تونس.. جدل الموالاة والمعارضة بتونس ودعوات للحوار والمصالحة

تستمر في تونس دعوات متنوعة إلى حوار وطني، رغم إصدار محكمة في 5 فبراير الجاري أحكاما مشددة في قضية شركة الإنتاج الإعلامي “إنستالينغو” بتهم بينها “المساس بأمن الدولة” و”الاتيان بأمر موحش في حق الرئيس”.

وقضت المحكمة بالسجن 22 سنة بحق رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي (83 عاما)، وبسجن رئيس الوزراء السابق هشام المشيشي 35 سنة، والصحفية شذى الحاج مبارك 5 سنوات، والصحفية شهرزاد عكاشة 27 سنة.

وخلال جلسة لمجلس النواب في 20 يناير الماضي، تلا النائب ثابت العابد بيانا وقَّعه 11 نائبا وحمل عنوان “الوحدة الوطنية هي السبيل الأنجع لمجابهة التحديات المستقبلية”.

ووفق البيان فإن “الوحدة الوطنية أمر مطروح على أعلى مستوى هرم السلطة”، في إشارة إلى الرئيس قيس سعيد، الذي فاز في أكتوبر الماضي بولاية رئاسية ثانية تستمر 5 سنوات. كما طرحت أحزاب سياسية، تعتبر نفسها داعمة لخط الرئيس سعيد السياسي، فكرة الحوار الوطني الضروري من وجهة نظرها.

حوار ووحدة وطنية
وقال العابد في تصريح لوكالة لأناضول: “في المدة الأخيرة البعض تحدث عن الحوار الوطني، والبعض تحدث عن الوحدة الوطنية”. وأضاف أن “رئيس الجمهورية تحدث مؤخرا في 3 مناسبات عن الوحدة الوطنية … كمشرّعين نرى أن الحوار الوطني والوحدة الوطنية لابد أن تناقش بكل عقل بارد ونبحث في أصل الخلل”.

وزاد “تحدثنا عن جملة من المعالجات الضرورية، بينها أن المجال العمومي السياسي مغلق، وهذا ربما يطلق العنان لخطابات سياسية عنيفة في غياب أحزاب سياسية”، وفق العابد. واستطرد: “أيضا لاحظنا أن الصحفي فقد دوره كوسيط للمعلومة، وبالتالي أصبحت الإشاعات وتناول الخبر في وسائل التواصل الاجتماعي هو الطاغي”.

وتابع، أن “البرلمان في حد ذاته ليس له سند سياسي أو ائتلافي (..) ولاحظنا كثرة المبادرات التشريعية التي ليس لها خيط ناظم أو فعل منسجم”، موضحا أن “كل هذا لاحظناه، فتقدمنا بجملة من المعالجات الضرورية … وهذه شروط إنجاح الوحدة الوطنية والحوار الوطني”.

إجراءات ضرورية
ومن الإجراءات لإنجاح الحوار الوطني وفق العابد “تفعيل الهيئات التعديلية (العدل) والمنظمات، وخفض التوتر المفروض على الجمعيات (المجتمع المدني)؛ لأنه لا يمكن أن تغيب الأجسام الوسيطة كليا عن المشهد”.

وأضاف أنه يجب “تركيز (تشكيل) المحكمة الدستورية من أجل استدامة الديمقراطية وحكم القانون، وإعادة تفعيل الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي البصري، و(تمرير) مشروع قانون يدعم جودة واستقلالية وسائل الإعلام”.

وتابع “تحدثنا عن مَن نعتقد أنهم مساجين رأي وكلمة، وقلنا لابد من تعديل القوانين التي تحاكم الكلمة على غرار المرسوم 54″، مشددا على ضرورة “أن نذهب إلى حوار وطني عقلاني من أجل وحدة وطنية نحن في أمس الحاجة إليها في ظل التغيرات الإقليمية والدولية”. وزاد أن “هذا التوتر الإقليمي والدولي علينا الاستعداد له، ولا يمكن أن نقف تجاهه إلا في ظل وحدة وطنية ووحدة الصف الداخلي”.

وعن دور الأحزاب، قال العابد “في العلوم السياسية غياب الأحزاب يطلق العنان للظواهر الفوضوية والفاشية والشعبوية”. وأردف أن “الخطاب العنيف الذي يعتمد على تقسيم الشعب إلى أطهار وأخيار وأشرار دون معايير ودون ضوابط لا يخدم مصلحة تونس”، مؤكدا أن بلاده “يجب أن تتجه إلى وحدة وطنية لمعالجة حقيقية للمسائل الأساسية، وهي الاشكال الاقتصادي والتنمية والتشغيل، التي لا يمكن معالجته دون معالجة المشكل السياسي”.

تمنيات وانتظارات
بالنسبة لرئيس جبهة الخلاص الوطني (أبرز ائتلاف معارض) أحمد نجيب بالشابي فإنه “يَروج حديث عن مصالحة بين الحكومة والمعارضة، وفي رأيي هذا يعكس تمنيات وانتظارات بعض الأوساط”.

وقال الشابي لوكالة الأناضول إن “هذا يعبر عن انسداد الأفق السياسي في تونس، حتى أن أنصار الرئيس أصبحوا يبحثون عن حل، وبعضهم يطرح فكرة المصالحة الوطنية”. وتابع “المصالحة تعكس إرادة طرفين والتقاء إرادتين، وهذا يفترض أن السلطة تعبر عن رغبتها في حلحلة وضع ما، ولكن مركز السلطة هو قيس سعيد”.

وزاد أن سعيّد “عندما يذكر المعارضة يذكرها على سبيل الشيطنة والتخوين، وآلة القمع منفلتة يوميا.. هناك محاكمات وتحقيقات وسجون”. وتتهم المعارضة سعيد باستخدام القضاء لملاحقة المعارضين له، بينما يردد الرئيس أن المنظومة القضائية مستقلة وإنه لا يتدخل في عملها.

وأردف الشابي “خطاب الرئيس حول الوحدة الوطنية لا يعتبر أن للوسائط مثل الأحزاب والمنظمات وطنية أو نقابية، دور في الحياة العامة”، مشيرا إلى أن “المعارضة تطالب بحوار وطني، سواء شارك فيه الرئيس قيس سعيد أو لم يشارك فيه”.

وتابع أن “هذا يفترض أن الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات المدنية تلتقي في مؤتمر وطني لحوار وطني، مثلما وقع في 2013 وأخرج تونس من أزمة سياسية حادة ونالت (الوساطة الرباعية) بسبب ذلك الحوار جائزة نوبل للسلام”.

لكن الشابي عبَّر عن أسفه من أن “المعارضة ليست في مستوى الالتقاء والارتقاء إلى هذه الحاجة الماسة”.

وفي 2013 رعت 4 منظمات مجتمع مدني تونسية حوارا سياسيا بين الحكومة الانتقالية وأحزاب المعارضة، مما أدى إلى وفاق شامل بينهما. وفازت هذه المنظمات بجائزة نوبل للسلام عام 2015 وهي: الاتحاد العام للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والهيئة الوطنية للمحامين، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.

مشروع وطني
ردا على الدعوات إلى حوار وطني، قال سكرتير عام حزب المسار (موالٍ للرئيس سعيد) بدر الدين غرسلاوي: “الوحدة الوطنية تكون مع كل إنسان يسعى لتحقيق تونس الجديدة، أي المشروع الوطني، مشروع الاستقلال والسيادة الوطنية على المستوى السياسي والاقتصادي”.

وأضاف الغرسلاوي لوكالة الأناضول أنه “لا يمكن أن أمد يدي لإنسان ضرب البلاد، ولا أمد يدي لإنسان أو مؤسسة أو حزب سعى لتفكيك الدولة”. واعتبر أن “هذا ليس إقصاء، بل وجهة نظر تعتبر أنه لا يمكن (إجراء) نقاش فاسد أو بناء مستقبل معه، البناء لا يكون إلا مع من يحب تونس ويحب المواطن”.

وتابع أن “حزب المسار يرى أن المصالحة تتم مع كل مَن هو مؤمن بالمشروع، مع كل هيئة أو منظمة أو حزب وحتى المجتمع المدني الذي عليه المساهمة في المصالحة وتطوير النظام الرئاسي من أجل توازن أكثر بين الوظائف والرقابة”.

و”الهيئات والأحزاب التي تؤمن بهذه الأفكار موجودة، وهناك عديد الأحزاب المؤمنة بمشروع 25 جويلية (إجراءات سعيد الاستثنائية في 25 يوليو 2021)، وطالبنا الرئيس بفتح المجال أمام هذه الأحزاب لبناء هذا المشروع معه”، كما استطرد الغرسلاوي.

ورأى الغرسلاوي أن “الرئيس لا يمكن له أن يبقى وحيدا، لذلك هناك أصوات خبيثة نسمعها في عديد المناسبات في تونس أو خارجها تقول إن الرئيس لا يحب الأحزاب”. وأردف: “هذا صحيح وله الحق، ولكن هو لا يحب أحزاب الغنيمة التي دمرت تونس، ولكن الحزب الذي يبني معه لا أتصور أن الرئيس سيبعده، والدليل أننا كحزب المسار تحصلنا على تأشيرة العمل في زمن الرئيس وفي إطار قانون الأحزاب”. وأضاف “نعيد توجيه نداء للرئيس بأن عديد الأحزاب المساندة للمشروع تمد يدها وتنتظر الحوار الوطني والمصالحة”.

وتعاني تونس أزمة واستقطابا سياسيا حادا منذ أن فرض سعيد إجراءاته الاستثنائية، وتشمل حل مجلسي القضاء والنواب، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.

وتعتبر قوى تونسية هذه الإجراءات “انقلابا على دستور الثورة (دستور 2014) وترسيخا لحكم فردي مطلق”، بينما تراها قوى أخرى مؤيدة لسعيد “تصحيحا لمسارة ثورة 2011″، التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي.

وكالة الأناضول

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى