المقاطعة تضرب قطاع التكنولوجيا الفائقة في الكيان الغاصب

كشف تقرير جديد أن الكيان الإسرائيلي يواجه أزمة صامتة، لكنها متصاعدة وممتدة وعميقة التأثير، وتصيب أعماق اقتصاده الحيوي، وتحديدا في قطاع التكنولوجيا الفائقة والأوساط الأكاديمية بسبب استمرار حرب الإبادة والتجويع التي يشنها في قطاع غزة.
وأكد التقرير المشترك، الذي نُشر أمس الخميس في صحيفتي هآرتس و”ذا ماركر” الاقتصادية المتخصصة، أن الإسرائيليين كانوا في الأشهر الأولى من الحرب لا يزالون يعتقدون أن هذه فترة عصيبة ستمر، لكن في الشهر الماضي، وكما تُظهر سلسلة من المحادثات مع مسؤولين تنفيذيين في قطاع التكنولوجيا المتقدمة والقطاع الأكاديمي، فقد تغير شيء ما.
ويرجع التقرير هذا التغير إلى الصور المروعة من غزة لأطفال يتضورون جوعا، إلى جانب تقارير المنظمات الإنسانية التي تدين الاحتلال الإسرائيلل باستخدام التجويع كأداة حرب، الأمر الذي جعل من الصعب على الشركاء الدوليين الامتناع عن التدخل أو حتى التزام الصمت.
ويشير التقرير إلى أن التغيير بدأ يحدث عند الشركاء الأوروبيين، وحتى عند بعض الأميركيين، الذين لم يعودوا مستعدين للتعاون مع الشركات الإسرائيلية في قطاع التكنولوجيا الفائقة، وكذلك مع الأكاديميين، بل بات بعضهم يضع شروطا صارمة أو يتراجع بالكامل عن الاتفاقات، خشية من ردود الفعل الشعبية أو الاتهام بالتواطؤ مع “جرائم حرب”.
كما يكشف عن موجة مقاطعة متصاعدة، ليست بصيغة بيانات سياسية أو قرارات علنية، بل على هيئة انسحابات هادئة وتجميد عقود، أو اللجوء إلى صفقات تُدار في الخفاء، مشيرا إلى أن الأسباب ليست فقط أخلاقية، بل أيضا عملية، وتتلخص في الحفاظ على السمعة، والاستجابة للضغوط والاحتجاجات، وحتى المضايقات الشخصية.
ويؤكد التقرير، أن السبب في المقاطعة ليس فقط معارضة العدوان، بل أيضا الضغط الاجتماعي المباشر. ونتيجة لهذا الواقع، بدأت بعض الشركات الإسرائيلية تبحث عن طرق ملتوية لإكمال الصفقات. من أبرز الأمثلة صفقة استحواذ أوروبية على شركة ناشئة إسرائيلية، لكن الصفقة لم تتم تحت اسمها الإسرائيلي، بل حُولت الشركة إلى كيان بولندي وهمي، بحيث يبقى التطوير والعقول في إسرائيل، لكن على الورق فقط، بينما أصبحت الشركة أوروبية.
ويقول التقرير، إن الأزمة لم تقتصر على القطاع الخاص، ففي ماي الحالي، أعلن صندوق الثروة السيادية النرويجي، وهو الأكبر في العالم، بيع استثماراته في شركة “باز” الإسرائيلية بسبب تورطها في تزويد مستوطنات الضفة الغربية بالوقود. وبعده، أعلن صندوق التقاعد الكندي وقف استثماراته الجديدة في إسرائيل، التزاما بما وصفه بـ”معايير أخلاقية عالية”.
لكن الضربة الأبرز جاءت من المفوضية الأوروبية نفسها، التي اقترحت هذا الأسبوع تقييد تمويل شركات التكنولوجيا الإسرائيلية ذات التطبيقات المزدوجة (المدنية والعسكرية) ضمن برنامج “أفق أوروبا” الضخم، الذي تبلغ ميزانيته نحو 100 مليار يورو. ويمثل هذا البرنامج شريانا حيويا للأوساط الأكاديمية الإسرائيلية، التي لطالما حصدت تمويلا يفوق حجم مساهمة إسرائيل فيه.
في حال مضي هذه التوصية قدما، ستُمنع عشرات الشركات الناشئة ومراكز البحث من الوصول إلى منح حيوية. وهو ما وصفه أحد المسؤولين الإسرائيليين بأنه “رسالة مخيفة” قد تدفع المستثمرين والمؤسسات إلى نبذ التعاون مع إسرائيل على نطاق أوسع.
ومع أن توصية المفوضية في هذه المرحلة تقتصر على منح التكنولوجيا التطبيقية، أي أن تأثيرها يبلغ نحو 10 شركات ناشئة سنويا، إلا أن المسؤولين الإسرائيليين قلقون من المشاعر السلبية التي يثيرها هذا الإعلان.
وحسب التقرير، فإن المقاطعة لم تعد تقتصر على الشركات الناشئة أو التقنية، بل إن ما يصفها بالمؤسسات الأكاديمية العريقة بدأت تواجه عزلة غير مسبوقة.