الفاتيكان: مآخذ لاهوتية، وتحديات عقيدية – بنداود رضواني
يقول عالم اللاهوت السويسري هانس كونغ: ” إن الإنسان الأوروبي فقد الإيمان ولم يعد يعرف كيف يعود إليه “
” إنهم متدينون بلا دين…، و مسيحيون بلا مسيح…. “،
هذا مُحَصَّلَة مقالات المدرسة الإسلامية وغالبية المدارس الغربية لنقد نصوص العهد الجديد.
فعيسى الإنجيلي لم يقل أبدا بأنه رب، ولم يعلن أنه إله….!!!.
فلفظة ابن الله الواردة في الأناجيل القانونية للفاتيكان، استخدمت في المسيح وحوارييه والمؤمنين بالله، فقد ورد في الفقرة الرابعة من إنجيل ” متى ” إغراء الشيطان للمسيح ليجثو له ويسجد، لكن رد عليه قائلا: ” اذهب يا شيطان! فقد كتب: للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد..” إنجيل متى فقرة 4.
وسجلت الوثائق التاريخية، تحالف المؤسسة الدينية المتأثرة بلاهوت بولس مع وثنية قسطنطين إمبراطور الرومان في مجمع نيقية سنة 325 م، لفرض ألوهية عيسى عقيدة وقانونا، فأضحى بذلك الإنسان في المسيحية إلها، والمخلوق خالقا يدبر الكون ويديره، بعد أن كان تأليه البشر قاصرا على الثقافات المجاورة لفلسطين.
لقد ” ترومت المسيحية ” وفق تعبير محمد الغزالي رحمه الله، و ألغيت بذلك عقيدة التوحيد التي تشبث بها عموم النصارى خلال العقود الأولى من بداية المسيحية وعلى رأسهم أريوس، الذي يعد رأس المهرطقين حسب أدبيات الفاتيكان.
وحتى اليوم، فحاضرة الفاتيكان لا تزال تجر وراءها إرث لاهوتيا هجينا، وإن كان ترى أن مناقشة تاريخية الأناجيل أمرا ثانويا، نظرا لأن الأناجيل – في نظرها- كتبت في المقام الأول كوثائق لاهوتية لا كروايات تاريخية.
وبعد مرور أكثر من قرنين على ظهور المسيحية، فإن الكنيسة المركزية لم تكف عن استدعاء نفسية القرون الوسطى في تدبير الإشكالات الإيمانية، ولم تفلح حتى هذه اللحظة في تبديد هذه الشكوك التاريخية لنشأة الأناجيل، والمآخذ العقدية والتناقضات النصية للعهد الجديد التي عرتها المدارس النقدية للأديان.
وتبقى أهم موضوعات الدراسة والبحث لهذه الأخيرة: ما ارتبط أولا بمعجزات المسيح الإنجيلي، فقد تم إنكارها جملة وتفصيلا، نتيجة شك النقاد في وجود بطل الإنجيل والذي يدعى المسيح حسب هؤلاء النقاد، وأما موضوع الدراسة الثاني: فيتعلق بالوحي بالمفهوم الفاتيكاني، والذي يبدو فيه مفهوم النبوة غامضا كغموض شخصية المسيح في المسيحية، كما أن كتب الأناجيل- في نظر النقاد – لا تعدو أن تكون مجرد روايات سردية بشرية تفتقد إلى الأصالة والموثوقية.
وفي المقابل فكنيسة روما لم تسطتع أن تقدم مراجعات لاهوتية لهذه الخلاصات النقدية، ولا الإجابة عن أسئلة علماء الأديان والأنتروبولوجيا والتاريخ….. حول طبيعة المسيح ، بل وحتى هذه اللحظة فسؤال صاحب ” قصة الحضارة ” وول ديورانت، هل وجد المسيح حقا…؟، – يقصد بذلك المسيح الإنجيلي – لم يتوقف صداه عن التردد بين صفحات المؤلفات المسيحية دون أن يجد إجابة مقنعة من الفاتيكان.
لقد كان الأولى بالكنيسة الكاثوليكية أن تدعم بشكل رسمي المشاريع والدراسات النقدية مهما كانت نتائجها، ما دام البابوات ينشدون الحقيقة – كما يدعون دائما -، لا أن تستمر منافحة عن بولس ولاهوته الذي لا علاقة تربطه بالمسيح، وأن تصحح الأخطاء التاريخية التي اجترحها القساوسة الكاثوليك في حق الكاثوليك أنفسهم والطوائف المسيحية المغايرة، وكذلك في حق المسلمين، وعدم الإمعان في تكريسها والتمادي فيها في المستقبل، كما أنها مدعوة للإنصات للأصوات المعارضة الداخلية، بدل ممارسة الحرمان في حق من تصفهم بالمهرطقين !!!!، و إقصاء كل لاهوتي مخالف، كما وقع لويناردو بوف أحد أنصار لاهوت التحرير في البرازيل والمنتقدين للفضائح الأخلاقية داخل الفاتيكان …، وهانس كونغ عالم اللاهوت السويسري صاحب كتاب “هل يوجد شخص معصوم من الخطأ ؟ “، والذي يعد أول المعترضين في القرن الماضي وإلى اليوم من داخل الكنيسة الكاثوليكية على السلطة البابوية المطلقة، وعلى عصمة البابا. والتى تبدو في – نظره – شبيهة بسلطة ملوك وسلاطين القرون الوسطى !!!!.