العمل الحكومي في الميزان – نورالدين قربال
كلما انتظرنا التغيير على مستوى توجهات الحكومة، كلما أصبنا بخيبة أمل، تجلى هذا في غياب الرؤية والاضطراب في العمل ويبدو هذا من خلال البلاغات الحكومية، والمساءلة البرلمانية والمتابعة الشعبية. إذن الحكومة في حرج كبير، لأنها لم تخرج من رحم الاختيارات الديمقراطية، وإنما من العبث الانتخابي، إلى التشكيل الانتقائي على حسب القرب من أهل الحل والعقد في الاتجاه السلبي، وبذلك غرق مفهوم الكفاءة في الغربة عن الواقع واتخاذ إجراءات مضطربة وهذه مجموعة من المؤشرات على ما سطرناه في هذه التوطئة.
أكد رئيس الحكومة في مجلس المستشارين قائلا: “الغالب الله ما يمكنش نستمرو في عطي عطي وا خا حنا بغيناها”، مضيفا “لدينا برامج مهمة في الصحة والتعليم”، “مراعاة التوازنات” كما أنه يرفض كل من يقول لم تقم الحكومة بأي شيء. من خلال هذه التصريحات يتبين أن الحكومة ليس لها أولويات وبرامج مضبوطة، كما أنها توزع الورود فيما يتعلق بالصحة والتعليم وهي القطاعات التي عجزت الحكومة في تنميتها، خاصة عندما أضيفت إلى الصحة التغطية الاجتماعية، والمؤشر الاضطراب الكبير الواقع اليوم لأصحاب راميد سابقا ويقدرون ب 11 مليون نسمة.
لقد استشرى الفساد مما دفع رئيس الهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها بأن مكافحة الفساد تحتاج إلى الجرأة والعزيمة.
لقد تم التراجع على مستوى النظام الأساسي لهيئة الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي، إذن أبهذا تشجع الحكومة البحث العلمي؟ ولهذا يطالب الأساتذة الجامعيون بنظام أساسي عادل ومنصف ومحفز. وهناك مجموعة من الكليات كانت مبرمجة وتم إلغاؤها بحجة العقلنة والحكامة، ولكن في نفس الآن راسلت الجمعية المغربية للحكامة وحقوق الإنسان المفتش العام بالتحقيق في صفقات مشبوهة على مستوى بعض الجامعات، إداريا وماليا وفي التوظيفات، والطامة الكبرى أن مجموعة من الموظفين حرموا من متابعة الدراسة بسبب فرض رسوم باهضة، إضافة إلى مشكل دكاترة وزارة التربية الوطنية.
وبعد حرمان مجموعة من الشباب من التوظيف في التعليم بسبب تجاوز سن 30، تصرح الحكومة بدون حياء بصوابية اعتماد السن الأقصى لاجتياز مباريات التوظيف في التعليم في 30 سنة، مضيفة أن هذا الإجراء كان له أثر إيجابي، مسيئة إلى مجموعة من الذين حرموا بقولها “50 سنة ما يهمه إلا الوظيفة والتقاعد” ولكن ماهي الدراسة المعتمدة لدى الحكومة من اجل إقرار هذه النتيجة اللاعلمية؟
لقد حضرت الحكومة المنظومة الصحية الوطنية، والتي تركز على المجموعات الصحية الترابية، وتفعيل العلاجات، والحكامة، وضبط الاختيارات والأولويات، وتشكيل مؤسسة عمومية تهتم بالعلاجات الاستشفائية، والتكوين والبحث العلمي. وهذا مشروع مهم ليخرج الصحة من الوضعية المزرية اليوم في المدن الكبرى فما بالك بالمناطق الهشة وقد عبر كل البرلمانيين عن هذه الأوضاع أغلبية ومعارضة، وكانت الحكومة تدفع بقلة الموارد البشرية، وغيرها من التبريرات وأتمنى أن تكون هذه المنظومة مخرجا للمشاكل الصحية المطروحة. ويجب الاستعانة بالقطاع الخاص بأثمنة مقبولة مع توفير الدعم لهذه الخدمات من قبل الدولة.
أما اليوم فهناك مشاكل كبرى عالقة بين القطاع الخاص والعام. وهذا في حد ذاته لا يخدم المصلحة العامة للمواطنات والمواطنين. فهل الحكومة ستحقق ما تواعدت به حينما صرحت بما يلي: “حماية صحية مجتمعية قوية وقادرة على تعزيز قدرة النظم الصحية على الصمود والمساهمة في الأمن الصحي الإقليمي والقاري وتعزيز جهود التنمية المستدامة”.
لقد كثرت الشكايات المتعلقة بالتعمير، والمؤشر الأسئلة الكتابية والشفوية الموجهة للحكومة في هذا المجال. وفي هذا الإطار طلب من الحكومة أن تفتح تحقيقا في عرقلة الاستثمار العقاري والمشاريع والعقارات الخاصة، من قبل الوكالات الحضرية. وقد أكد أحد برلمانيي الأغلبية على أن مخاطر انهيار المنازل العتيقة مستمرة والحكومة بلا خطة عمل استعجالية.
أما على مستوى الطاقة فإننا نتساءل عن المشروع الكبير الذي أعطى جلالة الملك توجيهاته من أجل تسريع وتيرة إنجاز مشاريع الطاقة الشمسية نور ميدلت. ثم بذل مجهود كبير على مستوى الطاقات البديلة من أجل السيادة الطاقية، وتقليص كلفة الطاقة، والتموقع في الاقتصاد الخالي من الكربون. وبذلك سنحتفظ على المكتسبات التي أصبح المغرب يفتخر بها إقليميا ودوليا. لذلك نطالب من الحكومة أن تتعامل مع أسعار الغازوال والبنزين حسب السوق الدولية. وللإشارة فإن هناك علاقة جدلية بين الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة. ونتمنى أن يوظف رقم معاملات المكتب الشريف للفوسفاط والتي تجاوز 90 مليار درهم في هذه المشاريع بناء على رؤية ملكية واضحة وهادفة.
أما الماء فهو كل شيء لأنه يعطي الحياة لكل شيء، وقد تم تسجيل 4 مليارات متر مكعب بالنسبة للمخزون المائي. ويلاحظ على الحكومة رغم بعض المنجزات المتواضعة، فإن هناك إشكالات متعددة نحو الربط بين الأحواض المائية، تحلية مياه البحر، مشاريع السدود، التوعية والتحسيس، وحكامة التدبير والتسيير. رغم أن الدعم ارتفع إلى 150 مليار درهم. إن الأمن الما ئي يساهم في توفير الأمن الغذائي. وكذلك مشاريع إعادة استعمال المياه العادمة المعالجة.
ونحمد الله على نعمة المطر التي سجل رسميا نسبة 30 في المئة بالنسبة ملء للسدود. وللأسف هذه المعية الربانية اعتبرت عند أحد النواب شيئا ثانويا عندما تحدث عن أزمة الماء عند الحكومات السابقة بما يلي: أداروا السياسة المائية بمنطق ظرفي وعقلية تعتمد على قدر السماء وليس ببعد استراتيجي. وهذا كلام خطير من مسؤول يجهل مكونات الأمة المغربية التي تجمع بين الرأسمال المادي وغير المادي، ولكن لا حياة لمن تنادي.
إن المغرب يضع الاستراتيجيات من أجل مقاربة ندرة المياه لكن في نفس الوقت ينتظر الرحمة من السماء، وأحيل هذا النائب للاستفادة من المدرسة الكروية للمنتخب المغربي بقيادة وليد الركراكي الذي جمع بين المعنوي والمادي من أجل بناء النبوغ الكروي والحضاري للأمة المغربية التي يقودها جلالة الملك محمد السادس أمير المومنيين حفظه الله.
إن المطلوب اليوم هو الموازنة بين العرض والطلب، وإحداث بنيات جديدة للتخزين، مع تطوير البنية المؤسساتية والمالية لتجويد آليات وطرق استعمال المياه. مع التشجيع الدائم للبحث العلمي، وتنمية المسلسل التوعوي والتحسيسي للحفاظ على هذه العملة النادرة.
والملاحظ أن الذي يقلقني كثيرا هو تزوير الحقائق على الحكومات السابقة. وبأن حكومة اليوم هي المنقذ من الضلال، لكن عندما تم افتتاح الدورة 14 للمنتدى الإفريقي للبنيات التحتية سنة 2022 قدمت الحكومة عرضا فيه الحقائق أمام الدول الأفريقية أنذاك جاء الحق وزهق الباطل وهذه بعض مضامين ما ذكر:
الشبكة الطرقية المصنفة 90 في المئة من حركة مرور المواطنين، و75 في المئة تدفق البضائع، وإجمالي شبكة الطرق حاليا 57.334 كم. والمصنفة من الطرق السيارة أكثر من 1800 كم. والطريق السريع تزنيت الداخلة. و43 ميناء، و149 سدا كبيرا، و137 سدا صغيرا، ومتوسطا. و88 محطة لمعالجة الماء، و9 محطات لتحلية مياه البحر. إذن هل هذه المشاريع وليدة سنة ونصف أم هي تراكمات سنين؟ لا غرو أن الأرقام ستجيب على ناكري المعروف.
ونتساءل جميعا لماذا لم يحقق المخطط الأخضر الأمن الغذائي؟ لماذا لم يطور القيمة المضافة للفلاحة كما يصرح بذلك الخبراء؟ لماذا لم تعرف صادرات المنتجات الفلاحية انتعاشا؟ لماذا لم تثمن المنتوجات المحلية؟ بل كيف نفسر غلاء الحليب واللحوم؟ كيف وكيف؟
لقد أكدت المندوبية السامية للتخطيط بأن القروض الممنوحة للأسر المغربية من قبل البنوك تفاقمت خلال سنة 2021، من 14.8 مليار درهم 2020 إلى 20.4 مليار درهم 2021.
من خلال هذا الجرد نؤكد أن ميزان الحكومة يحتاج إلى تصويب وتجويد حتى يستوي على عوده وإلا فالأمور ستتعقد أكثر فأكثر لا قدر الله.