المهندس محسن بنخلدون يسائل وضع الكتاب في عصر الذكاء الاصطناعي

أصدر محسن بنخلدون، مهندس دولة في الإعلاميات الصناعية والآلات الدقيقة كتاب موسوم بـ”الكتاب في عصر الذكاء الاصطناعي: ثورة صامتة تهز عرش التأليف والنشر في العالم العربي”، عن مطبعة رؤى برينت.

يناقش المستشار المعتمد في مجالات النظم المعلوماتية والتحول الرقمي في إصداره أسئلة جوهرية منها: هل يمكن للآلة أن تكتب نصا حقيقيًا ينبض بالحياة كما يفعل الإنسان، وماذا يحدث للرواية العربية أمام نصوص مولدة آليًا، وكيف تؤثر الثورة الرقمية على صناعة النشر وعلى عادة القراءة وغيرها من الأسئلة.

ويدعو إلى إعادة التفكير في معنى الإبداع ودور المؤلف العربي في عالم سريع التحول، موضحا أن هذا العمل التحليلي الرصين، يشكل رحلة فكرية هادئة عبر تحولات عميقة يشهدها العالم العربي والعالمي، حيث يتلاقى وهج الإبداع الإنساني مع برودة الخوارزميات الذكية.

وقسم بنخلدون الكتاب إلى 9 مباحث: المبحث الأول حول الذكاء الاصطناعي كاتبا ومؤلفا خفيا، أما المبحث الثاني فيتحدث عن الرواية العربية في اختبار الآلة، بينما يتخصص المبحث الثالث: النشر الذاتي والثورة الرقمية، أما المبحث الرابع فهو حول إشكالية الأخلاقيات وحقوق المؤلف.

ويتناول المبحث الخامس استعادة التراث العربي عبر الذكاء الاصطناعي، أما المبحث السادس فيتناول أثر الذكاء الاصطناعي على عادة القراءة، بينما يتخصص المبحث السابع في تناول المكتبات العربية وتحدي التحول الرقمي، ويتناول المبحث الثامن الدفاع عن الإبداع الإنساني في عصر المؤلفات، ويختم المبحث الأخير الكتاب في عصر الذكاء الاصطناعي رحلة جديدة نحو إنسانية متجددة.

ويقول بنخلدون “ظل فعل الكتابة لقرون طويلة معقلاً حصريًا للإنسان يعبر عبره عن ذاته، ويترجم مخزونه الثقافي والوجداني إلى كلمات تخترق الزمن ولئن تطورت أدوات الكتابة عبر العصور من الرق والقلم إلى الآلة الطابعة وأجهزة الحاسوب، فإن القلم ظل، رغم كل شيء، امتدادًا لروح الكاتب، لا مجرد أداة تقنية غير أن اللحظة الراهنة”.

ويرى بنخلدون أنه مع التقدم الهائل في تقنيات الذكاء الاصطناعي، تشهد تغيرا جذريًا في هذا التصور التاريخي: فالآلة اليوم لم تعد تكتفي بمساعدة الكاتب، بل باتت تكتب معه وأحيانًا بدلاً منه في مشهد يطرح أسئلة فلسفية وفنية لم يسبق لها مثيل دخل الذكاء الاصطناعي مجال الكتابة .

وينبه الكاتب إلى أن هذا الواقع الجديد يثير جملة تساؤلات عميقة حول هل النصوص المنتجة عبر الذكاء الاصطناعي نصوص مبدعة فعلا أم مجرد محاكاة ذكية للإنتاج الإنساني؟ ما الذي يميز عمل الإنسان في الكتابة عن عمل الآلة؟ وأين تكمن الحدود الفاصلة بين الإبداع والتوليد الآلي؟ 

ومن القضايا التي أثارها الكاتب قضية الرواية، فعنده “تُعد الرواية العربية منذ بداياتها الحديثة، مرآة دقيقة لتحولات المجتمع العربي، وفضاءً رحبًا للتعبير عن الذات الفردية والجماعية، عن الأحلام والهزائم عن التمزقات الداخلية والأسئلة الكبرى حول الهوية والانتماء والمصير. ولعل هذا العمق الوجودي، الذي يشكل صميم الرواية العربية”.

ومن هناك يتساءل عن قدرة خوارزميات الذكاء الاصطناعي، المبنية على منطق الإحصاء وقواعد اللغة أن تلامس هذه القضايا المركبة بنفس الروح التي يلامسها بها الروائي العربي، كما يتساءل عن مدى قدرة الرواية بما تحمله من عمق وجود بأن تبقى معاقل الإبداع الإنساني الصرف في مواجهة طوفان الآلة.

ويستحضر الكاتب أن الرواية في العالم العربي لم تكن يوما ترفًا أدبيًا، بل كانت في معظم الأحيان، فعلاً مقاومًا للواقع أو انعكاسًا معقدًا له من نجيب محفوظ إلى الطيب صالح، ومن غسان كنفاني إلى حنان الشيخ، ظل الروائي العربي ينسج نصوصه من خيوط الحياة، اليومية ملتقطًا نبض الشارع، وتناقضات المجتمع.

ويتوقف الكاتب في مبحث عن إشكالية الأخلاقيات وحقوق المؤلف عند الإشكاليات التي تبرز في قلب الثورة الرقمية التي يعرفها قطاع النشر والتفكير، بحيث أنه يلاحظ بروز إشكاليات وتحديات قانونية وأخلاقية متعقدة.

ويعرج على مبحث حول استعادة التراث العربي عبر الذكاء الاصطناعي ليؤكد أن التراث العربي شكل ركيزة أساسية في بناء الهوية الثقافية وان مع صعود الذكاء الاصطناعي تبرو فرصة من أجل استعادة هذا التراث الضخم. 

وينتقد في مبحث حول أثر الذكاء الاصطناعي على عادة القراءة ما وصفه بـ”اللقيمات المعرفية” التي أثرت سلبا على مهارات القراءة التحليلية، ويرى أن من التحديات الكبرى للمكتبات العربية هي التحدي الرقمي، حيث لازالت -حسبه- أغلب المكتبات العربية تراوح مكانها بين التصور التقليدي والنموذج الحديث.

ويدافع في الفصل الثامن عن الإبداع الإنساني الذي أصبح يداهمه عصر المؤلفات الآلية، وختم كتابه بالارتكاز على الكتاب على اعتبار أنه رحلة جديدة نحو إنسانية متجددة، مشددا استثمار المعرفة الجديدة دون التخلي على أعماقنا الروحية والوجدانية.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى