المقاطعة الاقتصادية سلاح شعوب العالم في وجه الاحتلال “الإسرائيلي”
عمّت موجة غضب شعبي عالمي ضد الكيان “الإسرائيلي” المحتل على إثر جرائمه ضد أهل قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، أودت بحياة قرابة 20 ألف شخص وإصابة أزيد من 50 ألف آخرين، بالإضافة إلى تدمير البنى التحتية والمرافق العمومية الحيوية، جعلت من القطاع مكان غير قابل للعيش.
ومع توالي المجازر على مرأى ومسمع من العالم، ومشاهد الإبادة الجماعية والتهجير وترويع للآمنين وتدمير للمباني والمستشفيات، خرجت الشعوب الحرة في العالم كله إلى الشوارع في وقفات ومسيرات أسبوعية تنديدا بالعدوان “الإسرائيلي” الهمجي الذي لم تستطع كل المواثيق الدولية والقوانين الإنسانية العالمية إيقافه.
وتصاعدت الدعوات بضرورة تفعيل المقاطعة الاقتصادية لمنتجات الشركات الداعمة للاحتلال والانتقادات الكبيرة للولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها المساند الأول له بالسلاح والعتاد الذي يرتكب به المجازر اليومية في غزة بحق المدنيين العزل، وباتت المقاطعة السلاح المتاح للشعوب العربية والغربية التي تضامنت مع الفلسطينيين في محنتهم.
وتفاعل الشارع العالمي مع دعوات المقاطعة بشكل لافت، وأثر بشكل مباشر على الشركات التي تمت مقاطعتها، بعد أن تزايدت الدعوات العربية والدولية لتكثيف المقاطعة الاقتصادية والثقافية والأكاديمية، التي تهدف إلى حث الشركات العالمية على سحب دعمها ل”إسرائيل” ومساهمتها المباشرة وغير المباشرة في عدوانها على غزة وبقية الأراضي الفلسطينية.
ولم تقف حملة المقاطعة عند علامة تجارية أو اثنتين، بل شملت العديد من العلامات حول العالم منذ بدء العدوان “الإسرائيلي” على غزة، واستهدفت العديد من الشركات المصنّفة على أنها داعمة للاحتلال، أو أعلنت صراحة دعمها للجيش “الإسرائيلي”.
وكان أبرز أثر لهاته المقاطعة انخفاض أسهم شركة “ستاربكس” إثر تراجع أرقام مبيعاتها، وهو أكبر خسارة للشركة منذ الاكتتاب العام في عام 1992، حيث فقدت سلسلة المقاهي الأمريكية أكثر من 10% من قيمتها منذ 16 نوفمبر الماضي، وذلك عندما ترك آلاف العمال وظائفهم في الولايات المتحدة بعد إضراب العمال في مئات الفروع للمطالبة بتحسين ظروف العمل، بالموازاة مع تصاعد الحملات على منصات التواصل الاجتماعي، التي تدعو لمقاطعتها في العالم العربي.
وتداول على نطاق واسع عزم الشركة السويدية H&M وStarbucks الأمريكية مغادرة المغرب وإغلاق جميع فروعهما في المدن المغربية بسبب تأثرهما بموجة المقاطعة الشعبية الغاضبة من العدوان “الإسرائيلي” على قطاع غزة، بعد أن واجهت حملة مقاطعة قوية انتشرت بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، تدعو إلى مقاطعة كل المنتجات التي أعلنت دعمها لإسرائيل، احتجاجا على المجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال “الإسرائيلي” ضد المدنيين في قطاع غزة.
وبدت فروع الشركتين وسلاسل غربية أخرى خصوصا مطاعم الوجبات السريعة في كبرى المدن المغربية كالرباط والدار البيضاء، وطنجة ومراكش بلا زبائن منذ انطلاق حملات المقاطعة عشية بدء العدوان “الإسرائيلي” على غزة أكتوبر الماضي.
من جهتها، تقود حركة مقاطعة إسرائيل “BDS” أبرز حملات المقاطعة، وقالت على موقعها الإلكتروني إنها تعمل على بناء المقاطعة الاقتصادية لـ”إسرائيل”، وتُطور حملات فعّالة ضد الشركات التي تشارك في الاضطهاد “الإسرائيلي” للفلسطينيين.
وأضافت “BDS”، أن حملات المقاطعة، وسحب الاستثمارات أدت سابقا إلى إقدام شركات كبرى مثل “فيوليا” (Veolia)، و”أورانج” (Orange)، و”سي آر إتش” (CRH)، على إنهاء تورطها في المشاريع “الإسرائيلية” كليا، كما أدت إلى سحب مجموعة واسعة من المستثمرين لاستثماراتهم من الشركات “الإسرائيلية”، وكذلك من الشركات العالمية المتواطئة.
وفي 12 دجنبر الجاري، أعلنت الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل (PACBI)، وهي جزء هام من حركة مقاطعة إسرائيل BDS، انتصار حملتها المستمرة منذ سنوات بالشراكة مع حركات التضامن عالميا ضد شركة “بوما PUMA” الألمانية للألبسة الرياضية حيث أعلنت الشركة عن إنهاء عقدها مع اتحاد كرة القدم “الإسرائيلي.”
ويأتي هذا الانتصار بعد سنوات من ضغط مجموعات وشركاء حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)، التي نجحت في حشد الدعم الشعبي لحملة “#قاطعوا_بوما”. واستجابت العديد من الفرق الرياضية حول العالم لندائها، فكانت أبرز نجاحاتها: إعلان نادي قطر عدم نيته تجديد عقده مع “بوما”، وإنهاء أكبر جامعة ماليزية اتفاقية رعاية “بوما” لفريق كرة القدم التابع لها، وقرار نادي “تشستر” الإنجليزي عدم التعاقد مع “بوما”، وإنهاء نادي “لوتن” الإنجليزي عقده مع “بوما”، وتعهد نادي “فوريست غرين” بعدم التعاقد مع “بوما”، واختيار نادي “ليفربول” لراعٍ آخر بعد بدئه خوض محادثات مع “بوما”.
ومؤخرا، وأمام ضغط نشطاء حملة التضامن مع فلسطين في إيرلندا المطالبين بوقف الحرب “الإسرائيلية” على قطاع غزة، قامت أكبر سلسلة متاجر لبيع المعدات الرياضية في إيرلندا، “أونيل”، بإزالة منتجات شركة “بوما” من كافة متاجرها إضافة إلى متجرها الإلكتروني.
وقبل أيام، توجهت حملة المقاطعة نحو العلامة التجارية الإسبانية “زارا ZARA” بسبب تصاميم تضمنتها تشكيلتها الجديدة التي أطلقتها في 9 دجنبر الجاري، والتي اعتبرها ناشطون مستوحاة من العدوان في غزة وداعمة للاحتلال، بعد أن ظهر في إعلانها الجديد صور لعارضة أزياء وهي تحمل كفنا على ما يبدو، وفي صورة أخرى ظهرت من داخل صندوق محطم وكأنه تابوت وأمامها ما يظهر كجثة في كيس موتى.
وانتشر على نطاق واسع وسم “#مقاطعة_زارا” باللغتين العربية والإنجليزية، وتصدر قائمة الترند في بعض الدول العربية، فيما رمى بعض الناشطين ألبستهم من “زارا” في سلة القمامة، مما دعا حساب الشركة إلى حذف المنشور ومنشورات أخرى، خوفا من فقدان المزيد من الجماهير.
وبدأت آثار مقاطعة الشركات الغربية تظهر بشكل واضح، خاصة في الانخفاض الكبير للإقبال على مطاعم ومقاه مشهورة مثل “ستاربكس” و”ماكدونالدز”. و نقلت وكالة “رويترز” تصريحا لموظف في أحد مطاعم “ماكدونالدز” في مصر على سبيل المثال، أكد فيه أن “مبيعات ماكدونالدز في مصر في شهري أكتوبر ونوفمبر الماضيين انخفضت بنسبة 70% على الأقل مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي”.
من جهتها، سارعت معظم دول الخليج إلى مقاطعة المنتجات والعلامات التجارية التي تدعم الاحتلال “الإسرائيلي”، وهو ما شكل ضربة قاسية لتلك المنتجات، خاصة أن هذه الدول تعد من أكثر الأسواق استهلاكا في المنطقة.
ففي الكويت، بدأ ناشطون حملة كبيرة تحت شعار “هل قتلت اليوم فلسطينيا؟”، تشير إلى أن شراء منتجات الشركات الداعمة للاحتلال “الإسرائيلي” يعني المشاركة في قتل الفلسطينيين. وفي دولة قطر اضطرت بعض الشركات الغربية إلى الإغلاق بعد أن قامت إداراتها بنشر محتوى مؤيد لـ”إسرائيل” على شبكات التواصل.
ومع توسع حملات المقاطعة في سلطنة عمان، قال مفتي السلطنة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي في 16 نوفمبر الماضي، إن سلاح المقاطعة “من أمضى الأسلحة وأنجحها في إخضاع العدو” مشيرا إلى أنه لا يحتاج إلى إذن ولي الأمر.
ولم تقتصر المقاطعة على الجانب الاقتصادي، بل امتدت أيضا إلى الجانب العُمالي والنقابي، فمنذ بداية عدوان الاحتلال “الإسرائيلي” وآلاف العمال والنقابيين والنشطاء حول العالم يتظاهرون بشكل مستمر لمنع التجارة العسكرية مع نظام الأبارتهايد “الإسرائيلي”، مطالبين بإغلاق مصانع الأسلحة التي تغذّي الإبادة الجماعية للمدنيين، أو إغلاق الموانئ وعرقلة عمل شركات الشحن التي تنقل الأسلحة لها.
وطالبت عشرات النقابات العمالية التي تمثل عشرات ملايين العمال بوقف إطلاق النار الفوري، وتعهدت بوقف ومنع نقل الأسلحة ل”إسرائيل”، كما طالبت حكوماتها بإلغاء كافة الاتفاقيات العسكرية مع الاحتلال، ففي الهند، على سبيل المثال، طالبت نقابات عمالية تمثل ما يقارب 100 مليون عاملا الحكومة الهندية بإلغاء اتفاقية تصدير عمال هنود ل”إسرائيل” ليحلوا مكان العمال الفلسطينيين الذين طردتهم إسرائيل من أعمالهم انتقاما.