تحقيق سري للـBBC يفضح عنصرية شرطة لندن ضد المسلمين والمهاجرين

هزّ تحقيق استقصائي بثّته هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) أركان شرطة العاصمة البريطانية لندن، بعد أن فضح ممارسات وأحاديث صادمة لضباط ما زالوا في الخدمة، تكشف عن ثقافة غارقة في العنصرية، وكره النساء، والإسلاموفوبيا، رغم سنوات من التعهدات الرسمية بـ “التطهير والإصلاح”.
أما البرنامج الوثائقي “Unmasked: Undercover in the Police” (كشف المستور: متخفيا داخل الشرطة) فقد أظهر بوضوح أن ما وُصف سابقًا بأنه مجرد تجاوز فردي من ضابط أو اثنين، ليس سوى نظام يعتمل بخطاب الكراهية، والاستهانة بضحايا الجرائم، والاحتفاء باستخدام العنف ضد الضعفاء والمهمّشين.
الصحفي روري بيب قضى سبعة أشهر متخفّيًا بصفته موظف احتجاز مدني في مركز شرطة تشارينغ كروس، أحد أكثر المراكز ازدحامًا في لندن. بكاميرات خفية كان يسجّل يوميات زملائه الضباط: أحاديث بذيئة، ونكات جنسية مبتذلة، وتفاخر بممارسات عنيفة، وازدراء واضح للمهاجرين والمسلمين.
ومن أخطر ما كشفه التحقيق كان خطاب العداء السافر للعرب والمسلمين، وبالنسبة لمجتمعات العرب والمسلمين في بريطانيا، لم تكن هذه التصريحات مجرد انزلاقات لفظية، بل دليلا دامغا على أن التمييز ضدهم متجذّر في مؤسسة يُفترض أن تحميهم لا أن تُمعن في استهدافهم.
ومن أبرز الوجوه التي كشفها التحقيق الرقيب جو ماكيلفيني، صاحب العشرين عاما في الخدمة، الذي بدا في التسجيلات وهو يتحدث أمام زميلاته بتفاصيل جنسية مقززة، ثم يستخفّ بصرخات نساء قدمن بلاغات عن اغتصاب وعنف منزلي. حين سألته زميلة عن الإفراج بكفالة عن رجل متهم باغتصاب صديقته الحامل وركل بطنها، أجاب باستخفاف: “هذا ما تقوله هي فقط.”
المفتشة السابقة سو فيش، التي راجعت التسجيلات، وصفت كلماته بأنها “مروّعة”، محذّرة من أن وجود مثل هذه العقليات في مواقع اتخاذ القرار “يهدد سلامة النساء ويقوّض الثقة بالعدالة”.
التحقيق وثّق ضباطًا يروون باعتزاز كيف داس أحدهم على ساق معتقل حتى تورّمت كأنها ورم سرطاني، وكيف يكسر آخر أوتار الأصابع أثناء أخذ البصمات قسرًا، وكيف انهال ثالث ضربًا على محتجز مقيد في سيارة الشرطة. الأدهى أن بعضهم لم يكتفِ بالاعتداء، بل أبدى استعدادا لتلفيق الإفادات لتبرير العنف، في ممارسات تلامس جريمة “تضليل العدالة”.
الأمر لم يتوقف عند الكراهية، إذ كشف التحقيق عن ضباط يتعاطفون مع المتطرف اليميني تومي روبنسون، زعيم حركة “رابطة الدفاع الإنجليزية” المعروف بخطابه المحرّض ضد المسلمين. ما يعني أن الفكر المتطرف لم يعد يقتصر على الشارع، بل تسرّب إلى صفوف الشرطة ذاتها.
المفوض العام مارك رولي اعتذر واصفا السلوك بـ”المشين”، معلنا تفكيك فريق “تشارينغ كروس” وتعليق عمل تسعة ضباط وموظفين. وقالت وزيرة الداخلية شبانه محمود قالت إن المشاهد “مقززة وصادمة”، مؤكدة دعمها للتحقيق العاجل. فيما عبّر عمدة لندن صادق خان عن “اشمئزازه وغضبه”، مشيرا إلى أن “العنصرية وكراهية الإسلام لا مكان لها في شرطة لندن”. كما أعلن المكتب المستقل لسلوك الشرطة (IOPC) فتح تحقيق واسع النطاق قد يطيح بعدد أكبر من الضباط.
الفضيحة تأتي بعد ثلاث سنوات فقط من مقتل سارة إيفرارد على يد ضابط في الخدمة، وما تبعها من تقرير البارونة لويز كايسي الذي وصف شرطة لندن بأنها “مؤسسة عنصرية، كارهة للنساء، ورُهاب المثليين متجذر فيها”. ورغم وعود الإصلاح، تُظهر التسجيلات أن السموم لم تُستأصل، بل توارت تحت السطح.
كما أن مركز تشارينغ كروس تحديدًا كان في قلب فضيحة سابقة عام 2022 حين كُشفت رسائل بين ضباط يتندرون بالاغتصاب والعنف المنزلي. لكن ما جرى لاحقًا لم يكن إلا تكرارًا للوعود، دون اجتثاث حقيقي للداء.
ويأتي هذا التحقيق الاستقصائي بعد تصريحات وزيرة الداخلية المثيرة للجدل، التي زعمت أن وضع تعريف لمصطلح “الإسلاموفوبيا” سيمنح المسلمين في بريطانيا “معاملة خاصة”.