تعصب مقيت – خديجة رابعة
التعصب ظاهرة موغلة في القدم في تاريخ البشرية، و لا زالت مستمرة للأسف في عصرنا الحالي و بأشكال مختلفة.
يمكن تعريفه بأنه شعور داخلي بالتفوق و الاستعلاء، يجعل الفرد يرى نفسه و عصبته فوق الآخرين، و يعتبر نفسه على حق دائما فيما الطرف الآخر على باطل.
إنه اعتداد المرء برأيه و تحقيرللرأي المخالف.
و المتأمل في شخصية المتعصب يجده غالبا ما يشعر بالنقص الذاتي، و يلجأ لجبره بالانضمام لفريق يستقوي به، و يخدم مصالحه العاجلة و الآجلة، و من هنا اسم : عصبة الذي ورد في القرآن الكريم في سياق الذم في قوله تعالى:” لقد كان في يوسف و إخوته آيات للسائلين، إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا و نحن عصبة. إن أبانا لفي ضلال مبين.” سورة يوسف: الآية 8
و في قوله سبحانه:” إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم، لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم.” سورة النور: الآية 11
و المتعصب بارع في اكتشاف أخطاء الآخرين في حين لا يستطيع النظر في المرآة و نقد ذاته.
المتعصب شخصية حدية متصلبة الفكر، خضعت في الغالب لتنشئة اجتماعية في بيئة مغلقة أو قاسية
المتعصب قد يمارس عدوانا لفظيا أو عمليا على من يخالفه، مما قد يشكل له تنفيسا عما يختلج في نفسه من أحقاد، لكنه يفوت الفرصة عليه في حل المشاكل حلا رشيدا و منصفا.
ما أكثر هؤلاء في أيامنا !… و ما أشد الحاجة لمواجهة غوغائيتهم و عنصريتهم المقيتة.
و نحن نعيش على أعتاب ذكرى مولد النور صلى الله عليه و سلم، و وسط زوبعة أثارتها الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لرسولنا الكريم، تساءلت هل واجه رسول الله نماذج من هؤلاء المتعصبين؟ وكيف تعامل معهم عليه الصلاة و السلام ؟
وبعد التقصي، وجدت سيرته العطرة حبلى بالمواقف التي تعطينا الجواب الكافي و تصف لنا الجواب الشافي في هذا الصدد. أذكر من بينها ثلاثة مواقف.
- رفضهالعنصرية و الاستقواء على الضعفاء
كان لأبي ذر الغفاري عبد مملوك، و حصل أن اختلف معه في مسألة و تطور الخلاف إلى تلاسن بالقول فعير أبو ذر الرجل بأمه قائلا له: “يا ابن السوداء”، فغضب العبد و شكا سيده لرسول الله. فتمعر وجه رسول الله غضبا و قال له:” يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية ” ثم قال: ” إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أخاه تحت يده فليطعمهمما يأكل، و ليلبسه مما يلبس، و لا يكلفه من العمل ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه فليعنه عليه”.
- “دعوها إنها منتنة” :
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار!…، و قال المهاجري : يا للمهاجرين!… فقال رسول الله : “ ما بال دعوى الجاهلية.” قالوا يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار. فقال: ” دعوها إنها منتنة.” ( متفق عليه)
و سماها رسول الله دعوى الجاهلية لأنه مما كانت عليه الجاهلية من التعاضد بالقبائل و العصبات، فجاء الإسلام مبطلا للعصبية و محقا للحق.
- أم جميل …حمالة الحطب تهجو رسول الله
لم تكتف امرأة أبي لهب بوضع الأشواك في طريق رسول الله، و لم يبرد حقدها بعد تطليق ابنيها لابنتيرسول الله صلى الله عليه و سلم، بل راحت تطلق اسما ساخرا على رسولنا الكريم، و صاغت شعرا لهجائه تقول فيه: ” مذمما أبينا.. و دينه قلينا.. و أمره عصينا..”
فما زاد رسول الله عن قوله: ” ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش و لعنهم . يشتمون مذمما و يلعنون مذمما و أنا محمد.”
إلى كل من سولت له نفسه الإساءة لنبينا الكريم عبر رسوم كاريكاتورية و غيرها:
ما ترسمونه ليس محمدا
ما تفعلوه لن يزحزح حبه في قلوبنا قيد أنملة
لن تزيد أفعالكم العنصرية أفئدتنا إلا تعظيما و توقيرا لرسولنا، و لن تزيد من لا يعرفونه إلا بحثا عن الحقيقة و التحاقا بقافلة الإسلام
أزعجكم إسلام الأسيرة الفرنسية في مالي صوفي بترونين؟!
أقلقكم عدد المسلمين المتزايد في الغرب و في فرنسا
أقض نومكم تحول الإسلام الفرنسي من الدروشة التقليدية المدجنةإلى النهج الإصلاحي الحداثي العصي عن التطويع و الإخضاع
فرنسا من تعيش الأزمة وليس الإسلام
أزمتها في عجزها عن تدبير العلاقة بحكمة وإنصاف مع مواطنيها المسلمين
فلتنزل من برجها العاجي، و لتحترم حقوق الفرنسيين المسلمين في ممارسة شعائرهم و عدم المساس بمقدساتهم،
و لتتخل عن عنجهيتها الاستعمارية و عن تعصبها المستفز لملياري مسلم.
هذه رسالة إلى المتعصبين الجدد في ذكرى ميلاد الرحمة المهداة:
عالجوا تعصبكم المقيت بجرعات من:
- العقلانية الموضوعية و رفض الأفكار النمطية و الأحكام المسبقة على الآخر المختلف
- الإنصاف: كفى تمييزاو كفى كيلا بمكيالين.
- الإنسانية: تقبلوا الناس بمعايير إنسانيتهم لا بمعاييركم الشخصية المطففة.
بقلم: خديجة رابعة
يومه 25 أكتوبر 2020