العدوني يكتب في رسالة الإصلاح: الأسرة المغربية في مواجهة الفقر والهشاشة: أين الحماية؟
أصدرت المندوبية السامية للتخطيط في الأسبوع الماضي دراسة هامة حول ” تطور الفوارق الاجتماعية في سياق آثار كوفيد- 19 وارتفاع الأسعار” وذلك من أجل رصد تطور وضعية الأسر.
ومن أهم عناوين هذه الدراسة انخفاض مستوى معيشة الأسر بين أكتوبر 2019 ودجنبر 2021، حيث انخفض المستوى المقاس بالنفقات الاستهلاكية الجارية للفرد، حيث انخفض مستوى المعيشة بنسبة 2,2٪ سنويًا خلال هذه الفترة[i].
وقد انعكست هذه المؤشرات حسب نفس الدراسة على تغير نمط الاستهلاك، حيث انخفضت النفقات الغذائية ونفقات التجهيزات المنزلية ونفقات الترفيه مقابل ارتفاع النفقات الصحية ونفقات الاتصال وذلك بسبب الأزمة الصحية[ii]، وبالمقابل عرفت النفقات الصحية ونفقات الاتصال ارتفاعا سنويا بلغ على التوالي 10,9٪ و4,6٪. ويرجع ذلك إلى ارتفاع كلفة نفقات التدابير الوقائية للحد من انتشار وباء كوفيد-19 وإلى تكثيف استعمال تكنولوجيا الاتصال مند بداية الأزمة الصحية.
أدى هذا الانكماش في مستوى المعيشة إلى تفاقم الفوارق الاجتماعية والفقر والهشاشة[iii]، حيث عرفت الهشاشة ارتفاعا ملحوظا حيث انتقلت من 7,3٪ سنة 2019 إلى 10٪ سنة2021[iv]. وقد أشارت الدراسة بوضوح إلى ارتفاع الأسعار بشكل أسرع من يناير إلى يوليوز 2022، حيث ارتفعت الأثمان عند الاستهلاك بشكل أسرع، وبلغ متوسط معدل التضخم-على أساس سنوي- 5,5٪ أي بمستوى يفوق خمس مرات المستوى المسجل بين سنتي 2017 و2021. ويعزى هذا الارتفاع بشكل أساسي لارتفاع أسعار المنتجات والخدمات اليومية، كالنقل والمواد الغذائية[v].
وأمام هذا الوضع من المنتظر أن تنخفض مستويات معيشة الأسر بنسبة 5,5% على الصعيد الوطني، وأن يرتفع معدل الفقر المطلق من 3% سنة 2021 إلى4,9% سنة 2022[vi]، كما تتوقع الدراسة ارتفاع معدل الهشاشة الاقتصادية من10% إلى 12,7%[vii].
وفي ظل هذه الظروف، تعرض حوالي 3,2 مليون شخص إضافي إلى الفقر (1,15 مليون شخص) أو إلى الهشاشة (2,05 مليون شخص). ويعزى 45% من إجمالي هذا الارتفاع العددي إلى تبعات الجائحة و 55% إلى ارتفاع الأثمنة عند الاستهلاك. وبذلك تفقد البلاد في سنتين ما حققته في سبع سنوات من التقدم المحرز في القضاء على الفقر والهشاشة، حيث تراجعت وضعية الفقر والهشاشة بالمغرب إلى مستويات سنة 2014.
تراجع ثقة الأسر في ظل اتساع ظاهرة الفقر المتعدد الأبعاد
تعززت هذه الدراسة بإصدار المندوبية السامية للتخطيط لنتائج “البحث الدائم حول الظرفية لدى الأسر” بتاريخ 19 أكتوبر 2022سجلت فيه أن مؤشر ثقة الأسر المغربية سجل أدنى مستوى له منذ انطلاق البحث سنة 2008، إذ بلغ معدل الأسر التي صرحت بتدهور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا السابقة حوالي 81.5 في المائة. كما انخفض مؤشر ثقة الأسر إلى 47.4 نقطة عوض 50.1 نقطة المسجلة خلال الفصل السابق، و65.5 نقطة المسجلة خلال نفس الفصل من السنة الماضية.
أما بخصوص تطور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا المقبلة، فتتوقع %49.8 من الأسر تدهوره و%41.9 استقراره في حين %8.3 ترجح تحسنه[viii]. في السياق ذاته، صرحت %53.5 من الأسر، خلال الفصل الثالث من سنة 2022، أن مداخيلها تغطي مصاريفها، فيما استنزفت %43.7 من مدخراتها أو لجأت إلى الاقتراض. ولا يتجاوز معدل الأسر التي تمكنت من ادخار جزء من مداخيلها %2.8.
كما تزامنت هذه الدراسة مع صدور تقرير “مؤشر الفقر المتعدد الأبعاد” عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتاريخ 17 أكتوبر2022، الذي أكد أن 2.28 مليون مواطن مغربي يعانون من الفقر المتعدد الأبعاد، الذي يتجاوز الحرمان المادي التقليدي ليشمل أيضاً الحرمان من الخدمات الصحية والتعليم ومتطلبات العيش الأساسية. وأكد هذا التقرير الاممي أن فقر التعليم في المغرب هو أكثر ما يعاني منه المغاربة حيث تتجاوز نسبة الحرمان إلى 46 %، أما فقر الصحة فيتجاوز مستواه 23 %، بينما يصل الحرمان من متطلبات العيش 28 %، ونتيجة لذلك تقيم الأمم المتحدة مؤشر شدة الحرمان في المغرب بـ42 %، وهو مستوى مرتفع للغاية.
هل يمكن أن تمر هذه الدراسة في صمت؟
واليوم تدق المندوبية السامية للتخطيط الجرس لهذا التطور السلبي، الذي يؤدي إلى اتساع خريطة الفقر والهشاشة ببلادنا وتأثير الأسر والمجتمع في معيشتهم اليومية، وما لذلك من تأثيرات اجتماعية وسياسية وثقافية واقتصادية، ويتعين التعامل الجدي والحازم معها وذلك من خلال العمل على المستويات التالية:
- تدخل الدولة لوقف غلاء الأسعار وتقليص هامش الربح خاصة بالنسبة لما أسمته الدراسة بالمكونات الأساسية للتضخم (المنتجات الغذائية والنقل)
- تسريع أوراش الحماية الاجتماعية المعلن عنها في البرنامج الحكومي قبل سنة من الآن ومازالت لم تتضح معالمها بعد.
- فتح المجال للمجتمع المدني من أجل تفعيل آليات العمل التضامني والإحساني خاصة في ظل تشبع المجتمع المغربي بقيم الاخوة والتكافل والتعاضد انطلاقا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم” مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”، وذلك من أجل تدارك الخصاص الاجتماعي ومن أجل التعاون لمحاربة الفقر والهشاشة بدل التفكير في التضييق على هذا العمل، مع انخراط وسائل الإعلام في التعريف بالعاملين في المجال الاجتماعي والإحساني والخيري والتنموي.
- العمل على إقرار خطة تشاركية بين الحكومة والمجتمع المدني من أجل حماية المستهلك وترشيد الاستهلاك، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البشرية جمعاء، وجعل ذلك يصب في مكافحة الفقر والهشاشة.
- لابد من توحيد جهود الفعاليات المدنية والاجتماعية من أجل مقاومة الاثار السلبية لليبرالية المتوحشة ولجشع الشركات والأسواق الكبرى ولمحاربة الاحتكار والغلاء ومناهضة الفقر والهشاشة.
لقد وصف الأمين العام للأمم المتحدة مستويات الفقر الحالية بأنها “إدانة أخلاقية لعصرنا“، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على الفقر الذي يوافق 17 أكتوبر من كل سنة، الذي تحييه الأمم المتحدة هذه السنة تحت شعار “الكرامة للجميع”، وكما تقول المنظمة على موقعها الإلكتروني فإن ” كرامة الإنسان ليست حقًا أصيلا وحسب، بل هي الأساس لكافة الحقوق الأساسية الأخرى. ولذا، فإن الكرامة، ليست مفهوماً مجرداً فهي حق إنساني لكل فرد على هذه البسيطة. واليوم، يعاني عديد من الذين يعايشون الفقر المزمن من الحرمان من كرامتهم، وغياب احترامها”، غير أن هذا التصريح/ الإدانة سيكون صرخة في واد؛ ما لم يتبعها تفعيل للمسؤولية الملقاة على عاتق أجهزة الأمم المتحدة، وهي التي تزكي بعض القرارات المكرسة لاستدامة الفقر والمعاناة، ومن جهة أخرى فمحاربة الفقر في بلادنا وتفعيل الحماية الاجتماعية لم يعد خيارا بل ضرورة، وحماية الأسرة وضمان استقرارها باعتباره واجبا دستوريا بمقتضى الفصل32 منه.
فهل تصغي حكومتنا للألم المنبعث من مذكرة المندوبية السامية للتخطيط وغيرها من التقارير الأممية والوطنية؟ وهل تنتقل من خطاب الدولة الاجتماعية إلى الحماية الاجتماعية الملموسة؟ وهل تراجع التشريعات والقوانين من أجل تيسير سبل التضامن وطرق مشاركة المجتمع في محاربة الفقر؟ أم ننتظر استفحال الفقر والهشاشة وضعف الحماية وما لذلك من مخاطر اجتماعية وسياسية واقتصادية؟
رشيد العدوني نائب رئيس حركة التوحيد والإصلاح
***
[i] 2٪ في الوسط الحضري، و2,6٪ في الوسط القروي.
[ii] انخفاض النفقات المخصصة لـ “التجهيزات المنزلية” بنسبة 19,1٪ سنويًا بالأسعار الثابتة. وانخفاض نفقات الأنشطة الترفيهية ب 14,3٪.
[iii] حيث ارتفعت نسبة النفقات لدى خمس الاسر الأكثر يسرا من 46,1٪ سنة 2019 إلى 47,7٪ سنة 2021، مقابل انخفاض من 7٪ إلى 6,5٪ بالنسبة لخمس الأسر الأقل يسرا. ووفقًا لمؤشر “جيني”، ارتفعت الفوارق الاجتماعية بنقطتين مئويتين تقريبًا، (من 38,5٪ إلى 40,3٪). كما ارتفع معدل الفقر المطلق، من 1,7٪ إلى 3٪ في سنة 2021 على المستوى الوطني.
[iv] من 11,9٪ إلى 17,4٪ في المناطق القروية ومن 4,6٪ إلى 5,9٪ في المناطق الحضرية.
[v] حسب مجموعات المنتجات والخدمات الاستهلاكية، عرف الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك ارتفاعا ب 11,8% بالنسبة لمنتجات وخدمات “النقل” على المستوى الوطني، نتيجة للارتفاع الحاد في أسعار البنزين وزيوت التشحيم (42,1%) ….. وتبرز مساهمة المكونات الرئيسية للتضخم أن 80% من التضخم ناتج عن ارتفاع أثمان المواد الغذائية والنقل. (58% ترجع إلى ارتفاع أثمان “المنتجات الغذائية” و22% إلى ارتفاع أثمان “النقل”).
[vi] سيصل إلى1,7% في المناطق الحضرية، وإلى 10,7% في الوسط القروي.
[vii] 7,9% في الوسط الحضري، و21,4% في الوسط القروي.
[viii] استقر رصيد هذا المؤشر في ناقص 41.5 نقطة مسجلا تدهورا سواء بالمقارنة مع الفصل السابق أو مع نفس الفصل من السنة الماضية، حيث سجل ناقص 34.3 نقطة و9.3 نقطة على التوالي.