القضية الوطنية والتطور الدبلوماسي – نورالدين قربال

أثناء افتتاح الدورة التشريعية لأكتوبر 2024، أكد جلالة الملك على الانتقال من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير في التعامل الدبلوماسي مع قضية وحدتنا الترابية. مضمون هذا التوجيه الملكي هو أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية، لأن هذا انتصار للحق والشرعية، والاجتهاد في توسيع التعريف بمشروع الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الذي يؤمن به مجموعة من دول العالم، لذلك رفض المغرب التعامل مع كل من يرفض الاستثمار في مناطقنا الجنوبية كجزء لا يتجزأ من التراب الوطني.

إن الأقاليم الجنوبية تعرف إقلاعا اقتصاديا مهما وتنمية مندمجة وبشرية ومستدامة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ناهيك عن التمثيلية السياسية مركزيا وترابيا. كما نهج المغرب مقاربة شمولية على مستوى القارات اعتمادا على حجج وأدلة قانونية وسياسية وتاريخية وروحية، ولن يتحقق المزيد من التألق إلا بالتنسيق الشامل والمحكم بين كل المؤسسات والهيآت الوطنية الرسمية والحزبية والمدنية.

أمام هذا التجاوب العالمي مع المغرب في سيادته الوطنية، أبى النظام العسكري الجزائري إلا أن يعتمد على إغلاق الحدود والمجال الجوي. مما أزم الوضع الاجتماعي داخل الجزائر وتعالت صيحات هناك رافعة شعار” ما نيش راضي”، والملاحظ مؤخرا أن الجزائر ترأست مجلس الأمن يناير 2025، لم تثر قضية الصحراء المغربية في جدول الأعمال، لأن المغرب دائما يضبط النظام العسكري الجزائري في تلبس تجاه قضية وحدتنا الترابية.

من مظاهر هذا التلبس تقزيم مفهوم تقرير المصير الذي لا يتنافى قانونيا مع وحدة وسلامة وسيادة الدول، مما يناقض التدليس الذي يتبناه النظام الجزائري الذي يعتبر بأن الاستفتاء هو الطريق الوحيد لتقرير المصير. أما الاستعمار فهو أكبر تدليس لأن المصطلح يعني السطو على دولة قائمة مصحوبا بنزاع دولي مسلح، جبهة البوليساريو من صنع النظام الجزائري، ولا تملك أدنى شرط دولي حتى تكون كيانا مقبولا.

المؤشر أن العالم كله لا يعترف بهذه الدولة الوهمية باستثناء قلة سقطت في خطأ تاريخي الذي بدأ يصحح اليوم بشكل كبير. ناهيك عن وجود أكثر من 80 في المئة من ساكنة المناطق الجنوبية يعيشون في وطنهم تحت السيادة المغربية ولهم تمثيلية كبيرة في المؤسسات الوطنية والجهوية والدولية.

الخلاصة أن جبهة البوليساريو تعمل بالوكالة تحت تدبير نظام جزائري عنيد الذي فقد البوصلة وأضر بالشعب الجزائري الأبي. كما تأسف النظام الجزائري على الإطاحة بنظام بشار مما يعني أن هذا النظام يعيش أزمة وجود جيو سياسي نظرا لإيمانه بأفكار قديمة تعيق التنمية داخل البلاد.

لهذه الاعتبارات اعتبرت ساكنة تندوف محتجزين وليسوا لاجئين، ولو رفع النظام الجزائري يده عليهم لرجعوا لوطنهم لأنه غفور رحيم. حيث تفعل سياسة الدولة لإعداد السياسات الترابية من خلال ممثليها السياسيين والمدنيين والسلطات العمومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني. إذن لماذا تم عزل سكان مخيمات تندوف عن عائلاتهم خاصة أن الأغلبية منهم تؤيد مشروع الحكم الذاتي.

إن كل المؤشرات اليوم تدل على تقدم المغرب في إنهاء هذا المشكل لصالح السيادة المغربية. نذكر اللقاء التاريخي بين جلالة الملك والرئيس الموريتاني بشهر 12 سنة 2024. حيث تم التداول في أنبوب الغاز الإفريقي، والمشروع الأطلسي حيث تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي. كما أصبح المغرب أرضا للاجتماع التشاوري بين مجلس النواب والمجلس الأعلى ببوزنيقة في دجنبر 2024 في إطار الحوار الليبي -الليبي.

كما نوهت دولة الشيلي بمشروع الحكم الذاتي، وانعقدت الدورة الأولى للجنة المختلطة للتعاون المغرب زامبيا بدجنبر 2024. كما علقت غانا اعترافها بالجمهورية الوهمية. نشير كذلك إلى انطلاق استثمار “مرسى ماروك” في محطة نفطية جديدة في دولة جيبوتي لتعزيز سلاسل الإمداد اللوجستيكي في شرق إفريقيا. هذا راجع لعلاقة الثقة والتعاون القوية بين المغرب وإفريقيا.

أما العراق فقد أكدت بدورها على موقفها الثابت من الوحدة الترابية للمملكة المغربية. نستحضر كذلك الموقف الشجاع لبنما التي قطعت الاعتراف بالجمهورية الوهمية وكذلك الإكوادور والبارغواي. إذن بدأنا نلمس تغييرات جيوسياسية ودبلوماسية بأمريكا الجنوبية.

لقد كان للاعتراف الفرنسي بسيادة المغرب على صحرائه دورا فاعلا في حركية فاعلة داخل العالم، خاصة الاتحاد الأوربي من أجل تعميم الحق والشرعية بدل المغالطات التي يتبناها النظام الجزائري. هذا ما أضيف إلى الاعتراف التاريخي المشهود للولايات المتحدة الأمريكية في عصر الرئيس” ترامب” في نسخة ولايته الأولى. كما تعززت العلاقة بين المغرب والإمارات وموريتانيا من أجل تشييد محطة تاريخية متميزة تستهدف تهيئ منطقة الكركرات التي أمنها المغرب للعبور من أيادي المرتزقة.

وللإشارة فقد تطورت الروابط التجارية والاقتصادية بنسبة 45 في المئة، كما فتحت المبادرة الأطلسية قطاعات أخرى نحو الطاقة والتجارة والزراعة والبنية التحتية وغيرها. فالمغرب لم يغادر أبدا إفريقيا، والمؤشر كما أكد على ذلك جلالة الملك أن المغرب عقد اتفاقيات مع الدول الإفريقية منذ 2002 والتي تجاوزت الألف. من تم أصبح المغرب يشكل نموذجا تنمويا ملهما لإفريقيا وللمغرب الكبير.

لقد بلغ عدد السياح سنة 2024 بالمغرب حوالي 17 مليون سائح بذلك صنف أول وجهة سياحية بإفريقيا، وأكدت “جون أفريك” الفرنسية بأن المغرب تفوق في السياسة الخارجية بإفريقيا، فهو قوة ناعمة ورائد في التنمية الاقتصادية المشتركة، وذو رؤية متوازنة وطويلة الأمد. ومن تم فالصحراء بالمنطوق الملكي هي النظارة التي ينظر بها إلى العالم، والمعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات.

لقد صرحت المديرة العامة لوكالة الاتحاد الإفريقي للتنمية بالمغرب في يناير 2025 بأن هدف الوكالة هو تعزيز المشاريع التنموية ذات الاهتمام المشترك، من أجل التكامل الإفريقي في أفق احترام أجندة 2063. للمغرب دور كبير في هذا المقام، في هذا الإطار تؤكد دولة مالاوي على الوحدة الترابية للمغرب، وتعلن استعدادها للتعاون معه فيما ينفع المصلحة الإفريقية.

كما عبرت روسيا بأن المغرب دولة صديقة وتجمعها معه مشاريع وتعاون لحل المشاكل، خاصة ماله علاقة بموضوع الصحراء: حلول مقبولة من قبل الجميع، مع تجاوز فكرة تقرير المصير، مؤكدة على محاولتها في المستقبل الاجتهاد في إنهاء هذا المشكل.

أما العلاقة مع موريتانيا فقد تعززت بمشاريع مشتركة بين البلدين نحو الطاقة المتجددة خاصة الربط الكهربائي. في هذا الإطار اطلع رئيس برلمان المجموعة الاقتصادية لوسط إفريقيا على التطور التنموي بالمناطق الجنوبية خلال شهر يناير 2025. مما يشرف مناطقنا الجنوبية أنها أصبحت ملتقى إقليميا وعالميا من أجل مناقشة القضايا المشتركة نحو ملتقى الأكاديمية الإفريقية لعلوم الصحة بالمناطق الجنوبية لمناقشة كيفية التعاون على مواجهة التحديات في هذا الباب.

إن المغاربة المحتجزين في مخيمات تندوف يريدون الدخول إلى بلادهم المغرب ومعانقة أهليهم وجمع شملهم لكن الطغيان العسكري الجزائري يمنعهم، والمؤشر أن تيارات متعددة ولدت في المخيمات تدافع على الحكم الذاتي، وأدركت المخطط العسكري الجزائري الذي يبحث عن الغنيمة من خلال تشكيل دولة وهمية لا أساس لها شرعيا وقانونيا لأن النزاع مفتعل من قبل العسكر الجزائري الذي يحكم البلاد بالنار والحديد. خاصة عندما يرون أن أقاليمنا الجنوبية تستقطب لقاءات متعددة ومتنوعة، نحو لقاء المنظمة الدولية للمجتمع المدني لقيم المواطنة والتنمية والحوار والذي أقر مدينة العيون عاصمة للمجتمع المدني المغربي لسنة 2025، ويقارنونها بمعسكرات الاستعباد والموت.

لهذا كله تعنف الوفود المغربية الدبلوماسية من قبل الديكتاتورية العسكرية الجزائرية. لأن الحق يفضح الباطل حيث ما حل وارتحل، والحق يعلو ولا يعلى عليه. لذلك اعتبر تأمين معبر الكراكرات انتصارا لسيادة المغرب على العصابات المدعمة من قبل الجيش الجزائري.

لقد أكد السيد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج السيد ناصر بوريطة دجنبر 2024 على التفاعل الإقليمي والدولي مع السيادة المغربية من خلال تأكيد الدولة الفرنسية على السيادة المغربية، مع اعتراف 20 دولة من الاتحاد الأوربي بمشروع الحكم الذاتين و113 دولة على المستوى العالمي. كما علقت كل من الإكوادور وبنما اعترافهما بالجمهورية المزعومة بنونبر 2024.

وتم الاعتراف بالسيادة المغربية من قبل غينيا بيساو ومالاوي وغامبيا. كما صدر قرار أممي ب 2024 يدين كل من يهدد وقف إطلاق النار ويمس بالمسلسل السياسي. وتجاوز عدد القنصليات بمناطقنا الجنوبية الثلاثين بكل من العيون والداخلة. وكان لعودة المغرب إلى الإتحاد الإفريقي سنة 2017 وقعا كبيرا فلم يصدر أي موقف حول الصحراء المغربية منذ ذلك التاريخ خاصة بعد قرار نواكشوط الذي حصر موضوع الصحراء بين يدي الأمم المتحدة. وتم الاستغناء عن “مجموعة الصحراء الغربية” على مستوى الإتحاد الأوربي والبرلمان الأوربي، كما أصبحت كل الدول تستثمر في مناطقنا الجنوبية منذ 2016.

اعتمادا على ما ذكر فالمطلوب الاجتهاد على مستوى تصحيح الخطأ التاريخي بحذف الدولة المزعومة من لائحة الإتحاد الإفريقي والتي زرعت في الثمانينات من قبل الجار العنيد الجزائر. كما نتساءل على العلة من  إبقاء قضية الصحراء في اللجنة الرابعة بعد اعتراف الدولتين المعنيتين: “فرنسا وإسبانيا” بالسيادة المغربية على المناطق الجنوبية.

لقد علقت حوالي 50 دولة علاقتها مع الجمهورية المزعومة عالميا مع الإشارة إلى الوضع المحتقن بتندوف. يكفي أن محكمة لاهاي في السبعينات قد أشارت إلى رابط البيعة بين ساكنة المناطق الجنوبية والسلاطين المتعاقبين على المملكة المغربية، التي تشكل ممارسة سياسية وحضارية وتاريخية وشرعية تكرس الوحدة الوطنية.

وصدر كتاب سنة 2021 يحمل عنوان الصحراء المغربية: من يملك الحق يملك القوة. مطبعة أمين كراف بمدينة سلا. لقد صدق من قال “حب الأوطان من الإيمان”. لذلك اعتبر مغاربة العالم رقما صعبا في الدفاع عن مغربية الصحراء والذين يقدرون بستة ملايين نسمة. حتى اللقاءات الرياضية نبذت منها الدولة المزعومة “الألعاب الأولمبية”. باعتبار البوليساريو آلة التضليل الإعلامي والقانوني بإيعاز من قبل الجيش الجزائري. لقد أعلن المغرب في خطاب دكار المشهور دفتر التحملات مع إفريقيا. 

نختم هذا المقال بشهادة لخبير ياباني يسمى شوجي ماتسوموتو الذي قال: “السيادة المغربية على الصحراء ترتكز على أسس قانونية راسخة، مدعومة بتزايد الدعم الدولي” مشيرا إلى مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب في 2007، معتبرا إياها حلا عمليا يحترم المعايير الدولية خاصة فيما يتعلق بالقواعد الآمرة.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى