بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية – عبد الحق لمهى

لكي يحقق الناس هدف العناية بالتراث، وأخص بالذكر هنا التراث المحلي لمنطقة من مناطق بلاد ما من بلدان العالم، وحالة المغرب مثال على ذلك، قلت لكي يحققوا ذلك كله، يسعون جاهدين لتنظيم فعاليات متنوعة بغية إبقاء هذا التراث حيا في ذاكرة الأجيال الحاضرة.

ولا شك أن هناك جهود معلنة وغير معلنة، غايتها إضعاف اهتمام الأجيال الحاضرة باللغة العربية، لذا كان من المهم جدا، ـ بل قل من الواجب الذي لا يسقط بحال ـ القيام بما يتعين حتى تبقى هذه اللغة في جوهر وصلب حياة الإنسان، وبخاصة الإنسان ذو الصلة القريبة والوشيجة بهذه اللغة، ويزداد الأمر أهمية إذا قيل إن هذه الأخيرة (أي اللغة العربية)، لم تعد قادرة على مواكبة والاستجابة لتحديات قضايا المجتمع.

في ظل هذا السياق، وبمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، يمكن الوقوف على بعض الإشارات التي قد تكون مهمة وذات شأن في إثبات فاعلية اللغة العربية في تناول قضايا المجتمع والإجابة عن تحدياته.

من تلك الإشارات المؤكدة على مكانة ومركزية هذه اللغة في التفاعل القوي مع قضايا المجتمع، أن الواقع الإنساني تتفاعل فيه وجهات نظر بين أفراده، ينتج عنها اختلاف بينهم، وهذا الاختلاف إما أن يكون اختلاف تنوع أو اختلاف تضاد وتناحر، فإن كان الأول فهو المحمود وإن كان الثاني فهو المذموم.

والحالة ما ذكرت قبل، فإن اللغة العربية بما هي علم خادم للقرآن للكريم، تعد مدخلا مهما من المداخل التي تنمي الاختلاف بين الناس، اختلافا لا يجعله يصل بالضرورة إلى درجة الخلاف المذموم، كما وقعت الإشارة إليه قبل، فكيف تحقق هذه اللغة هدف؟ تدبير الاختلاف بين الناس؟

لفهم الموضوع أكثر أضرب لذلك مثلا بمفهوم من المفاهيم، وللقارئ أن يأخذ أي مفهوم من المفاهيم، التي تتداول بين الناس ويقع العمل بها في حياتهم، خذ مثلا لفظ أو مصطلح الفساد، فبالرجوع إلى اللغة العربية، وإلى القرآن الكريم، نجد أن اللفظ المختار قبل ورد بصيغ متنوعة متعددة، ولربما كان أحد يفهم منه ويحمله على معنى واحد فقط، بينما غيره يرى أن للفظ معان أخرى، والحاصل من الأمر أننا سنكون أمام اختلاف قد يصل إلى التدابر بين مختلف الأفهام، بل في بعض الأحيان يدعي بعضهم بسبب سوء فهمه لمختلف المعاني الأخرى التي ورد بها اللفظ، يؤدي به الأمر إلى وصف غيره من أصحاب الفهوم الأخرى بأنهم قاصري الفهم وليسوا على شيء فرأيهم سقيم لا أساس له.

أمام هذه الحالة المذكورة قبل، وحيث إن معاني اللفظ المذكور قبل متسعة بالنظر إلى تعدد صيغها اللغوية كما وردت في القرآن: (الفساد، المفسدين، يفسدون،…)، والمتأمل في علم الصرف يدرك معنى اتساع هذه المعاني، ذلك أن الأصل (ف س د) صارت له ـ كما هو واضح من الصيغ السالفة الذكر ـ معان أخرى بحسب كل صيغة من تلك الصيغ.

إن العلم باللغة العربية وقواعدها، خاصة في فهم دلالات الألفاظ، وما فيها من تنوع المعاني، كما تبين مع المثال السالف الذكر (ف س د)، كل ذلك من شأنه أن يسهم من حالة الانتقال من الخلاف المذموم الناتج عن سوء فهم اللفظ وما يليه من صراع بين الأفراد، إلى حالة هي الوضعية السليمة والصائبة، بأن يصير الأفراد المختلفون فيما بينهم إلى أفراد مؤلف بينهم وبين قلوبهم، فيصبحوا بتلك النعمة إخوانا لا أعداء.

ومنه يقال، إن فهم اللغة العربية في عالمنا المعاصر وواقعنا الحالي، يحقق من دون ريب، هذا التوافق والتصالح بين عموم أفراد المجتمع الواحد الذي يشترك في هذه اللغة، بشرط حسن الفهم لها بصفة عامة، أو قل فهم ألفاظها وما تكتنزه من معان حمالة لأوجه، وبذلك يمكن القول بأن لغة الضاد لها دور فعال في تنمية المجتمع عامة، وبشكل أخص التنمية من مدخل حسن فهم معاني الألفاظ بما يحقق التوافق بين عموم الناس.

لقد كانت هذه خاطرة بمناسبة عيد اللغة العربية، أرجو من خلالها الإسهام في تعزيز جهود الدفاع والمنافحة على هذه الأخيرة، ولا يترك أمرها هملا بحجة أن لها ربا يحميها كما يحمي البيت. بل إن الواجب يحتم على كل فرد من أفراد الأمة الاجتهاد في البيان، معتمدا في ذلك على العدة العلمية الرصينة، حتى تبقى اللغة في صلب قضايا المجتمع.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى