تصعيد المقاومة في الضفة الغربية.. الأسباب والتداعيات؟
قال خبراء سياسيون فلسطينيون إن المقاومة الفلسطينية تتصاعد في الضفة الغربية المحتلة؛ جراء استمرار السياسات الإسرائيلية القمعية. وأضافوا في حديث لوكالة الأناضول الخبراء، أن حالة المقاومة في الضفة تتنامى وتتمدد وتتطور من حيث الأساليب والتخطيط والأدوات.
ويتوقع المراقبون، أن يتصاعد العمل المقاوم في الضفة بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية في طهران.
و تعلن المقاومة الفلسطينية في الضفة بوتيرة شبه يومية، عن تنفيذها عمليات تتركز بصورة خاصة في شمالها، حيث تتعرض نقاط عسكرية إسرائيلية وحواجز ومركبات لعمليات إطلاق نار.
وفي 25 يوليوز الماضي، أُصيب 3 إسرائيليين في إطلاق نار قرب مدينة قلقيلية (شمال). وسبق هذه العملية إعلان مصور نشرته كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، لتنفيذ سلسلة عمليات، بينها تفجير عبوة محلية الصنع عن بعد بالقرب من طولكرم.
ومن حين إلى آخر، تتعرض نقاط عسكرية إسرائيلية قرب نابلس وجنين لعمليات إطلاق نار. وصعَّد جيش الاختلال الإسرائيلي، منذ 7 أكتوبر 2023، اعتداءاته في الضفة بما فيها القدس الشرقية، حيث استشهد 594 فلسطينيا بينهم 142 طفلا وأصاب 5 آلاف و400 واعتقل 9 آلاف و855، وفق مصادر رسمية فلسطينية.
ومنذ ذلك اليوم، يشن الاحتلال بدعم أمريكي حربا على قطاع غزة أسفرت عن قرابة 40 ألف شهيد و100 ألف جريح ومصاب، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.
وفي استهانة بالمجتمع الدولي، يواصل الكيان المحتل عدوانه متجاهلا قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.
الضفة لن تهدأ
“الضفة الغربية لن تهدأ”.. هكذا بدأ رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية، أحمد رفيق عوض، حديثه عن عمليات المقاومة المستمرة، وأرجع ذلك إلى “كون الاحتلال الإسرائيلي ينفذ وبصورة متصاعدة عمليات الاقتحام والتنكيل والقتل وتدمير البنية التحتية، ظنا أنه قد يصل لنتائج سريعة لوأد الحالة النضالية في الضفة الغربية وضرب الحاضنة المجتمعية”.
وأضاف عوض أن “المقامة لن تتوقف، وهي ليست دوما بنفس الوتيرة، قد تكون هناك موجات مد وجزر.. والمقاومة في الضفة باتت ذات بنية عسكرية ولو بدائية”.
و تابع أن “المقاومة موجودة أكثر بالأسلحة النارية والعبوات والكمائن البسيطة والمركبة والتصوير.. هذا يشير إلى الإصرار وأن هناك سيطرة وتخطيطا” مستدركا بالقول: “لا أريد أن أغامر بالقول إن هناك بنية عسكرية بدائية، ولكن واضح أن هناك تطورا في عمل المقاومة في أدواتها وبنيتها التحتية”.
وزاد عوض أن “هذا رد فعل على قسوة ووحشية الاحتلال، كلما كان التحدي عاليا كلما كانت الاستجابة أيضا عالية.. والمقاومة تتمدد من شمال الضفة إلى مناطق أخرى وهذا منوط بتداعيات الحالة”، معتبرا أن “تطور العمل المقاوم يقابله تطور في أدوات السلطات الإسرائيلية، ومنها عمليات الاغتيال واستخدام القوات الخاصة والقصف عبر المسيّرات والطائرات العمودية وحتى الطائرات الحربية الأخرى”.
وأوضح المتحدث أن “الجيش الإسرائيلي بات لا يجازف بجنوده، ويذهب لعمليات الاغتيال من الجو ويفرض إجراءات عقابية، كإغلاق مدن وبلدات ومحافظات. إسرائيل تجابه أي قوة بقوى غير مناسبة، أي تزيد من وحشيتها”.
تطور في الأدوات
رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الخليل، بلال الشوبكي، من جهته، قال إن “ما يحصل في الضفة الغربية من تنامي في المقاومة يعود إلى سياسة إسرائيل منذ ما قبل أكتوبر لوأد أي عمل مقاوم، ولكن كل التجارب الإسرائيلية لم تفلح”.
وقال الشوبكي إن “استمرار ذات السياسات الإسرائيلية من عمليات تقييد للحريات كالاعتقال، وتقييد التمدد العمراني عبر سيطرة المستوطنين على الأرض، يؤدي إلى اتساع حالة المقاومة وتمددها إلى مناطق أخرى”.
وتابع: “الحالة النضالية لم تعد تقتصر على تمدد جغرافي، وإنما حتى الشكل حيث التطور العملي من عمليات الدهس والطعن في العام 2014 إلى استخدام العبوات والسلاح الناري”.
وأضاف “هذا يشير إلى أن هناك إصرارا من هذه المجموعات على تطوير الأدوات في السياق العسكري، وهناك مخاوف إسرائيلية من هذه الظاهرة إذا تنامت وأصبحت غير قابلة للاحتواء ولم تعد مرتبطة بمجموعات عسكرية معرفة كالأجنحة العسكرية، بل تتعدى إلى خلايا خارج تلك الجماعات”.
وخلص الشوبكي إلى أن “الجهود” السياسة والاقتصادية للاحتلال ” التي بُذلت في الضفة الغربية على مدار سنوات، ستكون خسارات لأن الحالة برمتها تكون قد انقلبت رأسا على عقب”.
نموذج
مدير مركز “يبوس للدراسات الاستراتيجية”، سليمان بشارات، بدوره سجل ارتفاع وتيرة العمل المقاوم وتركيزه في فترات زمنية وتتراجع في أخرى. وقال إنه “إذا عدنا إلى السنوات الماضية نقرأ أن سلسلة عمليات المقاومة أخذت منحنيات وسمات تختلف في كل مرحلة عن الأخرى”.
وأضاف “من عمليات الدهس والطعن، وهي عمليات فردية، إلى عمليات ذات بعد تنظيمي كالجماعات المسلحة التي ظهرت بمسميات مختلفة وتضم أطيافا من المقاومين من مشارب فكرية متعددة”.
و”هذا يشير إلى أن روح المقاومة موجودة في الحالة الفلسطينية بالضفة، وهناك عوامل وظروف تساعد في ظهورها وبروزها وتكثيفها في أوقات بينما تقل في أخرى”، حسب بشارات.
وبيَّن سليمان أن “أول تلك الظروف هو موضوع الحرب على غزة وما يقوم به الاحتلال من اعتداءات متواصلة في الضفة من اغتيال وقتل واعتقال وتدمير بنية تحتية، والاعتداءات المتواصلة من المستوطنين في (المسجد) الأقصى والضفة”.
وتابع: والثاني “لا يقل أهمية، وهو موضوع بروز النموذج الملهم للعمل المقاوم، فمنذ عامين تظهر ملامح تشكيلات للعمل بدأت من مدينة جنين ومخيمها ثم انتقلت إلى نابلس وطولكرم وعقبة جبر وقلقيلية”، مشيرا إلى أن “الروح الإلهامية منحت الشباب الراغبين في العمل (الفرصة) لتقليد تلك الحالة، وهنا ملاحظ اندماج الشباب رغم عمليات التنكيل والقتل والتدمير (من جانب إسرائيل)”.
والعامل الثالث، وفق سليمان، هو أنه “يبدو أن التنظيمات السياسة، وخاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي استطاعتا إعادة ترميم البنية التحتية لأجنحتها العسكرية في الضفة”، مسجلا أن ذلك “قد لا يرقى إلى ما كان في انتفاضة الأقصى (2000)، ولكن واضح أنها باتت تعمل باسمها الصريح ككتيبة جنين وطولكرم التابعتين لحركة الجهاد الإسلامي، والقسام التي تتبع حماس”.
أما العامل الرابع حسب سليمان فيتمثل في أن “الاحتلال كسر كل القيود والمحددات الأساسية في العلاقة مع الفلسطينيين، الأمر الذي عزز فكرة أنه لا أمل مع الاحتلال إلا في المقاومة والمواجهة”.
عن وكالة الأناضول