اللغة العربية أساس التنمية البشرية في وطنها (4) – د محمد الأوراغي
العربية لغة التواصل الحضاري
تحولت العربية إلى لغة حضاريَّة، ولم تبق لغةً قوميَّةً مذ اختارها الله عز وجل وعاء لكلامه وأداة لتبليغ رسالته إلى الخلق. بهذا الاختيار صارت العربية تتبع الإسلام في الانتشار، مَنْ دخل في دين الإسلام تعلم لغة الرسول عليه أفضل السلام لأن قسما كبيرا من العبادة لا يُؤدّى بغير العربية، ولأنه لا سبيل إلى معرفة شرع الله كما نصَّ عليه القرآن الكريم والحديث الشريف بغير معرفة اللغة العربية. وعليه فما كان وسيلة إلى معرفة واجبة فمعرفته لذاته في حكم الواجب.
وبالعربية دوَّن المسلمون حضارة القرآن، وهي بلا شك، أعظم حضارة في عصرها، ومنطلَقُ الإنسان المعاصر في بناء حضارته الحالية. بالعربية يستمرُّ تواصل الأجيال، ويتأتى للخلف الاستفادة من ثقافة السلف، ويزيد عليها من أجل تنمية حصيلته العلمية وتطوير قدراته العملية.
وبغير العربية ينقطع التواصل الحضاري، فلا فكر السلف في شتى الحقول المعرفية يبقى حيّاً، وكأن بأصحاب حضارة القرآن ما أبدعوا في الآداب والفلسفة وعلم الكلام ولا كانت لهم الريادة في الرياضيات وعلم الفلك والجغرافيا ومناهج العلوم وفلسفتها، ولا برعوا في العلوم الإنسانية كاللسانيات والاجتماعيات والشرعيات وعلم التاريخ ولا شاركوا بالابتكار وتصحيح أخطاء المتقدمين في الكيمياء والفيزياء والميكانيكا والبصريات والطب وعلم التشريح والصيدلة والجغرافية الفلكية وعلوم النبات والمعادن والمتحجرات وفنون الصناعات والعمارة، ونحو ذلك من فروع المعرفة المحفوظة باللغة العربية في أضخم مكتبة عرفها التاريخ البشري إلى ما قبل العصر الحديث.
وبغير العربية سوف يختفي أضخم تراث بشري. وينقطع العمل بحضارة القرآن، وهو مطلبُ يعمل من أجله الكثيرُ ولنَيْله تُسخَّر كافة الوسائل، وأنجعُها تجنيد قطعان من المتمسلمة للإجهاز من الداخل على حضارة القرآن، وإذا انقرضت العربية انقطع الناطقون بها عن حضارة القرآن وتشتّتوا، بالتشيع في سائر الأمم.