قيمة ترشيد الاستهلاك والتراحم بين الناس

إن ترشيد الاستهلاك وعدم التبذير هي قيم تدعو للتراحم والتكافل وإشاعة المرحمة بين أفراد الأمة، حيث نجد أن في واقعنا المعاصر أن أكثر من مليار طن من الطعام يلقى يوميا في القمامة بينما هناك أكثر من مليار يعانون من الجوع.

فالإسراف والتبذير مذمومان، وقد حرمهما الله تعالى في كتابه الكريم: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) و(لا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا اخوان الشياطين)، حيث أن الإسراف والتذبير يناقض الرشد والترشيد، فقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على التراحم بين أفراد الأمة، وجعل الذين يستحقون رحمة الله هم الرحماء (الراحمون يرحمهم الرحمان)، وأعلى من قيمة التآزر بين أفراد المجتمع المسلم عندما بين صلى الله عليه وسلم أن (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّىّ)، وأن المسلم أخو المسلم لا ينبغي أن يسلمه لشدائد ولا أن يتركه وحيدا لنوائب الدهر، فالتراحم قيمة إسلامية كبيرة ينبغي أن نعيشها ليس في رمضان فحسب بل أن تظل شائعة بين أفراد المجتمع دائما.

كما أن التبذير والإسراف هي متسلسلة تؤدي دائما إلى أمور وخيمة على مستوى أحوال الأفراد والمجتمعات، لأن كل تبذير هو تضييع لحق أحد أفراد الأمة، وكل تبذير يؤدي الى الزيادة في أسعار مواد الغذاء، وهي زيادة تؤدي إلى إثقال كاهل الضعفاء والفقراء، وكل تبذير هو تضييع للمواد الأساسية التي يحتاجها البشر كالماء والطاقة والغذاء.

ولكي تتضح العلاقة بين قيمة ترشيد الاستهلاك والتراحم بين الناس، لننظر في الآية الكريمة في سورة الإسراء “وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا”، فإذا وقعت في المجتمع حاجة أو مخمصة أو شدة فعليهم أن يتراحموا بينهم وينبغي أن يقتصدوا فيما يأخذون من حاجياتهم، وقد أمرت الشريعة السلامية بالإيثار فيتكافلون فيما بينهم من الزاد، مشيرا إلى أن التراحم لا ينبغي أن يقتصر على أفراد المجتمع الإسلامي فقط بل يجب أن يشيع بين البشرية فكلنا من آدم، قال تعالى: “يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها”، بمعنى أن أفراد البشرية لهم مصير واحد ولهم حياة واحدة وهم أبناء لآدم وبينهم رحم مشتركة فعليهم أن يتواصلوا بينهم فيها.

إن الترشيد يحقق التراحم أيضا بين الأجيال وليس فقط بين أبناء الجيل الواحد، كما جاء في الآية الكريمة : ” وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ”، وقد تنبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه لهذه القيمة حينما لم يقسم البلاد المفتوحة على المجاهدين في سبيل الله بل استبقاها لمن سيأتون من بعد.

وقد أمرنا الله بأن نكون قاصدين ونراعي الميزان (والسماء رفعناها ووضع الميزان)، بمعنى أن المسلم عليه أن يكون راشدا وعليه أن يحذر من التبذير والإسراف، ويتصرف برشد فيما أعطاه الله حتى في المباح، والقصد في التصرفات محمود أمر به الله ورسوله، ففي ترشيد الاستهلاك سنصل إلى إشاعة التراحم والإيثار والعطاء.

الدكتور الحسين الموس من محاضرة “سلسلة الترشيد والتراحم”

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى