تقرير “عين على الأقصى” يرصد ثلاثة مسارات رئيسية من العدوان على الأقصى
أصدرت مؤسسة القدس الدولية تقريرها السنوي عين على الأقصى الثامن عشر، الذي يرصد تطورات الاعتداء على الأقصى والمواقف العربية والإسلامية والإسرائيلية والدولية ما بين 2023/8/1 و2024/8/1.
ويتوزع التقرير على أربعة فصول تتناول تطور فكرة الوجود اليهودي في الأقصى، والمشاريع التهويدية في المسجد ومحيطه، وتحقيق الوجود اليهودي فيه، إضافة إلى ردود الفعل على التطورات في المسجد.
ثلاثة مسارات أساسية للعدوان على الأقصى
رصد تقرير عين على الأقصى الـ18 تركّز العدوان على الأقصى ضمن ثلاثة مسارات رئيسة، هي المضي في مخطط التأسيس المعنوي للمعبد، وتكريس حصار الأقصى ومحاولة تأبيده، وتثبيت مسارات التقسيم المكاني والزماني.
وتجلى الخط الأول في فرض الطقوس التوراتية، حيث كان نفخ البوق في المسجد الأقصى للعام الثالث على التوالي عنوانا لعدوان موسم الأعياد الطويل الذي سبق انطلاق معركة “طوفان الأقصى” الحدث الأبرز خلال فترة الرصد، وتزامن معه إدخال القرابين النباتية إلى الأقصى علنًا للعام الثاني على التوالي، ومواصلة مسار محاولات إدخال أدوات الطقوس التوراتية إلى الأقصى وصولاً إلى فرض ذلك بالفعل في الذكرى العبرية لاحتلال القدس في ذروة الحرب.
أما في ما يتعلق بالخط الثاني المتمثل في تكريس حصار الأقصى فيشير التقرير إلى أن سلطات الاحتلال حاولت استغلال الحرب والإجراءات القمعية الوحشية التي فرضتها بعد 2023/10/7 لتحول الحصار المشدد الذي فرضته قبيل موسم الأعياد الطويل في أيلول/سبتمبر 2023 إلى واقع دائم.
وفي الخط الثالث المتعلق بتكريس وقائع التقسيم الزماني والمكاني، عملت شرطة الاحتلال على توسيع أوقات الاقتحام، وعلى تأمين الانفراد التام للمقتحمين بالساحة الشرقية للمسجد الأقصى بحيث باتت أقرب إلى كنيس غير معلن في الأقصى، وحاولت “جماعات المعبد” تحويل هذا الأمر الواقع المفروض إلى واقع تشريعي منصوص عليه من خلال تقديم عضو “الكنيست” من حزب الليكود عميت هاليفي مسودة قانون لتقسيم المسجد الأقصى مكانيًا بين المسلمين واليهود، تخصص محيط المصلى القبلي فقط للمسلمين، في حين تكون قبّة الصخرة المشرفة حتى الحد الشمالي من المسجد لليهود.
صلاة اليهود في الأقصى إلى الواجهة
شارك في اقتحام المسجد الأقصى في مدة الرصد قرابة 50,070 مقتحما، من المستوطنين والطلاب اليهود وعناصر الاحتلال الأمنية، علاوة على مشاركة أعضاء في “الكنيست’ ووزراء في حكومة الاحتلال، في مقدمتهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.
وتمكنت “جماعات المعبد”، من خلال تنامي نفوذها داخل مؤسسات صنع القرار الإسرائيلي، من دفع قضية صلاة اليهود في المسجد الأقصى إلى الواجهة، وباتت تفرض الصلاة داخل المسجد في جل الاقتحامات، ومع تولي بن غفير وزارة الأمن القومي وامتلاكه السيطرة على الشرطة الإسرائيلية بات يتحكم بإجراءات السماح والمنع لاقتحامات المستوطنين للأقصى؛ وبذلك بات لـ”جماعات المعبد” نفوذ قوي داخل مؤسسات الاحتلال وصناعة القرار السياسي والأمني.
وقد أسهم بن غفير في محاولة إضفاء الشرعية على أداء اليهود الطقوس التوراتية في الأقصى عبر أدائها بنفسه ثلاث مرات، وعبر تصريحه العلني ثلاث مرات بأن صلاة اليهود في الأقصى باتت مسموحة.
“طوفان الأقصى” في مواجهة “معركة المعبد”
رصد تقرير عين على الأقصى أصنافا كثيرة من الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، وكانت “جماعات المعبد” واعية بما تفعل، فقد نشرت إحدى أذرعها صورة لمصلى قبة الصخرة المشرَّفة مطالبة بتسريع هدم المسجد الأقصى وإقامة “المعبد” المزعوم مكانه، وكتبت عليها “سنؤذيهم بأغلى ما لدى حماس”، أي المسجد الأقصى.
وقرأت “جماعات المعبد” المتطرفة رسالة “طوفان الأقصى” جيدًا، وأدركت أنه تهديد غير مسبوق لمكاسبها التي حققتْها في المسجد في السنوات الماضية، وقرَّرتْ رفع شعار “معركة المعبد” في وجه “طوفان الأقصى”، فسخرت جهودها لحثّ المستوطنين على المشاركة في العدوان الإجرامي على قطاع غزة، وشجَّعتهم على اقتحام المسجد الأقصى قبل المشاركة في قتل الأطفال والنساء والشيوخ في غزة.
ورأت “جماعات المعبد”، التي تُعد ركنا أساسيا في حكومة نتنياهو، أن الحرب حربها، وأن انتصار الحكومة يعني قدرتها على بناء “المعبد” والتسريع بالخلاص وقدوم المسيح المنتظر. إذ دعت هذه الجماعات إلى إغلاق أبواب المسجد الأقصى بوجه المسلمين حتى إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة.
وحرصت هذه الجماعات على نشر صور لجنود الاحتلال وهم يقتحمون الأقصى بلباسهم العسكري، ويضعون على زيِّهم العسكري وآلياتهم وأسلحتهم صورا لـ “المعبد” المزعوم، ويكتبون على الجدران المتبقية في غزة عبارات التأييد لإبادة غزة تمهيدًا لهدم الأقصى وبناء “المعبد” المزعوم.
ورصد التقرير تكامل دور “جماعات المعبد” مع دور شرطة الاحتلال التي فرضت حصارًا مشددًا على المسجد الأقصى، فتراجع عدد المصلين فيه في بعض الجُمَع إلى نحو 3500 مصلٍّ فقط، ونكَّلت بالمصلين وموظفي الأوقاف الإسلامية، وزيادة على ذلك، فرضت سلطات الاحتلال حصارا تقنيا على المسجد الأقصى ومحيطه تمثَّل بتركيب كاميرات مراقبة، وأجهزة اتصالات وتنصت، ومجسَّات متطورة فوق المدرسة التنكزية وفي محيط الأقصى، وخاصة سلوان، خاصرة المسجد الجنوبية.
“معركة طوفان الأقصى” تفرز معسكرين من المواقف
شكلت عملية “طوفان الأقصى” تطوّرا في استراتيجية المقاومة الفلسطينية في إدارة الصراع مع الاحتلال، والتي تستند إلى الهجوم دفاعا عن القدس والأقصى والمقدسات، ولوضع حد لكل جرائم الاحتلال المتواصلة بحقّ الشعب الفلسطيني.
أكدت فصائل المقاومة الفلسطينية أن “طوفان الأقصى” هي “معركة الأقصى”، وأن الاعتداءات المتواصلة على القدس والأماكن المقدسة فيها، والاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى ، تمثل تصعيدا خطيرًا، واستفزازا لمشاعر الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية، مشددة على أن القدس والأقصى من الخطوط الحمراء.
وشددت القيادة الفلسطينية على رفضها ممارسات الاحتلال الممنهجة لتغيير الهوية الإسلامية للأقصى، أو لتغيير طابع القدس وهويتها. وحذرت من تداعيات خطة الحكومة الإسرائيلية لتغيير الواقع بالأقصى تمهيدا لبناء “المعبد”. لكن الموقف الرسمي الفلسطيني من العدوان على قطاع غزة بدا منطلقا من نقطة “عداء” مع حماس، وتماهى مع الموقف الغربي، الذي ركّز على أن “حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني”.
ووثق التقرير حالة الفرز التي أحدثها “طوفان الأقصى”؛ إذ أظهرت المواقف والفعاليات معسكريْن: المعسكر الأول هو الشعب الفلسطيني ومن يناصره من أبناء الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم، والمعسكر الثاني هو معسكر الاحتلال الإسرائيلي ومن يقف إلى جانبه من الحكومات الأجنبية والأنظمة العربية والإسلامية التي وجدت في هذه المعركة فرصة للتخلص من المقاومة الفلسطينية، بل من القضية الفلسطينية بأسرها.
وأشار التقرير إلى أنّه في عملية الفرز التي حصلت حضر الاعتبار الأساسي في تشكيل كل معسكر هو الوقوف إلى جانب الحق والعدالة، أو مناصرة الاحتلال والاستعمار والاستبداد، ولم تكن الاعتبارات الدينية أو العرقية أو الجغرافية هي الأساس، فحلَّق نجمُ شرائح شعبية عريضة من مختلف أنحاء العالم في سماء نصرة فلسطين، وهوت شرائح أخرى في مستنقع الصمت، والانحياز للاحتلال، والتآمر على الفلسطينيين، ومدِّ الاحتلال بالسلاح والأغذية والبضائع، وتوفير الغطاء لاستمرار العدوان المستمر.
أما الموقف العربي والإسلامي الرسمي فظل حبيس الشجب والاستنكار حيال الاعتداءات الإسرائيلية على الأقصى، لكنه انحدر بصورة غير مسبوقة إلى مستويات سحيقة من التقاعس والخذلان بعد اندلاع طوفان الأقصى.
ولم يرصد التقرير أي تغيير يُذكر في مواقف دول العالم تجاه الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، وتكررت تصريحات الشجب والإدانة اللفظية. أما في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية عموما فقد اخترقت بعض الدول الغربية جدار الانحياز الغربي للاحتلال وأعلنت اعترافها بالدولة الفلسطينية مطالبة بإنهاء الاحتلال عن الأراضي الفلسطينية.
وقدم التقرير جملة من التوصيات التي من شأنها فتح مجالات للعمل الجاد نصرة للقدس والأقصى وغزة، لا سيما من الأمة العربية والإسلامية، والأردن والضفة الغربية والقدس.
مؤسسة القدس الدولية