اليوم العالمي لإفريقيا – نورالدين قربال
الإطار العام: بمناسبة اليوم العالمي لإفريقيا والذي يحتفل به يوم 25 ماي بمناسبة تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1963، نؤكد على أن إفريقيا للأسف تعج بعدة مشاكل رغم التقدم الذي تحققه بعض الدول. والعلة في ذلك أن القارة ما زالت تجتهد في تحقيق التنمية ولكن لن يحصل هذا إلا ببسط السلام والاستقرار.
وبدون النجاح في هذا الاختبار الدقيق، ستظل نسب النمو ضعيفة إلا في بعض الحالات التي تبذل مجهودا كبيرا في هذا المجال. ومن أهم نتائج إنجاح ثنائية السلم والتنمية، وحدة القارة. ومواجهة كل من سولت له نفسه في زرع التفرقة والصراع داخل تراب القارة، ولن يكون هذا إلا في صالح الفاعلين الكبار الذين يتحينون مثل هذه الفرص.
إن المشاكل المطروحة يمكن أن تحل بآليات مؤسساتية، نحو الحوار السياسي والاجتماعي والثقافي. وهذا يتطلب تنشئة المواطن الحضاري من أجل البناء الحضاري. ويلعب الفكر والثقافة دورا مهما في هذا الباب. ولهذا تم تأسيس مجموعة من المؤسسات القارية للنظر في قضايا متعددة. لكن للأسف بعض الأنظمة تتعصب لرأيها وتتجرأ على قرارات المؤسسة. وهذا منهج غير ديمقراطي.
ولما عاد المغرب بالقيادة الفعلية لجلالة الملك إلى الاتحاد الإفريقي، الذي عبر بأن إفريقية أسرة واحدة، والعمل بها مرتبط بعلاقة جنوب-جنوب، ورابح-رابح. وتعهد المغرب بالعمل المتواصل مع الدول الإفريقية الشقيقة، على مستوى الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف، في إطار التعاون والتضامن والأخوة الإفريقية. وقد اهتم المغرب باختيار السلك الدبلوماسي بإفريقيا المشبع بهذه الفلسفة الملكية تجاه القارة الإفريقية، وقد أحدث هذا السلك تطورا ملحوظا داخل بنية الاتحاد الإفريقي، رغم المضايقات المستمرة من قبل النظام الجزائري تجاه المغرب.
يجب أن تدرك الدول الإفريقية بأن قارتهم أصبحت معادلة صعبة في التموقعات الاستراتيجية. لذلك يجب أن تعيد النظر في أولوياتها بناء على مجهود جماعي ينخرط فيه الجميع بحسن النية. وبالتالي فلها أدوار متعددة أهمها إحداث التوازن العالمي. لكن للأسف بعض الدول ما زالت لم ترق إلى فهم التحديات الحقيقية، وتشتغل بإحداث الخلخلة والتشويش. إن إفريقيا تضم أكثر من مليار مستهلك، فكيف نترك ذواتنا فريسة للآخر الذي يعطينا نموذجا سيئا لسرقة وتهريب موادنا الأولية خاصة في الدول التي تعرف اضطرابات للأسف؟
لذلك من الواجب على كل المؤسسات السياسية والاقتصادية والثقافية والبيئية أن تقوم بواجبها التحسيسي والتأطيري والبنائي، حتى تكون القارة في مستوى مواجهة التحديات، وبناء تنمية صلبة تتدافع مع الأقطاب المالية العالمية. لذلك طرح المغرب دوما العمل سويا في ظل التعاون والتضامن. خاصة وأن القارة أصبحت تملك منطقة التبادل التجاري الحر والتي يجب أن تستثمر جيدا بدون خلفيات ضيقة. وأعطى المغرب نموذجا بمشاريع مهيكلة قاريا نحو أنبوب الغاز نيجريا المغرب مرورا بحوالي12 دولة إفريقية وانتهاء بأوروبا، ثم مشروع الأسمدة مع أثيوبيا مستغلين مادة الفوسفاط، والذي سينعكس على الإنتاج الفلاحي. إذن هناك فرص مفتوحة تحتاج إلى إرادة سياسية قوية.
إن الفرص مفتوحة على مستوى الاستثمار داخل القارة، وخاصة من أجل تلبية حاجيات الشعوب، وأهمها الأمن الغذائي، والذي يحتاج إلى بنية أساسية من الوعي بأهمية السلم والاستقرار في القارة. وتكوين أطر وفعاليات مؤهلة لهذه المهمات الاستراتيجية المصيرية والمحددة لمستقبل القارة. فهل الأنظمة السياسية قادرة على تحمل مسؤولياتها التاريخية من أجل بناء التزام أخلاقي وسياسي من أجل إنقاذ قارة غنية وشعوبها فقيرة؟
مغربية الصحراء: لا يمكن الحديث عن قارتنا الإفريقية، دون التحدث عن الانتصارات تلو الانتصارات التي حققتها قضيتنا الوطنية. فمنذ أن اتخذ الاتحاد الإفريقي قرارا تاريخيا مهما بأن قضية الصحراء المغربية من الاختصاص الحصري للأمم المتحدة والديبلوماسية المغربية الرسمية والمدنية تحقق تقدما كبيرا، خاصة وأن مشروع الحكم الذاتي وصفته الأمم المتحدة بأنه جدي وواقعي وذي مصداقية. وأصبحت كل القرارات الصادرة بعد 2007 الذي قدم فيها المغرب مشروع الحكم الذاتي إلى الأمم المتحدة، تركز على حل سياسي، واقعي ودائم وقابل للتطبيق والتنزيل، وهذا ما شجع مجموعة من الدول العالمية بفتح قنصليات بأقاليمنا الجنوبية تجاوزت 28 دولة، كما تجاوز عدد دول الأمم المتحدة المئة التي أصبحت تؤمن بحتمية مشروع الحكم الذاتي لمشكل عمر أكثر من 40 سنة بسبب العراقيل التي للأسف ينتجها دوما النظام الجزائري. لأن الحاكمين الحقيقيين بالجزائر يستفيدون من هذا الوضع على حساب الشعب الجزائري الشقيق.
إن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، أعطى للدبلوماسية المغربية نفسا جديدا انعكس إيجابا على أقاليمنا الجنوبية. وفتحت المنطقة للاستثمارات مع دول القارات الأوربية والأمريكية والأسوية والإفريقية. بناء على اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف. وعرفت المناطق الجنوبية مؤخرا انتخابات نظمت بجميع جهات المملكة على جميع المستويات والتي أفرزت نخبا منتخبة من أقاليمنا الجنوبية مما يكذب العشر في المئة الذين يحركهم النظام الجزائري كممثلين للصحراويين وهذا بهتان مبين. وقد تابع العالم هذا التطور. مما أصبحت الأطروحات الانفصالية بالية وأكل عليه الدهر وشرب، وظلت مختفية بسقوط خط برلين. وقد وظفت الدولة المغربية بإشراف ملكي أكثر من 100 مليار درهم للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوقية منذ إعلان النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية بالمملكة المغربية سنة 2015.
والملاحظ أن هذا التطور الدبلوماسي للمملكة تحت إشراف جلالة الملك انعكس على البعد التنموي بالأقاليم الجنوبية على جميع المستويات. وآخر هذه الإنجازات ما أكدت عليه محكمة الاستئناف بلندن من رفض ملتمس لخصوم الوحدة الترابية حول اتفاق بين المملكة المغربية والمملكة المتحدة. وبهذا الحكم يتخذ هذا التعاون الصبغة الشرعية بعد قرار المحكمة الإدارية الذي أكدته محكمة الاستئناف، لأن ثماره تستهدف الساكنة والتنمية وضمانة لشركات المملكتين. وشاملا الشمال والجنوب بدون رؤية انشطارية كما يريده خصوم الوحدة وعلى رأسهم النظام الجزائري والجبهة بالوكالة. وبذلك تستمر المبادلات التجارية بين بريطانيا والمغرب. وللإشارة فهذا الاتفاق وقع ب 26 أكتوبر 2019، ودخل حيز التنفيذ 1 يناير 2021. وبذلك تعززت العلاقات الثنائية بين المملكتين المغربية والبريطانية. ودخلت في الشراكات المهيكلة والمأسسة والأجرأة اقتصاديا وتجاريا.