المنظومة الغربية وأزمة الثقة – الزهرة لكرش
بُنيت منظومة قيم الإنسان الغربي على قيم مثل الحرية والديمقراطية والمساواة ونصر المظلومين حول العالم، هذه هي الصورة الذهنية التي يملكها الغربي عن بلاده، بلاد الحريات والحقوق. لكنه استفاق اليوم من أحلامه على مشاهد القتل والتنكيل والإبادة لشعب فلسطين، إبادة أسهمت وتسهم فيها منظومته ماديا ومعنويا. استفاق ليجد نفسه أمام وابل من الأسئلة، يجيب عنها إعلامه وسياسيوه بجمل منمقة ومدروسة تؤكد بكل عنجهية أن منظومته على صواب وأن المبادئ التي تقوم عليها لا مساومة فيها، فهي دائما إلى جانب الحق وتبذل قصارى جهدها لتبقى مخلصة لتلك المبادئ والأسس التي قامت عليها.
لكن بالمقابل الصورة لا تكذب والمشاهد التي تتناقلها المواقع ـ وليس الإعلام الغربي ـ من فظاعتها لا يستطيع هذا المواطن المسكين تصديقها، فأفلام السينما الأكثر عنفا لم تستطع محاكاتها. لقد رأى بأم عينه دُورا تهوي على ساكنيها من نساء وأطفال. رأى أطفالا يلعبون بمدارس الأونروا ـ التابعة لمنظومته ـ حيث لا سلاح ولا إرهاب ـ يُقصفون ويموتون بلا رحمة. رأى أطفالا في سن الزهور قطعت أوصالهم ليعيشوا مبثوري الأطراف بلا أب ولا أم يرعونهم. شاهد طفلا يحمل في حقيبته المدرسية أشلاء جثة أخيه. رأى من المشاهد ما يعجز عن تحملها من يملك “قلب إنسان” بين جنبيه.
إن الإنسان الغربي الحر قد اهتزت ثقته في منظومته التي كان يعتبرها لوقت قريب خلاصا للإنسانية لما تحمله من قيم الحب والتعايش والرحمة. فما آمن به طيلة حياته وما تلقاه في المدارس كان مجرد كذبة نسجتها المصالح وغذتها الرغبة في امتلاك العالم والتحكم فيه.
إن المنظومة الغربية بدأت تنهار عجزا لأنها فقدت المصداقية ولم تتمكن من الحفاظ على صورتها أمام مواطنيها. فهل ستتدارك الموقف لتنقذ ما يمكن إنقاذه، وتعيد لمواطنها الثقة وتبين له أن ما تبناه ودافع عنه وآمن به لم يكن وهما؟ أم أنها ستستمر في عنجهِيَّتها معلنة أن الإخلاص للكيان أهم من المبادئ والمواطن والإنسانية.
وإلى جانب هذا، لا يمكن استثناء الإنسان العربي من المشهد، ذاك الإنسان الذي استجلب الشعارات الغربية إلى بلاده مُناديا بتبنيها، مؤمناً أنها السبيل للخلاص من التخلف والرجعية، فقضى عقودا من عمره مدافعا ومنافحا عنها بكل قوة، معتقدا أنها طوق نجاة مجتمعاته من براثين العبودية والتخلف. إن المواطن العربي المتبني لمنظومة القيم الغربية يجد نفسه اليوم أمام مفارقة كبيرة خلخلت كل معتقداته السابقة، لقد آمن أنها قيم إنسانية جامعة ليكتشف اليوم أنها تستثنيه أو بالأحرى أن مثاليتها كانت مجرد وهم صدّقه.
فهل ستنجح المنظومة الغربية في إعادة ترميم صورتها أمام مواطنيها وغيرهم ممن آمنوا بها وتبنوها؟ أم أنها ستخسر الرهان لأنها لا تستطيع معاداة قوى تتحكم بالمشهد العالمي وتديره؟
المعادلة صعبة في زمن أصبحت المصالح هي الحَكم والفيصل، ولم يبق للشعارات الكبيرة والقيم النبيلة مكان. كانت اوروبا وأمريكا حلم الكثيرين لأن الصورة الذهنية التي رسموها عنها هي أقرب للمثالية منها للواقع. وساهم في نسج هذه اللوحة وتلميعها إعلام لم يجد له منافساً. ليتعرى المشهد اليوم وتزول الأقنعة مع انتشار الهواتف الذكية ومواقع التواصل والمنصات، فوجد الغرب نفسه أمام تحدّ كبير ربما لم ينتبه لخطورته من قبل ولم يشعر بخطره في التأثير على مصداقيته.
فكيف ستتعامل المنظومة الغربية مع هذا الواقع الجديد الذي بدأ يهزها من الداخل ويغير حساباتها؟ هل ستنحو منحى جديدًا في سياساتها الخارجية يستجيب وتطلعات مواطنيها؟ ام ستختار التحدي الأصعب وهو الاستمرار في طريقها مع عدم القدرة على التكهن بالنتائج؟