الكفاءات وهموم المجتمع
نحاول تعريف الكفاءات فنقول: كل شخص؛ فردا كان أم جماعة أم مؤسسة تمتلك خبرة في مجال من مجالات حياة الإنسان التي يحتاجها، ويدخل ضمنها المثقفون والعلماء والباحثون وأصحاب المهن والحرف وكل صاحب خبرة أَيًا كانت.
وهموم المجتمع نقصد بها كل الإشكالات والهواجس والمعضلات التي تُلم بأي مجتمع كيفما كان، ويحتاج إلى جهد مضاعف من أجل تجاوزها وحلها.
لقد خُصت فئة الكفاءات بخصائص ميزتها عن عموم الناس؛ ومن تلك الخصائص المعرفة والعلم الذي تحصل لها بعد جهد جهيد وبحث طويل وصبر ومراكمة الخبرات انطلاقا من التجارب التي عاشتها، كما أن الرحلات العلمية إلى بلدان أخرى وسعت مداركها وألهمتها علما وزادا إضافيين، ولا شك أن كل هذا يمنحها تفردا ومكانة عالية مميزة في المجتمع، مما يجعلها أقدر على اقتراح وتقديم الحلول والبدائل المناسبة للمشكلات التي تعرض لحياة المجتمعات.
وقد تظهر بالمجتمع طامات عظمى وصاخات كبرى، تؤدي لضعف كيانه وتراجع قوته وتجعله مشهودا عليه بين باقي المجتمعات الأخرى التي تعرف نماء وازدهارا. شملت هذه المعضلات مجموع مجالات حياة المجتمع حتى أوشكت أن تشله وتقوضه عن الحركة والتقدم.
أمام هذا الوضع الخطير الذي يهدد كيان المجتمع نجد فئة عريضة من الكفاءات ولت ظهرها لمجتمعها إما طوعا أو كرها، وأسملته لعاديات الزمن لتحكم قواه وتنخرها. مما يجعل السؤال العريض يطرح نفسه:
ما السبيل لكي تخرج المجتمعات المنهكة بالمشكلات من حال الضيق إلى السعة والرخاء في كل مجالات التي كادت تنمحي؟
إن إنقاذ المجتمعات وإخراجها من عزلتها ومشاكلها، يقتضي من كفاءات هذه المجتمعات المنهكة القيام والمبادرة لخدمة مجتمعهم كل حسب مجال اختصاصه وقدراته ما استطاع سبيلا ولا تكلف نفس إلا وسعها. فما أكثر المجالات التي تتطلب سرعة التدخل الفوري لإنقاذها كالمجال الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي، والعلمي، والثقافي… وحتى تتحقق النهضة والتقدم والحضارة وتواكب المجتمعات المتخلفة ركب التقدم والرقي يلزم كل كفاءات المجتمع القيام بفائض الواجب في ذلك كله تجاه المجتمع على حد تعبير مالك بن نبي.
لقد أخبرنا القرآن الكريم أن الإنسان المؤمن مبادر لخدمة الإنسانية كلها متى دعا الداعي إلى ذلك، كما عرض لقصص العديد من الأنبياء من قاموا بمثل ذلك، ومن أهمهم يوسف عليه السلام حينما رأى أرض مصر مقبلة على جائحة وقحط، وكيف بادر إلى أخذ زمام المبادرة بعد طلب عزيز مصر له، فلم يتخلف عن موعد انقاذ البشرية ولم يتركها للعابثين والطامعين والمغتصبين حتى يبتزوا الضعفاء ويحدثوا ضررا عاما في حياتهم. فمتى تخلف المصلحون والكفاءات ورفعت أياديها عن خدمة المجتمع وتقديم العون له، ترامى المفسدون المضللون على أوضاع المجتمع فوسعوا رقعة مشاكله عوضا عن حلها وأسهموا في تخلف الناس وإثقالهم بدل التخفيف عنهم.
إن مقتضى التأسي برسالة يوسف عليه السلام أن يبادر العقلاء من أهل الايمان، وهم الأولى بذلك، إلى خدمة مجتمعهم وإسعاده لتجاوز مشاكله، فإنه متى عجز الثقة وجلد الفاسق فتلك هي المصيبة العظمى.
ولأهمية موضوع خدمة الناس عبر القرآن الكريم عن هذه الوظيفة، التي على عاتق الكفاءات، بالنذارة وكأنها معركة تتطلب تجندا كبيرا من قبل أصحاب الخبرات؛ من أجل إعانة المجتمع على تجاوز مشكلاته، مصداقا لقوله تعالى: ” وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً، فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ” سورة التوبة، 122.
بقلم الأستاذ: عبد الحق لمهى