الهدى المنهاجي في سورة الحجرات (25) – عبد الحق لمهى
في أن للطريق إلى الله أدبا خاصا، من جهله عوقب بالحرمان من الوصول فليس الدين مجرد أعمال، بل هو أعمال وآداب كثيرا ما تتوقف صحة الأعمال وقبولها على تلك الآداب، وهذه تبدأ من عالم الوجدان والشعور إلى عالم الالفاظ والتعبير، إلا أن كثيرا من المسلمين أهملوا تلك الآداب، واستصغروا شأنها في الدين مع أنه ما كان للعبد الحق إلا أن يتأدب بين يدي سيده ومولاه، وقد جاءت سورة الحجرات جامعة لكثير منها، مجلية لحقائقها ومكانتها عند الله جل جلاله؛ فوجب تلقيها عنه تعالى كما تلقاها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضربوا المثل في بها سيرا إلى الله جل ثناؤه؛ فكانوا بذلك أفضل الخلق في هذه الأمة إلى يوم القيامة.
وإن كلمة واحدة من سوء الأدب مع الله قد تحرق رصيد العبد الإيماني كله، كما أن كلمة واحدة من الأدب الرفيع تجاه مقامه العظيم ـ جل علاه ـ قد ترفعه إلى مقام الصديقين ولا أدل على ذلك من حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال:” إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا، يرفعه بها الله درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لا بالا يهوي بها في جهنم” [1]وله رواية أخرى أكثر تفصيلا عن بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله تعالى له بها رضوانه إلى يوم يلقاه وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله، ما كان يظن أن تبلغ به ما بلغت، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه” [2] “[3]
***
[1] رواه البخاري.
[2] رواه مالك، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. ثم حسنه الألباني في صحيح الترغيب، بينما صححه في السلسلة الصحيحة.
[3] مجالس القرآن مدارسات في رسالات الهدى المنهاجي للقرآن الكريم من التلقي إلى البلاغ، الجزء الأول، فريد الانصاري، ص 399ـ 400، دار السلام، ط 4، 2015م.