العمل الدعوي عند حركة التوحيد والإصلاح.. مواصفاته ومقوماته
إن الدعوة إلى الله تعالى هي المهمة الكبرى ووظيفة الوظائف في حركتنا. فهي مبرر وجودها، وباعث همتها، وعاقد عزمتها. والدعوة إلى الله عز وجل رسالة الأنبياء، والمهمة التي أنيطت بمن خلفهم من أجل استمرار هذه الرسالة بعد ختمها بخاتم النبوة مع رسول صلى الله عليه وسلم؛ وهي فريضة واجبة على كل مسلم علم من دين الله شيئا قليلا أو كثيرا.
ويعتبر المجال الدعوي حسب ميثاق حركة التوحيد والإصلاح موئل كل الأعمال والمناشط في كل المجالات، لأنه مختص بمهمة البلاغ تأطيرا وتطويرا، وفيه تستثمر كل الجهود في المجالات الأخرى من تربية وتكوين، وتنظير وتفكير. فالحركة إنما تُعرّف نفسها بأنها حركة دعوة إلى الله تعالى، وإلى الإسلام وقيمه ومبادئه وأحكامه، وإلى تجديد فهمه ومعرفته والتفقه فيه، وإلى نشره وتعميمه، وإلى الالتزام به والعمل بمقتضياته. فالدعوة بهذه الاعتبارات هي الإطار الأوسع لأعمال حركة التوحيد والإصلاح، بل هي أساس وجودها ومنطلق عملها.
ويشير الميثاق إلى إن المقصد العام للعمل الدعوي هو تحصيل الاستقامة التي تميز السلوك الإسلامي فرديا وجماعيا. وإن له عندنا أولويات منها ما هو ثابت ومنها ما هو ظرفي. فالثابت ما تعلق بالأمور الأساسية في الدين،كأمر العقيدة والعبادة والقيم والأخلاق الإسلامية. والظرفي ما تعلق بقضايا الأمة والإنسانية التي تقتضي بلاغا وإفهاما وتعبئة.
كما يؤكد أن للعمل الدعوي لدى الحركة مواصفات، أهمها السبع الآتية: الإيمانية والوضوح والرحمة والاعتدال والتدرج والإيجابية والحكمة. وهي ليست وحدها ما ينبغي أن يتوفر فيه، ولكنها حدُّهُ الأدنى ليكون ناجحا. فبدونها، أو في حالة الإخلال بأحد عناصرها، فلا بد أن يطرأ الخلل على الدَّعوة ويداخل الضعف مردوديتها، وربما تسبَّبَ ذلك في إنتاج يعاكس مقاصدها السامية.
كما أن لهذا المجال مقومات نعتبرها ضرورية التحقق في السلوك الدعوي ولو بمقدار، في غير ما مثالية حالمة، ولا إسفاف مخلّ:
. أول هذه المقومات الإخلاص لله تبارك وتعالى، وهو متساوق مع مبدئنا الأساس في ابتغاء وجه الله والدار الآخرة.
. وثانيها المصداقية، إذ العمل في حقل الدعوة معتمد أساسا على القدوة الصالحة المصلحة؛ فسواء تعلق الأمر بأشخاص الدعاة، أو تعلق بالمؤسسات الدعوية، يجب الحرص على تمام المصداقية استقامة على الصراط المستقيم، ونزاهة في السلوك الاجتماعي، وورعا من مواطن الشبهات، وترفعا عن جعل الدعوة إلى الله تعالى والعمل في طريق الإصلاح مطية لغرض دنيوي أو مصلحة شخصية.
. وثالث هذه المقومات العلم وخصوصا في العلم الشرعي، إذ لا دعوة بلا علم بما يدعى إليه، ولا دعوة إلى الله تعالى دون علم بالله وعلم بشرع الله وعلوم أخرى مكملة.
. ورابعها التحلي بروح التجديد، فلا دعوة إلى الله تعالى في الزمان والمكان بلا تجديد للفهم وتجديد في الخطاب وتجديد في الوسائل وتجديد في المناهج؛ فمن خلال ذلكم تكون الدعوة مبصرة لواقعها وبصيرة به وقادرة على التعاطي معه بالفعالية والإيجابية المطلوبة.
.وخامسها ممارسة النقد الذاتي بما هو افتحاص ومراجعة وتقويم، وذلك لضمان حسن السير ونجاح العمل وتطويره.
ويندرج ضمن هذا المجال الدعوة الفردية والدعوة العامة. فالدعوة الفردية هي التي يقوم بها المسلم بمفرده سواء بمبادرة منه أو من الهيئة التي ينتمي فيها. وهي أعمق وسائل الدعوة تأثيرا، وهي المجال الذي يمكن لجميع أبناء الحركة أن يتحركوا فيه وينبغي لهم ذلك، لأنه لا يحتاج إلى مرتبة خاصة في العلم، أو تخصص عال في الدعوة.كما أن الدعوة إلى الله تعالى بالاتصال الشخصي هي البداية التي بدأ بها الأنبياء، وبها بدأ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان. وبالدعوة الفردية ينمو التدين في المجتمع ويتوسع وتنشط أنواع الدعوة الأخرى، كما تؤدي إلى إغناء صفوف الحركة بطاقات وكفاءات جديدة. أما الدعوة العامة، فيقصد بها الأعمال الدعوية التي يتم القيام بها بصفة جماعية، أو يقوم بها الفرد وتكون موجهة إلى جمهور الناس.
وقد أمر الله سبحانه نبيه أن ينذر الناس فدعا إلى الله تعالى دعوة فردية، ثم ما لبث أن جاءه الأمر بعرض الإسلام على الناس عرضا جماعيا، فقام صلى الله عليه وسلم على الصفا، ونادى في الناس حتى اجتمعوا إليه، فقال لهم: أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل، أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك كذبا. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد”([1]). وتكرر ذلك منه مرارا، حيث يجمعهم وينذرهم، أو يذهب هو إلى مجامعهم وأسواقهم ونواديهم.كما أن دعوتهم فرادى استمرت كذلك، فصار الاتصال الفردي والعرض الجماعي وسيلتين للدعوة الإسلامية، تصلحان معا في بعض الظروف، وتصلح إحداهما دون الأخرى في ظروف أخرى. وإذا كانت الدعوة الفردية أكثر يسرا ونفاذا، فإن الدعوة العامة أوسع مدى.
[1]ـ صحيح مسلم كتاب الإيمان: باب في قوله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين) عن ابن عباس.
الإصلاح