تسويق الوهم: حين يُقدَّم الخلاف الداخلي كإنجاز دولي

عبد الله الفاسي يكتب. وزارة العدل تسوّق الخلاف الدّاخلي نجاحا دوليا

أدهشني أن أقرأ في بعض المنابر أنّ وزارة العدل قدّمت “التجربة المغربية في إصلاح مدونة الأسرة” إلى منظمة الإسكوا ببيروت على أنها نموذج رائد، وأنها سوّقت الاعتراف ب: “العمل المنزلي” غير المؤدى عنه كأنه لحظة إنصاف تاريخية و”تحوّل نوعي” يضع المغرب في طليعة الدول المكرِّسة للمساواة.

والحقيقة أن هذا الخبر ليس سوى تسويق للوهم. فالموضوع لم يُحسم بعد، ولا يوجد حوله إجماع وطني، بل لا يزال مثار جدال واسع واعتراض صريح من أطراف معتبرة داخل المجتمع المغربي. ومع ذلك تُصرّ الوزارة على القفز على الحقائق وتسويق ما لم يتحقق، وكأن المغرب حسم خياراته وأغلق النقاش.

وهذه ليست أول مرة تلجأ فيها وزارة العدل إلى مثل هذه المناورات: فقد عقدت ندوات داخلية متكررة لمحاولة تمرير هذا الخيار، ولم تجد طريقاً إلى إقناع الرأي العام. وحين فشلت في الداخل، حملت الملف إلى الخارج لتعرضه كمنجز مكتمل، في محاولة للضغط على الداخل وتليين المواقف المعارضة. وهذا أسلوب غير مقبول، لأنه يُفقد النقاش مصداقيته ويحوّل الإصلاح إلى صفقة سياسية مع المنتديات الدولية بدل كونه قراراً وطنياً نابعاً من المجتمع المغربي.

الأخطر من ذلك أن هذا “التسويق الخارجي” يسيء إلى صورة المغرب أكثر مما يخدمها: كيف نُقدَّم للعالم ما نختلف عليه في الداخل؟ وكيف نُعلن إنجازاً لم ينجز بعد؟ وهل الإصلاحات الكبرى تُبنى بالدعاية أم بالتوافق؟

ثم إنّ إقحام موضوع “العمل المنزلي غير المؤدى عنه” في مراجعة المدونة بهذه الطريقة لا يخلو من خلفيات أيديولوجية، لأنه يُختزل الإصلاح الأسري في بند خلافي ضيق، بينما التحدي الحقيقي هو إصلاح شامل يضمن العدل والإنصاف ويحمي الأسرة من التمزق. إنّ اختزال ورش كبير بهذا الحجم في فكرة مثيرة للجدل هو ضرب من التلاعب لا الإصلاح.

لقد قدّم الفقه الإسلامي والمالكي خاصّة منذ قرون اجتهادات رائدة تثبت أن المرجعية المغربية غنية وكافية لتأصيل العدل والإنصاف. لكن الوزارة – بدل أن تبني في هذا الإطار – تلجأ إلى تلميع صورة “القرارات الجريئة” في المنتديات الأممية لتستدِرّ التصفيق الخارجي، وكأن تصفيق الآخرين أهم من قناعة المغاربة أنفسهم.

إنّ هذا الأسلوب يسيء إلى مسار إصلاح مدونة الأسرة ويزرع الشك بين المواطنين، لأنه يكشف عن نية فرض أمر واقع عبر الضغط الدولي، بدل الحوار الوطني. و”رسالة الإصلاح” تؤكد أن من حق المجتمع أن يرفض هذه المناورات، وأن يطالب بأن يكون النقاش وطنياً خالصاً، شفافاً، بلا رتوش ولا تضليل.

ومن هنا فإن الواجب اليوم على كل الغيورين – من علماء ومفكرين وفاعلين مدنيين وسياسيين – أن يقفوا وقفة صريحة ضد هذه الأساليب الملتوية، وأن يفضحوا كل محاولة لتمرير قضايا خلافية عبر البوابة الدولية. فالإصلاح الحقيقي لا يمر من قاعات الأمم المتحدة ولا من تصفيق الحاضرين في بيروت، بل من اقتناع الشعب المغربي وتوافقه على خيارات تحمي أسرته وتنسجم مع هويته ومرجعيته.

فالإصلاح لا يُستورد ولا يُسوَّق في الخارج؛ الإصلاح الحقيقي يُصنع هنا… بتوافق المغاربة ومن أجل الأسرة المغربية.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى