د عبد الله الفاسي يكتب :الفيتو الأميركي.. عندما تنكشف أقنعة الديمقراطية وحقوق الإنسان في مجلس أمن الاحتلال الغاصب

في مشهد سياسي دولي بات مألوفًا في تكراره، استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حقّ النقض (الفيتو) في مجلس الأمن مرة أخرى، هذه المرة لإسقاط مشروع قرار يدعو إلى وقف الحرب على غزّة، رغم تصويت 14 دولة لصالحه. لم يكن مفاجئًا الموقف الأميركي بحدّ ذاته، لكنّ المفاجئ؛ أو قل الصادم؛ هو جرأة المندوبة الأميركية في تبرير موقفها بمبررات واهية لا تصمد أمام أبسط مبادئ العدالة والإنسانية، فضلاً عن شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان التي لا تفتأ واشنطن تلوّح بها كلما كان الأمر متعلّقًا بخصومها.

لقد ادّعت المندوبة الأميركية أن سبب الاعتراض على القرار هو أنّه لم يُدن “حماس”، ولم يربط وقف إطلاق النار بالإفراج عن الرهائن. غير أن هذا التبرير يغفل عمداً أن القرار كان يهدف أساسًا إلى وقف آلة القتل والدمار التي حصدت حتى لحظة التصويت عشرات الآلاف من المدنيين؛ أغلبهم من النساء والأطفال؛ في حرب تُجمِع التقارير الدولية المستقلّة على وصفها بالمجزرة المستمرة. فهل يعقل أن يُرهن وقف إطلاق النار الإنساني بالإفراج عن الرهائن دون أي اعتبار لحياة الملايين من المدنيين العزّل؟

إنّ ما يثير الأسى أكثر، هو كيف تمسّكت الإدارة الأميركية، ممثّلة في بعثتها الأممية، بلغة “المعادلة الأخلاقية الزائفة”: مقاومة شعب محاصر تُوضع على قدم المساواة مع جيش يحتل ويقصف ويدمّر بلا رادع. وهكذا؛ فإن الفيتو الأميركي لا يُفهم فقط كموقف سياسي؛ بل هو تعبير فاضح عن انهيار منظومة القيم التي تدّعيها الدول الغربية حين تتعارض مع مصالحها أو مع دعمها اللّامشروط لحلفائها، مهما بلغت جرائمهم.

يخطئ من يظن أن ما وقع حادث معزول أو لحظة انحراف؛ إنه تتويج لمسار طويل من الازدواجية والنفاق السياسي الذي يضرب في الصميم مصداقية المنظومة الدولية. فمجلس الأمن، الذي يُفترض أن يكون ضامنًا للسلم العالمي، بات رهينة الفيتو؛ حيث يمكن لدولة واحدة أن تعيق إجماع العالم، وتمنع عن الأبرياء أبسط حقوقهم: الحق في الحياة.

إنّ اللحظة التي نعيشها اليوم ليست فقط لحظة عدوان دموي متواصل على غزة؛ بل هي أيضًا لحظة سقوط أخلاقي مدوٍّ لنظام دولي يتشدّق بالقيم، ويصمت أو يبرّر حين يكون الضحية عربيًا أو مسلمًا، والمعتدي حليفًا قويا.

فأيّ ديمقراطية هذه التي تصمّ آذانها عن أنين الأطفال تحت الأنقاض؟ وأيّ حديث عن حقوق الإنسان في ظلّ الفيتو الذي يمنع وقف إطلاق النار، ويمنح الغطاء السياسي لاستمرار الإبادة؟

د. عبد الله الفاسي

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى