المسيرة الخضراء ملحمة مستمرة بين الملك والشعب – يوسف الحزيمري
ما أكثر الملاحم في تاريخ المغرب بين ملوكه الأقوياء وشعوبهم الأوفياء، وهذه الملاحم من مقتضيات البيعة على المنشط والمكره، والتي جسدت تاريخا حافلا بالبطولات يرويه الخلف عن السلف، ومن بين هذه الملاحم المسيرة الخضراء المظفرة.
ويحتفل المغاربة قاطبة في السادس من نوفمبر من كل عام بهذه الذكرى العزيزة، وهي الذكرى التي أصبحت تاريخا يؤرخ به عند المغاربة لولاداتهم ووفياتهم وأحداثهم عامة، فيقال عام المسيرة الخضراء بعده أوقبله.
من منا لا يتذكر مادة الإنشاء حول حدث المسيرة الخضراء والتي كانت تغرس فينا قيم حب الوطن والتعلق بالعرش العلوي المجيد والاعتزاز بتاريخنا وهويتنا الإسلامية المغربية، وهو الحدث الذي خلق في وقته أبهى صورة للتضامن والتآزر والالتفاف حول نداء الحسن الثاني طيب الله ثراه لبدء الاستعداد للمسيرة الخضراء بكلمته التاريخية (غذا شعبي العزيز سنخترق الحدود).
إذا كان سلاحك القرآن، والتشبث بكل شبر من الوطن سواء شماله وجنوبه، والسير على خطى العرش، فإن النتيجة ستكون حدثا باهرا على المستوى الوطني والعالمي، ولذلك كان وصف الحسن الثاني رحمه الله بمبدع المسيرة الخضراء، لأن الابداع هو الاتيان بشيء على غير مثال سابق، والمسيرة الخضراء المظفرة هي على غير مثال سبقها في العالم، حيث استرجع المغرب أقاليمه الصحراوية سلميا، والمغاربة لا يحملون حينها سوى القرآن الكريم والأعلام الوطنية.
وإذا كانت الصلاة هي المفزع عند حدوث نعمة أو اندفاع نقمةفإن الصلاة التي صلاها الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه في طرفاية لهي أكبر دليل على الإيمان بالله وقدرته على نصرة القضايا العادلة هذا الإيمان الذي تسلح به الملك والشعب لاسترجاع الصحراء المغربية صرح به المغفور له في الخطاب الذي وجهه صاحب الجلالة من مدينة أكادير إلى الشعب المغربي وإلى المتطوعين بطرفاية للانطلاق في المسيرة الخضراء والذي جاء فيه بعد الحمد والتصلية: (شعبي العزيز:قال تعالى في كتابه الحكيم:”فإذا عزمت فتوكل على الله” صدق الله العظيم.
فعلا شعبي العزيز لقد عزمنا وعزمنا جميعا ككل مرة في التاريخ، قررنا أن نعزم عزمنا وقررنا أن نسير بمسيرة سلمية خضراء مدعمين بحقوقنا، محاطين بأشقائنا ورفاقنا، معتمدين قبل كل شيء على إرادتنا وإيماننا…)
وعلى خطى نهج آبائه وأجداده سار ملكنا المحبوب محمد السادس نصره الله وأيده في تعزيز الارتباط بالأقاليم الصحراوية وعدم التفريط في شبر منها ولا ذرة رمل منها بالعبارة المشهودة المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وجعل قضية الصحراء أولوية في السياسة التنموية الداخلية وفي السياسة الدولة الخارجية، وهي معيار به يعرف حقيقة الوطنية داخليا (إما أن تكون وطنيا أو خائنا) وحقيقة الصداقة خارجيا فمغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس.