بنيس: الشباب ثروة وثورة
أرتأى موقع الإصلاح أن يختار من باقة خطب الجمعة للأستاذ سعيد بنيس، والتي كان يلقيها بمسجد الرضوان بمدينة الدارالبيضاء، موضوع: الشباب ثروة وثورة بمناسبة ثورة الملك والشعب وعيد الشباب، ولاتساق موضوع هذه الخطبة مع حدث ثورة الملك والشعب وذكرى عيد الشباب، ننشر جزء من هذه الخطبة، وهي على الشكل الآتي:
لا يخفى عليكم أنه تستقبلنا مناسبتان من ذكريات هذا البلد يحتفل لهما كل عام: ذكرى ثورة الملك والشعب التي تحل بنا في العشرين من غشت، وذكرى عيد الشباب التي يخلدها المغاربة في الواحد والعشرين من غشت كل سنة تعبيرا عن فرحهم بعيد ميلاد ملك البلاد صاحب الجلالة محمد السادس أصلحه الله وأصلح به وأيده ونصره في بناء صرح المجد والمكرمات لوطنه وشعبه.
ـ فأما الشباب فهم القوة الأولى في المجتمع المسلم وفي أي مجتمع، وهم الذين عليهم الاعتماد في نهضة الأمم، بعزيمتهم، وأخلاقهم، وتضحيتهم لتحقيق الازدهار فعلى أكتافهم تُبنى الدول، وتزدهر الحضارات، وبهم يُدحر الباطل، ويعلو الحق، وتُقتلع شوكة الفساد، وتُغرس نبتة الخير، وهم صانعو الأفكار، ومنتجو التغيير، تتضاءل إلى جانب همتهم كلُّ همة، وتتدانى إلى جانب حماستهم كل حماسة وقوة، وعليهم الرهان في نجاح الفكرة؛ ومن هنا كان الشباب قديمًا وحديثًا في كل أمة عماد نهضتها، وفي كل نهضة سر قوتها،قال تعالى عن أهل الكهف(إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)[الكهف 13] نعم وصفهم الله بالفتوة لكنها فتوة إيمان بالرب الواحد الأحد، فتوة يقظة ونباهة في وسط الغافلين،فتوة يقظة ونباهة في دوامة اللاهين التافهين فتوة يقظة ونباهة تعتزل عبادة الأوثان من أي نوع كان، كانت فتوتهم ويقظتهم علامة هدايتهم الفطرية فزادهم الله من فضله هدى، فحولتهم فتوتهم المؤمنة المهتدية بفضل الله إلى آية من آيات الله العجيبة، أحسوا أن شبابهم ثروة فثاروا على واقعهم المظلم بظلم الشرك والمعاصي وطلبوا الرحمة من الله وإعانته على سلوك طريق الرشاد لينجوا بأنفسهم مما عم بأرضهم من الفساد، فخلد الله ذكرهم في كتابه، وشرفهم بالتمجيد في محكم خطابه ليكونوا مثالا وقدوة لكل الشباب في كل زمان وفي كل مكان، كأن القرآن الآن يخاطب شباب الأمة الإسلامية ويصيح بهم: يا شباب عيدكم المجيد هو في تحويل ثروة فتوتكم إلى ثورة في نهضتكم ويقظتكم، الشباب مرحلة من العمر زاهرة، فاجعلوها بالمنجزات النافعة عامرة.
وقد أخبر نبيكم عليه الصلاة والسلام بأن كل شاب سيسأل يوم القيامة عن شبابه فيما أبلاه. ضمن خمس سيسأل عنها كل آدمي من بني آدم، يا شباب اليوم اذكروا ولا تنسوا الشباب الذين التفوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم هم الذين نصروه وعزروه وجاهدوا بأنفسهم وأموالهم في سبيل إعلاء كلمة الله، شباب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لم يكونوا أهل رقص وغناء ومجون وتدخين ومخدرات وعربدة وقطع طريق وإرهاب للآمنين، شباب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يضيعون أوقاتهم في الملاهي ولا كانوا متسكعين في الطرقات ولا مقهقهين في المجامع بالأصوات، شباب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذين بنوا للأمة الأمجاد تلقوا العلم ونشروه، وتعلموا الفضائل والحكم وتخلقوا بها،صَفّـُهم مرصوص في خدمة الدين والوطن، وجمعهم درع متين وحصن حصين عند حلول المحن.
إن اقتران ذكرى عيد الشباب بذكرى ثورة الملك والشعب تحيل بذاكرتنا إلى شباب تلك الفترة أولئك الشباب هم من يمثل الآن جيل الآباء والأجداد، ذكرى ثورة الملك والشعب هي ذكرى ثورة ملك شاب في فكره إلى جنب شباب من شعبه يخلد بها المغرب انتفاضته القوية- والتي كانت يوم 20 غشت من سنة 1953م- في وجه الاستعمار حين بلغ ظلمه أقصاه، ووصل طغيانه منتهاه، فامتدت يده الأثيمة إلى الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، فنفاه الاستعمارعن شعبه وبلده، وعن عرشه ووطنه. فهب الشعب المغربي في منتهى الولاء والإخلاص والصبر والفداء والتضحية والوفاء لدينه ولوطنه، ولملكه فوقف بجهاده المستميت سدا منيعا في وجه الاستعمار وأطماعه التوسعية، وضد نواياه وأعماله السيئة وكان النصر والتأييد للمجاهدين الأوفياء( وكان حقا علينا نصر المؤمنين) فإذا وقفنا وقفة تأمل وتدبر عند هذه الذكرى الجليلة أمكننا أن نستخلص الدروس والعبر التالية: الاعتزاز بالانتماء لهذا الدين، وحدة الكلمة ووحدة الصف وتقديم مصلحة الوطن والمصلحة العامة على المصلحة الفردية أو الخاصة فانطلاقا من هذه المعاني الإسلامية السامية وهذه الدروس التاريخية، نتوجه إلى الله تعالى أن يجعل عهدنا في ظل جلالة الملك محمد السادس عهد خير ويمن وبركة وعهد اعتزاز بالإيمان والثقة في الله تعالى، وعهد الوحدة والاستقرار، وعهد التضحية والبذل لمصلحة البلاد والعباد،قال تعالى:((إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا)).
بقلم ذ. سعيد منقار بنيس (بتصرف)