الغارة على الفطرة – بنداود رضواني
منذ الوهلة الأولى للرسالة المحمدية والخصومة للإسلام قائمة، و معاداة المناوئين للمؤمنين بها دائبة إلى اليوم دون كلل أو ملل… وذاك أمر بدهي غير مستحدث ولا مبتدع…
فما لقيه سيد الرسالة و حامل لوائها الأول عليه الصلاة والسلام من الصدود والأذية إلا شاهد على ذلك، ففي صحيح البخاري عن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال: ” سألت ابن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في حِجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط، فوضع ثوبه في عنقه، فخنقه خنقا شديدا، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه، ودفعه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟ “.
وتتعاور الوقائع التاريخية، فترة تلو فترة، وعصرا بعد آخر…، لترفع الستار عن الكثير من بواعث العداء ودوافع الكراهية للإسلام، تظل أبرزها كامنة في مخاوف هؤلاء المناوئين على مصالحهم الدينية، و التوجس من التشريعات التي تهدد أطماعهم و امتيازاتهم الدنيوية..
وإذا كانت دوافع عداء هؤلاء للإسلام ومُبرَّراتهم
واضحة إلى حد ما….!!!
لكن ما السبب حتى يصير الإنسان خَصيما لنفسه، وعدوا شرسا لكيانه وذاته…؟
هل من مبرر لهذه الحرب التي يستهدف بها الإنسان إنسانيته؟
و أية ذريعة يمكن أن تسوغ الغارة المستمرة على فطرة الإنسان و صبغته التي جبل عليها أول مرة….؟؟؟!!.
لقد وقفت طوائف شتى وملل تترى في ساحة الحياة سدا بين الإنسان و فطرته، بين ابن آدم و أصله الأول، ففي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن الله: ” إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا “، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه” (متفق عليه).
و حتى اللحظة، فهؤلاء الخُصَماءُ لا يزالون يكَابدون المزيد من المشاق والعنت في سبيل صياغة الشخصية الآدمية وفق معادلة بائسة تتأسس على قاعدة قَرْن الشهوات بالشبهات لتساوي – في نظرهم – حياة مليئة بالسعادة والمسرات….!!!
والحق أن اللهث خلف هذه المعادلة لم يفرز إلا أناسا قد كُبْكِبُوا في مستنقع من الكفر بالله والجحود بآياته و إنكار يوم المعاد إليه…
وتبقى أوضح الميزات الفطرية لدى الإنسان هو الإحساس الداخلي بأن هذا الكون متعلق بقدرةٍ غيبية واحدة، و لهذه المصنوعات صانعا واحدا، ولهذه الموجودات موجدا أوحدا، يعود إليه الوجود كله، ويرجع إليها الأمر كله.
هذه المشاعر هي التي تستفز الفطرة عند الشدائد والنوائب، فتدفع صاحبها دفعا إلى الإستنجاد بخالق الأرض والسماء، والإرتداد عن غيره من الآلهة والأنداد، قال جل جلاله ( فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ )، العنكبوت/65.
فلو خَلَّى المرء الأمر بين الفطرة وفاطرها، وتركها على صفائها و صبغتها الأصلية، وأخبى نار الحروب الموقدة لأجلها، ثم جعل على إثر ذلك كبريائه وراءه ظهريا، لاكتشف المشاعر الدينية المركوزة في فطرته…
و لا نبالغ بالقول بان الفطرة هي الحصن الأول أمام كل مخططات التشكيك وهجمات الإلحاد… الفطرة هي منبع البحث في الأدلة والبراهين الإيمانية ومنطلقه، وأصل الأسئلة المصيرية و بدايتها، من أين جئت؟ ولماذا خلقت؟ وإلى أين المصير؟
وأما العقل فإنما يبرهن ويستدل عليها بإيعاز من الفطرة ووحي منها…
يقول جل جلاله ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )، الروم/30