المركز العربي: نتائج الانتخابات الفرنسية ستؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي في غياب أغلبية واضحة
رجحت دراسة جديدة أن نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية، أضعفت من موقع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مما يجعل الجمعية الوطنية تستعيد دورها كمؤسسة دستورية حيوية، وتشكل ثقلا سياسيّا كانت تحظى بهما قبل أن تبدأ محاولات تهميشها خلال عهد ماكرون، وإن كان هذا الأمر سيؤدي أيضا إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي في غياب أغلبية واضحة قادرة على تشكيل حكومة مستقرة.
وأفاد تقدير موقف صادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أنه في انتظار اتضاح الرؤية لدى جميع الأحزاب، وحَسْم رئيس الجمهورية أمرَ تكليف ممثل عن أحدها لتشكيل الحكومة، يُرجَّح أن تبقى الأمور على حالها حتى انتهاء دورة الألعاب الأولمبية في غشت 2024.
وتشير الدراسة في هذا السياق إلى أن رفض ماكرون لاستقالة الحكومة القائمة أكد هذا التوجه. وفي كل الأحوال، فقد غيرت نتائج الانتخابات العامة كليًّا المشهد السياسي الفرنسي؛ إذ أضعفت موقف الرئيس الذي خسر أغلبيته النسبية التي كان يملكها في البرلمان السابق، في حين مُنع اليمين المتطرف من تشكيل حكومة، وكان يمكن أن تكون مثل هذه الخطوة مقدّمة ذات أهمية في التمهيد للفوز بمنصب الرئاسة الفرنسية الذي تصبو إليه زعيمة الحزب مارين لوبان في انتخابات عام 2027، وقد حققت أحزاب اليمين واليسار مكاسب مهمة على حدّ سواء.
ورأى المركز في دراسته المعنونة بـ”الانتخابات العامة الفرنسية: تقدم اليسار واليمين، وبرلمان معلق” أن الخطوة المفاجئة التي أقدم عليها الرئيس ماكرون، والمتمثلة في حلّ الجمعية الوطنية إثر صدور نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي التي سجلت تقدّمًا واضحًا لحزب “التجمع الوطني، خطوة وضعت فرنسا في صميم أزمة سياسية تُثير الاستغراب في الأوساط السياسية والإعلامية الفرنسية؛ باعتبارها مغامرةً غير محسوبة أوشكت أن تجعل أَمْرَ فرنسا لليمين المتطرف.
ولفتت الورقة السياسية إلى أن أغلب مستشاري الرئيس عارض تلك الخطوة، لكنهم لم ينجحوا في تغيير موقفه القائم على نظرة شديدة السلبية إلى السياسيين التقليديين، وهو الذي قدم من الوسط المصرفي، والذي لم يسبق له الانخراط في العمل السياسي الفعلي قبل ترشحه إلى الرئاسة عام 2017. وقال ماكرون إنه أراد أن يلقي “قنبلة بين أقدام الأحزاب السياسية”، ليرى ما ستفعل.
وتقدر الدراسة أنه بحسب نتائج المرحلة الثانية من الانتخابات، حلّ حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف في المرتبة الثالثة، بعد تحالف اليسار والتحالف الرئاسي ضده، وإن فشل في استثمار نجاحه في المرحلة الأولى وترجمته إلى مقاعد في المرحلة الثانية، فإنه في واقع الأمر سجّل زيادة كبيرة في عدد نوابه في الجمعية الوطنية، مقارنة بما كانت عليه الحال في الدورة الانتخابية السابقة عام 2022 من 89 إلى 143 نائبًا. أما على مستوى الأصوات، فقد كانت الزيادة أكبر من ذلك كثيرا؛ ففي عام 2022، صوت 4 ملايين ناخب للتجمع الوطني، في حين بلغ عدد الذين صوتوا له في الانتخابات الأخيرة 12 مليون ناخب (في المرحلتين الأولى والثانية)؛ أي إن الزيادة بلغت 3 أضعاف.
ويُرجّح أن تشهد الفترة المقبلة إعادة تشكيل المشهد السياسي الفرنسي من خلال تفكيك تحالفات وإعادة بناء أخرى. وتسعى جميع الأحزاب السياسية لتحقيق أغلبية تسمح لها بتشكيل حكومة.
ومع رفض ماكرون لأيّ تحالف مع الجبهة الشعبية الجديدة، التي تقودها حركة “فرنسا الأبية” بزعامة جان لوك ميلانشون، فإنه لا يرفض التحالف مع مكونات منها. ويذهب التقرير إلى أن ماكرون الذي سبق أن نجح من خلال حزبه “النهضة” سوف يسعى في إنشاء مكوَّن هجين من الاشتراكيين والديغوليين والوسطيين، وغيرهم من الطموحين، لتفكيك التحالف اليساري واستقطاب الاشتراكيين والخضر فيه؛ ليضيفهم إلى تكتّله السياسي من أجل بناء أغلبية حاكمة. لكنّ غضب حلفائه، وخصوصًا رئيس وزرائه أتال، بسبب حلّه للبرلمان من دون استشارتهم، يدفعهم إلى التمايز عن سياسته بحثًا عن مستقبل مرتبطٍ بالانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2027.