تراجع المطبوعات وهيمنة الذكاء الاصطناعي.. تقرير يكشف توجهات الصحافة العالمية

كشف تقرير توجهات الصحافة العالمية خلال عامي 2024-2025 عن نظرة شاملة على الفرص والتحديات التي تواجه ناشري الأخبار في جميع أنحاء العالم.

واعتمد التقرير في نسخته الثلاثين الصادرة عن الرابطة العالمية للصحف وناشري الأخبار WAN-IFRAعلى استطلاع الرأي الذي تم تطبيقه على عينة شملت أكثر من 240 من المسؤولين التنفيذيين رفيعي المستوى في وسائل الإعلام من 85 دولة في جميع أنحاء العالم، ويُحدد الاتجاهات الرئيسية التي ستشكل مستقبل الصناعة، كما  يُقدّم رؤى قيّمة لدعم عملية اتخاذ القرارات الاستراتيجية.

وتسلط نتائج التقرير الضوء على مزيج من التفاؤل والحذر، حيث يواجه ناشرو الأخبار مشهدا إعلاميا متغيرا يتميز بانخفاض عائدات الطباعة، والنمو الكبير لقطاع تكنولوجيا المعلومات، والتأثير المتزايد لتقنيات الذكاء الاصطناعي. مستعرضا خمس رؤى رئيسية يمكن أن تساعد المتخصصين في مجال الإعلام على فهم الديناميكيات المتغيرة في الصناعة.

التراجع التدريجي للمطبوعات

سجل التقرير أنه للمرة الأولى انخفضت عائدات المطبوعات إلى أقل من 50%، مسجلة أقل من 45% من إجمالي دخل الناشرين، وذلك مقارنة بـ57.5% في عام 2023. ورغم أن هذا التراجع يعكس استمرار التحول نحو الرقمنة، تظل المطبوعات مصدرًا مهمًا للإيرادات، خاصة في أسواق مثل اليابان والهند، حيث لا يزال القراء يحافظون على اهتمامهم الكبير بالمطبوعات.

وعلى الرغم من تراجع الإيرادات من المطبوعات، فإن العديد من الناشرين يتبنون نهجًا هجينًا يجمع بين الطباعة والرقمنة، سعيًا لتلبية احتياجات جمهور متنوع، بما في ذلك المعلنين.  

وتستخدم بعض المؤسسات الإعلامية المطبوعات كمنتج متميز، بينما تعزز حضورها الرقمي بشكل مكثف من خلال جدران الدفع ونماذج الاشتراكات. ومع ذلك، فإنّ التحديات المتمثلة في الموازنة بين المطبوعات والتوسع الرقمي تظل قائمة، خاصة في وقت يتسم بارتفاع تكاليف إنتاج المطبوعات، مع التحولات المستمرة في عادات المستهلكين.

وقد برزت الفعاليات كواحدة من المصادر الرئيسية للإيرادات، حيث أفاد بعض الناشرين بأنها تساهم الآن بما يصل إلى 40% من إجمالي إيراداتهم. وتسلط دراسات الحالة الواردة في التقرير الكامل الضوء على كيفية استفادة المؤسسات الإعلامية من علامتها التجارية في تنظيم المؤتمرات الصناعية، والفعاليات المجتمعية، وورش العمل برعاية الشركات.
وتكتسب نماذج العضوية أيضًا زخمًا متزايداً، حيث نجحت منصات مثل The Guardian، وThe Daily Maverick، في تعزيز مشاركة القراء وولائهم من خلال المساهمات التطوعية وعروض المحتوى الحصري الذي تُقدّمه للأعضاء.

الذكاء الاصطناعي يُغير قواعد اللعبة والتحديات مستمرة

تواصل تقنيات الذكاء الاصطناعي إحداث تحول كبير في آليات عمل غرف الأخبار، وذلك من خلال أتمتة تدفق العمل إلى تقديم توصيات للمحتوى المُخصص، وتحليل سلوكيات الجمهور، مما يجعله أداة قيّمة للناشرين. ومع ذلك تشير البيانات الصادرة عن وان إفرا في العام الماضي إلى أن 13% فقط من قادة وسائل الإعلام يعتقدون أن مؤسساتهم مستعدة تمامًا لدمج الذكاء الاصطناعي بشكل كامل في عملياتهم.

وتشمل التحديات الرئيسية أيضًا قضايا حقوق النشر والاعتبارات الأخلاقية، والحاجة إلى تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع في غرف الأخبار. وتساعد الأدوات المعتمدة على تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل جدران الدفع الديناميكية، وروبوتات الدردشة في تحسين تجربة القراء، إلا أنه ينبغي على الناشرين التأكد من توافق استراتيجيات الذكاء الاصطناعي مع القيم التحريرية بدون المساس بنزاهة العمل الصحفي.

وبالإضافة إلى ذلك، يختلف تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي حسب المنطقة، حيث تواجه الأسواق النامية عقبات أكبر بسبب محدودية البنية التحتية التقنية ونقص الخبرات، ولذلك سيكون الاستثمار في البرامج التدريبية عن الذكاء الاصطناعي وعقد الشراكات مع مزودي التكنولوجيا أمرًا حاسمًا لسد هذه الفجوة.

التهديدات المتزايدة التي تواجه حرية الصحافة 

ويُعد التهديد المتزايد لحرية الصحافة على مستوى العالم من أكثر النتائج المقلقة في التقرير. ففي عام 2024، قُتل ما يقرب من 100 صحفي، كما سلط البحث الجديد الذي أجرته وان إفرا الضوء على الارتفاع الحاد في المضايقات الإلكترونية، والتهديدات القانونية، والهجمات السيبرانية. وتبدو الأوضاع أكثر خطورة في الأسواق النامية، حيث يعمل الصحفيون غالبًا في بيئات قانونية مقيدة، ويواجهون مخاطر أمنية كبيرة عبر الإنترنت أو على أرض الواقع.

كما شدد التقرير على ضرورة استثمار المؤسسات الإعلامية في تدريب الصحفيين على الأمن الرقمي، وتعزيز إجراءات الحماية السيبرانية، وتكثيف جهود المناصرة من أجل حماية الصحفيين وضمان الاستقلالية التحريرية. وتؤثر الإجراءات التنظيمية وسياسات المنصات أيضًا على حرية الإعلام، حيث أعرب بعض الناشرين عن مخاوفهم بشأن التحيُز الخوارزمي، وقرارات تعديل المحتوى (أو عدم وجودها) التي تتخذها المنصات التكنولوجية الكبرى.

وبالرغم من هذه التحديات، يؤكد التقرير على أهمية التعاون بين المؤسسات الإعلامية، ومنظمات المناصرة، وصناع القرار لحماية حرية الصحافة وضمان مستقبل مُستدام للصحافة المستقلة. ومن بين هذه المبادرات، عقد المؤتمر الأوروبي لمكافحة الدعاوى القضائية SLAPPs، والذي جمع 30 متحدثًا وأكثر من 250 مشاركًا من 25 دولة، بهدف التصدي للدعاوى القضائية SLLAPs، وحماية الأفراد المشاركين في الشأن العام من الادعاءات التي لا أساس لها من الصحة، والإجراءات القانونية المسيئة. وستزداد أهمية هذه المنتديات بمرور الوقت.

التطلع إلى المستقبل: الطريق إلى الاستدامة

وعلى الرغم من التحديات الواردة في التقرير، يسود شعور متزايد بالتفاؤل بين جموع الناشرين. وقد أعرب 61% من المشاركين عن ثقتهم في مستقبل أعمالهم خلال الاثني عشر شهرًا المُقبلة، وترتفع هذه النسبة لتصل إلى 64% عند النظر إلى السنوات الثلاث المقبلة. ويعود هذا التفاؤل إلى التحول الرقمي المستمر، وجهود تنويع الإيرادات، والاستثمارات الاستراتيجية في قطاع التكنولوجيا.

ومع ذلك، فإن التفاؤل وحده لا يكفي. فالنجاح المستدام يعتمد على قدرة الناشرين على التكيف بفعالية مع نماذج الإيرادات المتغيرة، والتطورات التكنولوجية، وسلوكيات الجمهور المتغيرة. 

واستنادًا إلى نتائج التقرير، هناك أربع أولويات رئيسية تبرز أمام المؤسسات الإعلامية في المستقبل وهي: الاستثمار في الابتكار والتجربة المستمرة، عزّز التفاعل مع مجتمعك من خلال بناء علاقات قوية مع الجمهور، كن أكثر ذكاءً في استخدام البيانات والذكاء الاصطناعي.الدفاع القوي عن حرية الصحافة. 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى