ذ حسن الإفراني يكتب المجلس التربوي.. الصناعة الثقيلة أو ثغر الثغور (1/7)
مركزية مجال التربية في أدبيات حركة التوحيد والإصلاح (1)
يعد مجال التربية والتأهيل الرسالي عند حركة التوحيد والإصلاح أحد المجالات الاستراتيجية التي تتعهد الحركة من خلالها أعضاءها والمتعاطفين معها، وكل من أراد الاستفادة والاستزادة من مجالس الذكر والتدبر والتفكر والتناصح والتواصي بالحق وبالصبر والتفقه في الدين العمل به، وفهم الواقع وتحصيل أدوات الاشتعال في مختلف مجالات الإصلاح. (الميثاق، ص86)، لذا اعتبر بمثابة الرأس من الجسد، وبمكانة عرفة من الحج، فالحج عرفة، والحركة تربية.
ويمكنك أن تسأل أي عضو من الأعضاء عن الدور المركزي الذي تأسست الحركة من أجله وسيقول لك بدون تردد: التربية أولا، والتربية ثانيا، والتربية ثالثا. فالتربية هي محور عمل الحركة، لأجل إقامة الدين على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة والإنسانية جمعاء، ومن ثمة تسعى الحركة من خلال العمل التربوي إلى تقوية وتعميق الطابع الرسالي لأعضائها وهيئاتها.
فالقضية التربوية قضية مركزية في الحركة، بل لكل حركة إسلامية تريد إحياء وبعث وتجديد رسالة الأنبياء في حياة الناس، إذ الإسلام رسالة تربوية، لا يكفي دعوة الناس إليه وإنما لا بد من تعهد المستجيبين لندائه حتى يفقهوه ويعلموه، ويعملوا به ويمتثلوه ليكون سببا لحياتهم الطيبة في الدنيا ونجاتهم في الآخرة. (عشر سنوات من التوحيد والإصلاح، ص 84)، وهو بهذا المعنى لا يتوقف عند مستوى إصلاح ذاته فحسب، بل يتجاوزها إلى النهوض برسالة الدعوة والإصلاح، أي بالانتقال من الإنسان الصالح لنفسه إلى الإنسان المصلح لغيره، أي من المسلم “المعاشي” المنكفيء على خويصة نفسه، إلى المسلم الرسالي الذي يهتم بأمور الناس، أي من الانتقال من مستوى “المؤلفة قلوبهم” إلى مستوى “المؤثرين على أنفسهم”، إنه ينخرط في محيطه، ويحمل آلام وآمال الناس، وهو ليس بذلك الشخص الذي يطل من برجه العاجي أو منعزل في زاويته، ويخشى أن يتسخ حذاؤه بأغبرة الشارع، وليس بالذي يطلب “الحسنة النقية” فحسب.
يحكى أن أحدهم عثرت دابته في الوحل، فنادى على أحد المارة ليساعده، فلما نظر هذا الشخص إلى الوضع الذي توجد فيه الدابة قال له: حسنة نظيفة أفضل من حسنة متسخة، فأخرج سبحته من جيبه فبدأ يسبح ويحمدل ويهلل ويكبر ويحوقل…، وهذه مع الأسف صورة مصغرة لما يعيشه البعض من اختلال في موازين العبادات. إن المسلم الرسالي إذن كالمصباح اليدوي الذي يضيء حيثما حل وارتحل، إن الأمر يحتاج إلى الخروج والمخالطة والمدافعة، فمن وجد جليسا يذكره بالله فليلزمه وليغتنمه فإنه غنيمة العاقل وضالة المؤمن، ومن نافلة القول أن الجليس الصالح المصلح خير من الوحدة. والتيار الإسلامي بدون رعاية تربوية قويمة معرض لتفريخ المناهج والأفهام المعوجة والأفعال والسلوكات القبيحة، والعكس صحيح.
وبالرجوع إلى إحدى الأوراق الهامة في أدبيات الحركة ويتعلق الأمر “بالرؤية التربوية” للحركة التي تشير إلى المصادر التي اختارتها كمنابع تستقي منها المضمون الذي تربي عليه الناس، وهي: القرآن الكريم، والسنة النبوية، والتراث العلمي للمسلمين، والاجتهادات الإسلامية المعاصرة، والتجارب الواقعية، وكتب التربية العامة، والتاريخ، ثم الواقع.
والرؤية من جهة أخرى تحدثت في فصل آخر عن خصائص التربية المتبناة، والتي هي نفسها، كما تقول الرؤية الخصائص العامة التي عرف بها الإسلام، وهي: التربية الربانية، والتربية الواقعية، والتربية الشاملة، ثم التربية المتسمة بالتوازن.
أما مواصفات الشخصية المنشودة فقد أجملت مواصفاتها في ثلاث، وهي: الرباني الأمين، والقوي العليم، ثم المجاهد الحكيم.
والجميل في التربية عند الحركة هو ذلك التعريف الذي تقدمه لها، جاء في الرؤية التربوية: “التربية هي تلك الجهود التي يبذلها الفرد بمساعدة المربي لكي يرتقي في اعتقاده وتفكيره وسلوكه…” فهي جهد فردي، كما أن المتربي يعد شخصا حرا ومسؤولا، فالمتربي مريد (أي له إرادة حرة) وليس مريدا (إشارة إلى العلاقة السلبية الاستسلامية التي تربط المريد بالشيخ)، كما أنها تخاطب أبعاد الشخصية المختلفة.
وتجدر الإشارة إلى أن البرامج التربوية للحركة تتوجه إلى صنفين من الناس: صنف استجاب للدعوة العامة وليس مؤهلا للعضوية التنظيمية، وصنف استجاب للدعوة العامة وهو مؤهل للعضوية. وهذا الصنف الأخير، هو الذي سينصب عليه تركيزنا في مقالاتنا هاته، وهو المخصوص ببرنامج التنظيم، والذي يستفيد من أنواع متعددة ومتنوعة من الصيغ التربوية، وأبرزها على الإطلاق، ما تسميه أدبيات الحركة بالمجلس التربوي.
ذ حسن الإفراني