عبد اللطيف تغزوان يكتب: اليوم العالمي للطفل والمشاريع الكبرى للممكلة

يشكل اليوم العالمي للطفل الذي يصادف 20 نونبر من كل سنة فرصة للتأمل في واقع الطفولة ومستقبل الأجيال الصاعدة، ومدى حضورهم الحقيقي ضمن أولويات السياسات العمومية للدول، وموقعهم بين المشاريع الكبرى والمتوسطة والصغرى، أو حتى الهامشية. ويشكل أيضا محطة للوقوف على الحقوق الأساسية للطفل كل من منظوره ومرجعيته وأولوياته.
وتزداد قيمة هذه الحقوق حين نستحضر مكانة الطفل في التصور الإسلامي، الذي اعتنى بالطفل قبل ولادته وحين تسميته ووجه تربيته على الرحمة والرفق وتهذيب الفطرة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتضن الأطفال ويسلم عليهم وبلاعبهم، بل ويخفف من الصلاة لأجلهم، ويقول صلى الله عليه وسلم ” ليس منا من لم يرحم صغيرنا”، وهو ما يجعل العناية بالطفل مسؤولية دينية وأخلاقية قبل أن تكون مسؤولية اجتماعية أو قانونية.
ولعل أهم الحقوق التي لا يجب أن نختلف حولها هي حق كل طفل في أسرة مستقرة ومستقيمة، وفي تعليم ينمي العقل ويحفظ القيم، وفي بيئة آمنة تحميه من الهشاشة والانحراف، وفي إعلام يحفظ الهوية ويحصن من التفاهة، وفي محيط مجتمعي يمنحه نماذج وقدوات حقيقية، وفي عالم يحميه من القتل وتدمير الآمال. وهذه الحقوق لا تصان بالقوانين فقط ولكن بإرادة حقيقية من الأفراد والدول.
وبكل تأكيد فإن الاستثمار في الطفولة هو الاستثمار الأكبر والأكثر مردودية، لأنه استثمار في الرأسمال البشري واستثمار في المستقبل. فكل تحسن في التعليم والصحة النفسية والجسدية والأنشطة التربوية والثقافية، وربط الأطفال بمعاني الاعتزاز بالدين والانتماء للوطن والوفاء للأسرة وغيرها من القيم الأصيلة، سوف يُترجم إلى مجتمع أكثر استقرارا وتماسكا وقدرة على الإبداع والابتكار والتطور.
غير أن واقع الحديث عن المشاريع الكبرى للمملكة يكشف أن الاهتمام بالتظاهرات العالمية والمشاريع الرياضية الضخمة والمهرجانات والإنجازات التي تحقق الإشعاع الإعلامي، رغم المكاسب التي يمكن أن تحققها، فإن كل هذا قد طغى على العناية بمؤسسات التنشئة الاجتماعية التي تعتبر الحاضنة الحقيقية لبناء الإنسان والأجيال الصاعدة خصوصا. فالاستثمار في الحجر لا يمكن أن يتقدم أبدا على الاستثمار في البشر، وأي مشروع لا يجعل الطفل محورا أساسيا فيه يبقى مشروعا محدود الأثر مهما كان ضخما وكبيرا.
إن الحديث عن المشاريع الكبرى للمملكة يعتبر لحظة مناسبة للتفكير الجماعي في إعادة ترتيب الأولويات الوطنية عبر تبني مشروع وطني كبير للطفولة، يعلي من القيم ويبني الأمل، ويدعم استقرار الأسرة باعتبارها البيئة الأولى للطفل، ويعطي الأولوية للتعليم الجيد لكل أبناء المغاربة، ويعزز الأدوار التربوية للمدرسة والفضاءات الثقافية والرياضية والفنية، ويقوي المبادرات الجادة التي تعمل على تأطير الأطفال والشباب، إلى جانب اعتماد السياسات العمومية الموجهة للطفولة، وسن القوانين الرامية لحماية الأطفال من مختلف التهديدات.
ولهذا فإن بناء مغرب الغد يمر حتما عبر الاستثمار الجاد في الأطفال والشباب باعتبارهم مستقبل المواطن المغربي الصالح، المواطن الذي يحمل قيم وطنه ويمتلك الوعي الذي يجعله مشاركا في حماية استقرار البلاد ووحدته الوطنية، متسلحا بالهوية المغربية الجامعة، وروح الانتماء للوطن، والشعور بالمسؤولية في الإصلاح.
إن مستقبل المغرب لن يصنع إلا عبر المشروع الأكبر للمملكة وهو بناء طفل مغربي معتز بدينه، مفتخر بانتماءه لوطنه، تابث على قيمه وأخلاقه، متسلح بتاريخ أجداده، وحاضر آبائه، لتحقيق رهانات مستقبله ومستقبل وطنه. عندما يكون هذا هو المشروع الكبير للمملكة نكون قد وضعنا أقدامنا بثبات على طريق صناعة المستقبل وتحقيق الإنجاز الأكبر.




