المغربي بمخطط الاستعمار والصهيونية على العروبة والإسلام.
ومن أجل مضاعفة الاهتمام الوطني المغربي بالقضية الفلسطينية، انبثقت عن حزب الاصلاح المغربي، بزعامة المرحوم عبد الخالق الطريس في منطقة الحماية الاسبانية شمال المغرب « اللجنة القومية للدفاع عن فلسطين» لجمع التبرعات وبعث الاحتجاجات وإذاعة بيانات الهيئة العربية العليا في فلسطين على الشعب المغربي. كما عملت اللجنة على اقامة مهرجان مشترك بالتنسيق مع لجنة حماية فلسطين والأماكن المقدسة المنبثقة عن الحزب الوطني، أطلق عليه يوم فلسطين وتعهد الوطنيون بإقامته كل عام.
وبذل حزب الوحدة المغربية بزعامة المرحوم محمد المكي الناصري في منطقة الحماية الاسبانية أيضا جهوداً كبيرة لتعريف الرأي العام المغربي بالقضية الفلسطينية وكشف المخططات والدسائس التي تحيكها الصهيونية داخل المغرب نفسه، ودعا زعيم الحزب يهود المغرب الى الانخراط في نضال العرب ضد الصهيونية وعدم الانسياق وراء المخططات الاستعمارية الاوروبية ، لافتا النظر إلى تسامح المسلمين تجاه اليهود خلال نكباتهم بالبلدان الأوروبية.
وبمناسبة صدور الكتاب الابيض من قبل بريطانيا سنة 1939، نبهت جريدة «بريد الصباح»، لسان حال حزب الحركة القومية بزعامة المرحوم محمد بلحسن الوزاني، المغاربة لما يجري بفلسطين من خلال مقالة نشرتها الجريدة قدمت فيها لمحة تاريخية عن سعي الحركة الصهيونية إلى تشكيل قوة تتمكن من خلالها من تحقيق وعد بلفور بمساندة بريطانيا، وقد ذيلت الجريدة مقالتها بالقول إن حزب الحركة القومية كحزب عربي مسلم يرى أن من أوجب الواجبات في حقه أن يعمل ما في وسعه في سبيل دعم ومؤازرة فلسطين.
وعلى إثر الأحداث المتأزمة في فلسطين سنة 1939، وما صاحبها من أعمال عنف بحق الفلسطينيين، قامت الأحزاب الوطنية المغربية في جنوب المغرب وشماله بحملة وطنية لجمع التبرعات سميت ب «حملة إغاثة منكوبي فلسطين «.
الحركة الوطنية المغربية وتطور القضية الفلسطينية 1939- 1948م:
لم تحظ القضية الفلسطينية بما يجب من كبير الاهتمام من قبل الحركة الوطنية المغربية خلال الحرب العالمية الثانية في الفترة من 1939 إلى 1945 ، ومرد ذلك إلى ما تعرض له قادة الحركة الوطنية ومؤيدوها من اضطهاد واعتقالات على أيدي سلطات الحمايتين الفرنسية والاسبانية على حد سواء، زيادة على معاناة المغرب اقتصاديا من أتون الحرب العالمية لاسيما بعد الغزو النازي الألماني سنة 1940. إلا أنه وفي اعقاب الحرب العالمية الثانية وما شهدته الحركة الوطنية من تطور نوعي تميز بالجهر بمطلب الاستقلال الوطني بوضوح كامل واكتسابها مزيدا من الجرأة والتقدم في التصدي للسلطات الاستعمارية، عرف اهتمام الحركة الوطنية المغربية تحولا جذريا ونوعيا في العلاقة بالقضية الفلسطينية بحيث تم الانتقال من النضال الوطني المحلي إلى النضال العروبي والإسلامي عبر جامعة الدول العربية والهيآت التي برزت بعد انتقال مركز نشاط الحركة الوطنية المغربية من باريس إلى القاهرة عام 1947، غداة لجوء محمد بن عبد الكريم الخطابي، بطل ثورة الريف إلى مصر في العام ذاته، والتي أعطت تصريحاته لدعم القضية الفلسطينية عمقاً للعلاقة التي جمعت الوطنيين المغاربة بفلسطين، اذ أشار في إحدى تصريحاته: «… إن فلسطين بلاد عربية ولا بد أن تبقى عربية… وهي لم تغب عن بالي عندما كنت في المنفى». كما كان البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي حريصا على إعلان تأييده للقضية الفلسطينية بقوله :»… نؤيد كفاح الشعب العربي الفلسطيني ونتضامن معه من أجل إحقاق الحق العربي في فلسطين». كما بين موقف المغاربة من القضية الفلسطينية بقوله: «…إن المغاربة ومنذ 25 سنة رفضوا وعد بلفور وما زالوا يساهمون في الجهاد العربي من أجل فلسطين». وصرح محمد بن عبد الكريم الخطابي في نفس السنة عن استعداده لقيادة أبناء المغرب العربي في تحرير فلسطين وإحياء خطته التي انتهجها في حرب التحرير الريفية بين عامي 1921 و 1926. ومن الجدير بالذكر أن العديد من القياديين الفلسطينيين كانوا يترددون عليه في القاهرة للاستفادة من خبرته العسكرية في حرب العصابات الشهيرة اللصيقة باسمه وبثورته الشعبية.
ج– موقف الحركة الوطنية المغربية من قرار التقسيم الدولي عام 1947
في 29 نونبر1947، اتخذت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة قرارها تحت رقم 181 القاضي بتقسيم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية وحكم دولي خاص بالقدس. وقد واكبت الحركة الوطنية المغربية تطورات وتداعيات القضية الفلسطينية في ردهات ومكاتب الأمم المتحدة، واتخذت مواقف وازنة ومتميزة عبرت من خلالها عن موقفها الداعم لنضال الشعب الفلسطيني. ففي 21 دجنبر 1947، عقد المجلس الاعلى لحزب الاستقلال بزعامة علال الفاسي جلسة استثنائية للنظر في القرار 181 ، وبعد الاجتماع، اصدر الحزب بياناً موجها إلى الشعب المغربي بجميع مكوناته مسلمين ويهودا، مطالبا اياهم بوحدة الصف والتعبئة لمواجهة الفكر الصهيوني، ومما جاء فيها: «… يطلب الحزب من جميع المغاربة أن يقاوموا فكرة الصهيونية ويعرقلوا أعمالها… ويوجه هذا الطلب بصفة خاصة إلى المواطنين اليهود ليتعاونوا مع إخوانهم المسلمين في هذا العمل الانساني الذي يرمي إلى الدفاع عن حقوق سكان فلسطين الأصليين من مسلمين ومسيحيين ويهود على على السواء…».
كما بعث المجلس الاعلى لحزب الاستقلال برقية إلى الامين العام لهيئة الامم المتحدة، وأكد على دوره العربي في القضية الفلسطينية من خلال إرسال برقية إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، مؤيدا فيها جهودها ومساعيها الحثيثة في جميع قرارات مجلسها في سبيل الدفاع عن الارض المقدسة.
موقف الحركة الوطنية المغربية من الحرب العربية الإسرائيلية لعام 1948:
ازدادت القضية الفلسطينية تعقيدا عندما عمدت سلطات الانتداب على فلسطين في 15 ماي 1948 إلى الاعلان عن انهاء الانتداب والتآمر مع الصهيونية لقيام دولة اسرائيل في اليوم ذاته. ونتيجة لذلك، اتخذ مجلس الجامعة العربية قرارا بزحف الجيوش العربية الخمسة لدول العراق وسوريا ولبنان والاردن ومصر نحو فلسطين لإخراج العصابات الصهيونية منها، مما ادى الى اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية الاولى عام 1948. وتعبيرا عن مظاهر التضامن المغربي مع دول المشرق العربي في حربها ضد الكيان الصهيوني، أخذت الحركة الوطنية المغربية على عاتقها زمام المبادرة تجاه التفاعل والتضامن مع الجيوش العربية المحاربة في فلسطين. وهكذا، بادرت القيادات الوطنية في المغرب وتونس والجزائر للتنسيق والعمل على تهيئة متطوعين مغاربيين وإرسالهم للمشاركة في حرب فلسطين. كما نظمت الحركة الوطنية المغربية مهرجانات خطابية ووزعت مناشير لتوعية الشعب المغربي بحقيقة الحركة الصهيونية وخطرها على الوحدة العربية. وفي القاهرة، التي كانت مركز تجمع الحركات الوطنية المغاربية، سارعت قيادات الحركات الوطنية الثلاث –المغرب-تونس- الجزائر- إلى فتح مكاتب لتسجيل أسماء المتطوعين من أبناء المغرب العربي، الذين وفدوا الى القاهرة وانضموا إلى المتطوعين العرب المشاركين في حرب فلسطين في 1948.
ويشير الزعيم علال الفاسي إلى ان مجموع متطوعي ابناء المغرب العربي بلغ خمسة آلاف متطوع توجه معظمهم إلى فلسطين، ومن لم يتمكن منهم من الوصول إليها، فبسبب الرقابة التي كانت تمارسها السلطات الاستعمارية.
وقد لعبت لجنة تحرير المغرب العربي بزعامة البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي دورا ملموساً في الدفاع عن فلسطين، وذلك عندما أوعزت من خلال خطابات زعيمها إلى المغاربة المجندين في صفوف الجيش الفرنسي المتوجه إلى الهند الصينية آنذاك، بالفرار من البواخر الفرنسية العابرة لقناة السويس والالتحاق بالمتطوعين المغاربة المشاركين في الحرب الدائرة بفلسطين.
وعن مظاهر الدعم المادي للمغاربة في الحرب العربية الاسرائيلية، قامت الحركة الوطنية المغربية بحملات واسعة داخل المغرب وخارجه لجمع التبرعات من الأوساط الشعبية التي لم يتسن لها المشاركة في الحرب، وقد تم دفع جزء من الاموال إلى جامعة الدول العربية ورصد جزء منها للجيوش العربية.