تحولات القوى العالمية نحو القطب الشمالي.. هل تؤثر على “الشرق الأوسط”؟ – محسن بن خلدون

بينما تشتعل النزاعات في “الشرق الأوسط”، من الحرب في غزة إلى التوترات المستمرة في السودان وسوريا واليمن، يشهد العالم تحولًا استراتيجيًا بعيدًا عن هذه الساحة التقليدية نحو منطقة القطب الشمالي. مع ذوبان الجليد بسبب التغيرات المناخية، تكشف هذه المنطقة عن ثروات هائلة من النفط والغاز والمعادن النادرة، مما جعلها ساحة جديدة لصراع القوى الكبرى.
في هذا السياق، يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إعادة رسم التوازنات العالمية، سواء عبر إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية بصفقة المعادن النادرة، أو من خلال تعزيز الهيمنة الأمريكية في القطب الشمالي لمواجهة روسيا والصين. لكن كيف يمكن لهذا التحول أن يؤثر على قضايا العالم العربي والإسلامي، وعلى رأسها الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي؟
القطب الشمالي: الجبهة الجديدة للصراع العالمي
1 – لماذا أصبح القطب الشمالي مركز الصراع؟
احتياطيات ضخمة من الموارد: يحتوي القطب الشمالي على 13% من احتياطي النفط العالمي غير المكتشف، و30% من احتياطي الغاز الطبيعي، إضافة إلى المعادن النادرة الضرورية لصناعات التكنولوجيا والدفاع.
ممرات تجارية استراتيجية: مع ذوبان الجليد، تنفتح طرق بحرية جديدة بين آسيا وأوروبا، ما يقلل الاعتماد على الممرات التقليدية مثل قناة السويس، وهذا قد يضر بالاقتصادات العربية التي تعتمد على العبور البحري.
سباق النفوذ العسكري: تسعى روسيا، الولايات المتحدة، كندا، والدنمارك لتعزيز وجودها العسكري في المنطقة، بينما تحاول الصين التمدد اقتصاديًا رغم عدم امتلاكها لسواحل قطبية.
ترامب وصفقة المعادن النادرة: هل تكون مفتاح إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية؟
2 – تفاصيل الصفقة المقترحة
يدرك ترامب أهمية المعادن النادرة في الهيمنة الجيوسياسية، خاصة مع سيطرة الصين على أكثر من 60% من الإنتاج العالمي لهذه الموارد. من هنا، يسعى إلى توقيع صفقة مع أوكرانيا تمنح الولايات المتحدة حق استغلال هذه المعادن مقابل دعم اقتصادي وعسكري لكييف.
إنشاء صندوق استثماري أمريكي-أوكراني، بحيث تذهب 50% من أرباح الموارد إلى إعادة إعمار أوكرانيا.
تقليل اعتماد أمريكا على الصين في قطاع المعادن النادرة، وضمان مصادر بديلة للغرب.
تشجيع روسيا على وقف الحرب مقابل تفاهمات اقتصادية في القطب الشمالي.
3 – ردود الفعل الدولية
روسيا: ترفض مبدئيًا أي تدخل أمريكي في موارد أوكرانيا، لكنها قد تقبل تسويات تتعلق بالقطب الشمالي.
أوكرانيا: منقسمة بين مؤيدين يرونها فرصة اقتصادية، ومعارضين يعتبرونها تفريطًا في الموارد الوطنية.
الاتحاد الأوروبي: يعارض هيمنة أمريكا على موارد أوكرانيا ويريد أن تكون الصفقات تحت إشرافه.
ما تأثير هذا التحول على الشرق الأوسط والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي؟
1 – هل يؤدي اهتمام أمريكا بالقطب الشمالي إلى تراجع نفوذها في الشرق الأوسط؟
مع تركيز واشنطن على القطب الشمالي، قد يتراجع الاهتمام الأمريكي المباشر بالصراعات الإقليمية، مما قد يؤدي إلى:
انخفاض المساعدات العسكرية والاقتصادية لبعض الدول العربية الحليفة.
تعزيز النفوذ الروسي والصيني في المنطقة نتيجة انشغال أمريكا بملف القطب الشمالي.
إمكانية تحرك الدول العربية بعيدًا عن السياسة الأمريكية، خاصة في ظل زيادة التقارب الخليجي مع الصين وروسيا.
2 – تأثير استثمارات القطب الشمالي على أسعار الطاقة في الشرق الأوسط
مع فتح استثمارات جديدة للنفط والغاز في القطب الشمالي، قد تنخفض أسعار الطاقة عالميًا، مما يؤثر سلبا على الاقتصادات الخليجية المعتمدة على تصدير النفط.
وإذا نجحت روسيا وأمريكا في السيطرة على موارد القطب الشمالي، قد تتراجع أهمية النفط العربي، مما قد يُضعف نفوذ الدول المنتجة داخل منظمة “أوبك”.
3 – تراجع الأولوية الدولية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي
مع تصاعد الصراعات الجيوسياسية في القطب الشمالي وأوكرانيا، قد يتراجع الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية، حيث قد تعتبرها القوى الكبرى ملفًا أقل أهمية مقارنةً بالملفات الاقتصادية والعسكرية العالمية. و هذا قد يؤدي إلى إعطاء إسرائيل مساحة أكبر لتنفيذ سياساتها في الأراضي المحتلة دون ضغوط دولية مكثفة.
4 – هل يشكل هذا التحول فرصة للعالم العربي؟
إذا تراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، قد يكون أمام الدول العربية فرصة لإعادة بناء سياساتها بعيدًا عن التدخلات الخارجية. ويمكن تعزيز العلاقات مع الصين وروسيا كبدائل للنفوذ الغربي. كما أن تحرير السياسة النفطية الخليجية من الضغط الأمريكي قد يتيح خيارات اقتصادية جديدة.
التحديات المستقبلية :
توازن القوى العالمي: هل يؤدي الصراع في القطب الشمالي إلى تحالفات جديدة بين أمريكا وروسيا؟ وكيف سيؤثر ذلك على الشرق الأوسط؟
مستقبل الناتو: إذا ركزت أمريكا على القطب الشمالي، فهل يتراجع دور الناتو، مما قد يترك فراغًا أمنيًا في الشرق الأوسط؟
مستقبل الطاقة: هل تتجه الدول العربية إلى تنويع اقتصاداتها لمواجهة التغيرات في سوق النفط؟
ويبقى السؤال أمام هذه المتغيرات، هل يدخل العالم في عصر جديد من التوازنات؟ إن التحول نحو القطب الشمالي يكشف عن إعادة تشكيل موازين القوى العالمية، حيث تتنافس الدول الكبرى على موارد جديدة، في حين تتراجع أهمية الشرق الأوسط تدريجيًا كمنطقة نفوذ رئيسية.
وقد يؤدي هذا إلى إضعاف الاهتمام الدولي بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، مما قد يمنح إسرائيل هامشًا أكبر من المناورة أو يضعفها بشكل أكبر بسبب انعدام الهدف من وجودها أصلا.
و قد تجد الدول العربية نفسها أمام خيار استراتيجي جديد: إما بناء تحالفات جديدة مع روسيا والصين، أو إعادة صياغة علاقاتها مع واشنطن بما يتناسب مع التغيرات الدولية. لكن المؤكد أن مصادر القوة الكامنة في النفط التي تعتمد عليها الأنظمة في هذه الدول في أفول، مما قد يعني الصعوبة المتزايدة لعناصر الاستقرار والسلم الاجتماعي فيها. وهذا الوضع يطرح سؤال حول مدى استعداد الشرق الأوسط لمستقبل جديد في ظل تغير خرائط النفوذ العالمي؟