الهجرة العكسية تجتاج “إسرائيل” في 2024
أصدر مركز الدراسات السياسية والتنموية ورقة حقائق حول الهجرة العكسية من الكيان “الإسرائيلي ” خلال العدوان على غزة، في موجة تُعد من أكبر التحديات التي يواجهها الكيان منذ تأسيسه، خاصة في ظل التغيرات المجتمعية والاقتصادية والسياسية الأخيرة.
وأظهرت الورقة البحثية أن فترة العدوان كشفت عن تصاعد ملحوظ في الهجرة العكسية من الكيان “الإسرائيلي”، وجاءت هذه الظاهرة نتيجة تداعيات الحرب على غزة، وفتح جبهات متعددة، والتي زادت من حالة عدم الاستقرار الأمني والنفسي داخل الكيان.
وكشفت الورقة أن الهجمات الصاروخية المتكررة من غزة دفعت العديد من العائلات “الإسرائيلية” للبحث عن ملاذ آمن خارج الكيان، أو في مناطق داخلية أكثر استقرارا، فيما صور المطارات “الإسرائيلية” المكتظة بالمسافرين الفارين من الحرب انتشرت على نطاق واسع عبر وسائل الإعلام الدولية ومنصات التواصل الاجتماعي، مما أبرز حجم الأزمة المتصاعدة.
وفي سياق متصل، برزت تقارير إعلامية “إسرائيلية” تشير إلى تزايد نشاط شركات الهجرة، التي تسارع لتقديم خدماتها لطالبي الهجرة، بما يشمل تسهيل نقل الأصول المالية وإنشاء حسابات مصرفية وشراء عقارات في دول أوروبية مثل قبرص، اليونان، إسبانيا، والبرتغال.
وتشير التقديرات إلى أن حوالي 550 ألف “إسرائيلي” غادروا الكيان منذ أكتوبر 2023، وهو ما تنفيه الحكومة “الإسرائيلية”، مدعية أن هذه الأرقام تعكس النزوح الداخلي بين المناطق وليس الهجرة إلى الخارج، فيما أشارت بيانات سلطة السكان “الإسرائيلية” إلى مغادرة أكثر من 550 ألف “إسرائيلي” في موسم الصيف وأثناء الحرب، ولم يعودوا حتى أبريل 2024.
ووفق المكتب المركزي للإحصاء، غادر نحو 60 ألف شخص تل أبيب ولم يعودوا خلال 2023 إلا في زيارات قصيرة، وخلال عام 2023، بلغ عدد المهاجرين 60 ألفا، مقارنة بمعدل سنوي بلغ 40 ألفا في السنوات السابقة.
وبلغ متوسط أعمار المهاجرين في عام 2023 (31.6 عاما) للرجال، بينما بلغ متوسط أعمار النساء (32.5 عاما). وشكّل من هم في العشرينيات والثلاثينيات من العمر 40% من المهاجرين، على الرغم من أنهم يمثلون حوالي 27% فقط من السكان.، وهو ما اعتبرته صحيفة “جيروزاليم بوست خسارة للكيان من قوى عاملة كبيرة في سن يدخل فيه كثيرون إلى سوق العمل أو يتابعون دراستهم أو يتلقون تدريبا في الخارج ومن بين المهاجرين، وشكّل العُزّاب 48% من الرجال و45% من النساء، وهاجر حوالي 41% منهم مع شريك حياته/حياتها، مما يعزز الانطباع بأن كثيرين من هؤلاء هاجروا بصورة نهائية.
ووفق بيانات وزارة الهجرة واستيعاب القادمين الجدد والوكالة اليهودية، شهد النصف الأول من عام 2022 انخفاضا حادا بنسبة 20% في معدلات استقدام اليهود من أمريكا وأوروبا.
وعلى الرغم من زيادة قدوم اليهود الأوكرانيين والروس خلال العام ذاته، فإن ذلك كان مدفوعا بأوضاع الحرب في تلك الدول، ومن بين 5,600 يهودي روسي استفادوا من “قانون العودة”، عاد حوالي 1,800 منهم إلى روسيا خلال فترة قصيرة.
وفي أعقاب انتخابات نونبر 2022، التي أسفرت عن تشكيل حكومة وصفت بأنها الأكثر تطرفا في تاريخ الكيان، ارتفع عدد “الإسرائيليين” الساعين للحصول على الجنسيات الأوروبية، وهو التوجه الذي كان مدفوعا بسياسات متشددة يقودها شخصيات بارزة مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.
ومن أبرز الدول الأكثر استقطابا “للإسرائيليين” قبرص اليونانية التي أصبحت الوجهة المفضلة لهؤلاء الفارّين، إذ استقبلت نحو 2500 منهم فقط في يوم واحد بعد أيام قليلة من معركة “طوفان الأقصى”، وارتفاع الإقبال على نيل الجنسية الفرنسية بنسبة 13%، وسجلت السلطات البرتغالية زيادة بنسبة 68% في طلبات الحصول على الجنسية من “الإسرائيليين”، كما سجلت السلطات البولندية والألمانية زيادة بنسبة 10% في نفس الطلبات.
ويمكن اعتبار تنامي نفوذ التيار الديني اليميني المتطرف والأحزاب الحريدية في المجتمع الإسرائيلي، وتغلغلها في الوزارات الحكومية وسيطرتها على مقاليد الحكم بالكيان، أحد أسباب تصاعد ظاهرة الهجرة اليهودية العكسية، في ظل التغييرات المجتمعية والاقتصادية والقضائية التي يدفع بها نتنياهو في الأعوام الأخيرة، بالإضافة إلى العوامل الأخرى من بينها:
- فقدان الثقة بالنظام السياسي، وتفاقم النزاع، وفقدان الشعور بالأمان.
- انعدام العدالة الاجتماعية، والشعور بتقاعس الحكومة عن معالجة قضايا جوهرية.
- انعدام الشعور بالأمان مع تعدد جبهات القتال في الكيان.
- انخفاض مستوى المعيشة وتفاقم حدة الانقسام الداخليّ.
- عوامل نفسية واجتماعية الإرهاق النفسي أو البحث عن الاستقرار.
وبخصوص تداعيات الهجرة العكسية على الكيان “الإسرائيلي”، فقد تكبد خسائر مالية ضخمة بسبب هجرة الأيدي العاملة، وتوقف كثير من المصانع والمعامل، فضلا عن بقية القطاعات الصناعية والزراعية، حيث أثرت الحرب بشكل كبير على عدة جوانب، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية، فضلا عن السياسية والعسكرية.
فقد تسببت الحرب على غزة في حرمان الكيان “الإسرائيلي” من اليد العاملة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن ثم تضطر إلى استقدام عمالة من دول أخرى بتكاليف أعلى وشروط أفضل، مما يؤدي إلى زيادة تكاليف الأجور وأسعار السلع “الإسرائيلية”، ويجعلها أقل تنافسية مقارنة بنظيراتها الأجنبية، بالإضافة إلى تأثيرها على القطاع العسكري بعد رفض عديد من “الإسرائيليين” الالتحاق بالجيش.
وعشية بداية العام الجديد، كشفت معطيات رسمية للجهاز المركزي “الإسرائيلي” للإحصاء، مغادرة أكثر من 82 ألف شخص البلاد في العام 2024.
ووفقا للتقديرات، يبلغ عدد سكان “إسرائيل” نحو 10 ملايين و27 ألفا، بينهم 7.7 ملايين يهودي و2.1 مليون عربي إسرائيلي (فلسطينيو الداخل) و216 ألف أجنبي، مشيرا إلى انخفاض في معدل نمو السكان في العام 2024 إلى 1.1 بالمئة مقارنة مع 1.6 في المئة بالعام 2023.
وبلغ صافي الهجرة من إسرائيل 18,200، إذ غادرها 82,700، واستقبلت 32,800 مهاجر جديد، وهو رقم أقل بـ15 ألفا عن عام 2023. أما بالنسبة لطلبات لم شمل الأسرة، فقد بقيت الأعداد مستقرة مقارنة بالعام السابق.
ووفق معطيات الإحصاء فإن 76.9% من السكان في “إسرائيل” هم من اليهود والمسيحيين وغير المصنفين دينيا. و21% من السكان عرب، و2.1% من السكان هم من الأجانب، وفيما يخص المواليد، وُلد 181 ألف طفل خلال 2024، منهم 76% لأمهات يهوديات و24% لأمهات عربيات.
ولوحظ زيادة ملحوظة في أعداد الوفيات التي بلغت في 2024 نحو 51,400 شخص، بزيادة قدرها 1,800 وفاة مقارنة بعام 2023. وتشمل هذه الأرقام 1,870 جنديا ومدنيا لقوا حتفهم خلال الحرب حتى 7 أكتوبر 2023.
ولم تحدد معطيات الإحصاء أسباب مغادرة “الإسرائيليين”، لكن سبق أن عزت وسائل إعلام عبرية ذلك لإطلاق الصواريخ من لبنان وقطاع غزة واليمن تجاه “إسرائيل”.