تأملات في سورة القدر- نورالدين قربال
سورة القدر مكية، وآيتها خمس، نزلت بعد عبس، سميت سورة القدرأو سورة ليلة القدر. وتتضمن الترغيب في إحياء ليلة القدر. ونزلت كما قلنا بعد سورة عبس، وقبل سورة الشمس. وفيها تنويه بفضل القرآن، وإنزاله من قبل الرب الكريم.
إن هذه رسالة إلى من يشك في أن القرآن ليس من عند الله تكبرا وجحودا. وفيه إشارة إلى الزمن الشريف الذي أنزل فيه القرآن الكريم، والملائكة الطيبون. والليلة المباركة. كل هذا يدفع المسلمين إلى الاشتياق لملء زمن هذه الليلة بالخيرات والعبادات.
إنها لحظة التحرر من المادي إلى اللامادي، في ارتباط مع الرحمان تقربا وخشوعا وخضوعا واستسلاما لمنظومة الربوبية والالوهية والصفات.
هنيئا لنا بكتاب نزل من السماء، “إنا أنزلناه في ليلة القدر”. وطبيعة التركيب اللغوي للآية يفيد القوة في الإقناع والإبداع. ورسالة لمن يشك في هذا التنزيل الرباني الذي لا عوج فيه.
وعظمة القرآن مرتبطة بعظمة الرحمان. لإن إسناد التنزيل للرحمان يشرف عظمة القرآن. والآية تؤكد حقيقة يعرفها أهل الإيمان، لذلك ذكر الضمير بدل الاسم الكامل، “إنا أنزلناه”. لأنه تأكيد المؤكد.
ولا غرو أن المسلمين يشتاقون لمعرفة ماهية ليلة القدر لذلك جاءت الآية الثانية “وما أدراك ما ليلة القدر”. لأن القدر في حد ذاته يحمل دلالات الشرف والخير والفضل والرقي والبركة. وهي معلمة لأنها معرفة “القدر”. إذن ابتداء نزول القرآن كان في شهر رمضان، وليلة القدر في الشهر نفسه. وبالتالي نحن أمام دائرة نورانية عنوانها الأكبر الشرف والبركة، لذلك اختلف أهل العلم في تحديد زمنها. ليعم الاجتهاد خلال الشهر كله.
“وما أدراك” مؤشر على عظمة هذه الليلة، وفخامتها. ” ليلة القدر خير من ألف شهر”. انطلاق توضيح لغز هذه الليلة. وهذا استئناف وتوضيح وبيان، فهي خير من ألف شهر، ومعيار الحكم مرتبط مما تحمله هذه الليلة من صلاح وإصلاح. ولا شك أنها تعوض ما فاز به السابقون نظرا لطول أعمارهم. إنها العدالة الربانية. وذكر ليلة القدر ثلاث مرات في السورة إثارة للانتباه لأهميتها.
“تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر” يبدو أن ‘التيمة الرئيسية’ في الآيات الخمس مسخرة لتوضيح وتبيان ‘ليلة القدر’ وفضلها العظيم. هادفة إلى رفع نسبة التجاوب معها من حيث التسابق في الخيرات. وتنزل الملائكة مستمر ومتكرر ودائم.
نهاية الليلة مرتبط بطلوع الفجر حتى يجتهد الناس في العمل الصالح. وهذا من إبداع القرآن الكريم. “سلام هي حتى مطلع الفجر”.
نستنبط مما سبق الأمور التالية:
- تعظيم أيام الله واجب على المسلمين لأن الحياة زائلة والاستفادة من إشراقاتها أوجب.
- تحري ليلة القدر في الوتر في العشر الأواخر من رمضان، والله عز وجل وتر يحب الوتر.
- ليلة القدر لا تخرج عن شهر رمضان، والعشر الأواخر حسب رأي الجمهور، وعند آخرين العشر الأواسط، والعشر الأوائل. وكل هذا يدفع إلى الاجتهاد أياما معدودات.
- نزول الملائكة ومن ضمنهم جبريل من أجل الاستفادة من الخير والبركات التي تحيط بهم من كل جانب، وهذا من كرم الله. وكأنه موكب يجمع كل المخلوقات من أجل إحياء هذه الأيام المباركة.
- تنزل الملائكة يكون بالحق والعدل، سواء أكان خيرا كما هو خاص في هذا المقام أوشرا لعقاب المخالفين. والمقام الأول يصدق على ما يقع في رمضان من خير وبركة وبشارة.
- المؤشر على السابق كلمة “سلام” التي تختزن السلامة والخير والغفران والإحسان، وهو وسام رباني لمن شمروا خلال شهر رمضان من أجل استثمار هذه الأيام المباركة في القيام بالخيرات. فالسلام تحية الدنيا والآخرة فعضوا عليها بالنواجد.
- سلموا تسليما واجعلوه بينكم، فلا نزاع ولا خصومة. ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. وشهود الجماعة مقام عال في التسابق في الخيرات.