العالم الإسلامي يحيي ذكرى الإسراء والمعراج

تحتفل الأمة الإسلامية اليوم  27 رجب 1445 الموافق 8 فبراير 2024 بذكرى الإسراء والمعراج، المحملة بالكثير من الدروس والعبر لنا وللإنسانية جمعاء.

وكانت رحلة الإسراء والمعراج توطئة للهجرة، ولأعظم مواجهة على مدى التاريخ للكفر، والضلال، والفسوق، حيث أتاح الله -عز وجل- لرسوله صلى الله عليه وسلم فرصة الاطلاع على المظاهر الكبرى لقدرته؛ حتى يملأ قلبه ثقة فيه، واستنادا إليه؛ حتى يزداد قوة في مهاجمة سلطان الكفار القائم في الأرض، كما حدث لموسى عليه السلام، فقد شاء أن يريه عجائب قدرته.

والآيات التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة؛ منها: الذهاب إلى بيت المقدس، والعروج إلى السماء، ورؤية الأنبياء، والمرسلين، والملائكة، والسموات، والجنة، والنار، ونماذج من النعيم والعذاب… إلخ، كان حديث القرآن الكريم عن الإسراء في سورة الإسراء، وعن المعراج في سورة النجم، وذكر حكمة الإسراء في سورة الإسراء بقوله: ﴿لنريه من آياتنا﴾ [الإسراء: 1] وفي سورة النجم بقوله: ﴿لقد رأى من آيات ربه الكبرى﴾ [النجم: 18]. وفي الإسراء والمعراج علوم، وأسرار، ودقائق ودروس، وعبر.

كانت حادثة الإسراء والمعراج قبل هجرته – عليه السلام – بسنة، ولـما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم  من رحلته الميمونة؛ أخبر قومه بذلك، فقال لهم في مجلس حضره المطعم بن عدي، وعمرو بن هشام، والوليد بن المغيرة: إني صليت الليلة العشاء في هذا المسجد، وصليت به الغداة، وأتيت فيما دون ذلك بيت المقدس، فنشر لي رهط من الأنبياء؛ منهم: إبراهيم، وموسى وعيسى، وصليت بهم، وكلمتهم، فقال عمرو بن هشام كالمستهزئ به: صفهم لي، فقال: أما عيسى: ففوق الربعة، ودون الطول، عريض الصدر، ظاهر الدم، جعد، أشعر، تعلوه صهبة، كأنه عروة بن مسعود الثقفي. وأما موسى: فضخم آدم، طوال، كأنه من رجال شنوءة، متراكب الأسنان، مقلص الشفة، خارج اللثة، عابس، وأما إبراهيم: فوالله إنه لأشبه الناس بي، خلقا، وخلقا. فقالوا: يا محمد! فصف لنا بيت المقدس، قال: “دخلت ليلا، وخرجت منه ليلا”، فأتاه جبريل بصورته في جناحه، فجعل يقول: “باب منه كذا، في موضع كذا، وباب منه كذا، في موضع كذا”.

ثم سألوه عن عيرهم، فقال لهم: “أتيت على عير بني فلان بالروحاء، قد ضلت ناقة لهم، فانطلقوا في طلبها، فانتهيت إلى رحالهم، ليس بها منهم أحد، وإذا قدح ماء، فشربت منه، فاسألوهم عن ذلك» – قالوا: هذه والإله اية! – “ثم انتهيت إلى عير بني فلان، فنفرت مني الإبل، وبرك منها جمل أحمر، عليه جوالق مخطط ببياض، لا أدري أكسر البعير، أم لا؟ فاسألوهم عن ذلك” – قالوا: هذه والإله اية! – “ثم انتهيت إلى عير بني فلان في التنعيم، يقدمها جمل أورق، وها هي تطلع عليكم من الثنية” فقال الوليد بن المغيرة: ساحر، فانطلقوا، فنظروا، فوجدوا الأمر كما قال، فرموه بالسحر، وقالوا: صدق الوليد بن المغيرة فيما قال، فكانت هذه الحادثة فتنة لبعض الناس، ممن كانوا آمنوا، وصدقوا بالدعوة، فارتدوا، وذهب بعض الناس إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فقالوا: هل لك إلى صاحبك؟ يزعم: أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس! قال: أو قال ذلك؟! قالوا: نعم! قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق! قالوا: أو تصدقه: أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس، وجاء قبل أن يصبح؟! قال: نعم، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء، في غدوة أو روحة. فلذلك سمي أبو بكر: الصديق.

فوائد ودروس وعبر من رحلة الإسراء والمعراج

1- بعد كل محنة منحة، وقد تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم  لمحن عظيمة، فهذه قريش قد سدت الطريق في وجه الدعوة في مكة، وفي ثقيف، وفي قبائل العرب، وأحكمت الحصار ضد الدعوة ورجالاتها من كل جانب، وأصبح النبي صلى الله عليه وسلم  في خطر بعد وفاة عمه أبي طالب أكبر حماته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم  ماض في طريقه، صابر لأمر ربه، لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا حرب محارب، ولا كيد مستهزئ، فقد ان الأوان للمحنة العظيمة، فجاءت حادثة الإسراء والمعراج، على قدر من رب العالمين، فيعرج به من دون الخلائق جميعا، ويكرمه على صبره، وجهاده، ويلتقي به مباشرة دون رسول، ولا حجاب، ويطلعه على عوالم الغيب دون الخلق كافة، ويجمعه مع إخوانه من الرسل في صعيد واحد، فيكون الإمام، والقدوة لهم، وهو خاتمهم، وآخرهم صلى الله عليه وسلم.

2- إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مقدما على مرحلة جديدة، مرحلة الهجرة، والانطلاق لبناء الدولة، يريد الله تعالى للبنات الأولى في البناء أن تكون سليمة قوية، متراصة متماسكة، فجعل الله هذا الاختبار والتمحيص؛ ليخلص الصف من الضعاف المترددين، والذين في قلوبهم مرض، ويثبت المؤمنين الأقوياء والخلص؛ الذين لمسوا عيانا صدق نبيهم بعد أن لمسوه تصديقا، وشهدوا مدى كرامته على ربه.

3- إن شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم العالية، تتجسد في مواجهته للمشركين بأمر تنكره عقولهم، ولا تدركه في أول الأمر تصوراتهم، ولم يمنعه من الجهر به الخوف من مواجهتهم، وتلقي نكيرهم، واستهزائهم، فضرب بذلك صلى الله عليه وسلم لأمته أروع الأمثلة في الجهر بالحق أمام أهل الباطل، وإن تحزبوا ضد الحق، وجندوا لحربه كل ما في وسعهم، وكان من حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في إقامة الحجة على المشركين أن حدثهم عن إسرائه إلى بيت المقدس،

4- يظهر إيمان الصديق رضي الله عنه القوي في هذا الحدث الجلل، فعندما أخبره الكفار، قال بلسان الواثق: لئن كان قال ذلك؛ لقد صدق! ثم قال: إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة، أو روحة، وبهذا استحق لقب الصديق، وهذا منتهى الفقه، واليقين، حيث وازن بين هذا الخبر، ونزول الوحي من السماء، فبين لهم: أنه إذا كان غريبا على الإنسان العادي، فإنه في غاية الإمكان بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم.

5- إن الحكمة في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم، وملء قلبه إيمانا وحكمة؛ استعدادا للإسراء تظهر في عدم تأثر جسمه بالشق، وإخراج القلب مما يؤمنه من جميع المخاوف العادية الأخرى، ومثل هذه الأمور الخارقة للعادة يجب التسليم لها دون التعرض لصرفها عن حقيقتها؛ لمقدرة الله تعالى، التي لا يستحيل عليها شيء.

6- إن شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن حين خير بينه وبين الخمر، وبشارة جبريل عليه السلام: “هديت للفطرة”، تؤكد: أن هذا الإسلام دين الفطرة البشرية؛ التي ينسجم معها، فالذي خلق الفطرة البشرية خلق لها هذا الدين، الذي يلبي نوازعها، واحتياجاتها، ويحقق طموحاتها، ويكبح جماحها.

7- كان إسراء النبي صلى الله عليه وسلم، بالروح والجسد يقظة إلى بيت المقدس، وعلى هذا جماهير السلف، والخلف، ولا يعول على من قال: إن الإسراء كان بروحه، وأنه رؤيا منام؛ إذ لو كان الإسراء مناما؛ لما كانت فيه اية، ولا معجزة، ولما استبعده الكفار، ولا كذبوه؛ إذ مثل هذا من المنامات لا ينكر، ثم إن في قوله تعالى: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده﴾، والمقصود بعبده: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكلمة “بعبده” تشمل روحه، وجسده.

8- إن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم  بالأنبياء دليل على أنهم سلموا له القيادة، والريادة، وأن شريعة الإسلام نسخت الشرائع السابقة، وأنه وسع أتباع هؤلاء الأنبياء ما وسع أنبياءهم، أن يسلموا القيادة لهذا الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولرسالته التي لا يأتيها الباطل من بين يديها، ولا من خلفها، إن على الذين يعقدون مؤتمرات التقارب بين الأديان أن يدركوا هذه الحقيقة، ويدعوا إليها، وهي ضرورة الانخلاع من الديانات المنحرفة، والإيمان بهذا الرسول صلى الله عليه وسلم ورسالته، وعليهم أن يدركوا حقيقة هذه الدعوات المشبوهة، التي تخدم وضعا من الأوضاع، أو نظاما من الأنظمة الجاهلية.

9- إن الربط بين المسجد الأقصى والمسجد الحرام وراءه حكم، ودلالات، وفوائد؛ منها:

  • أهمية المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين؛ إذ أصبح مسرى رسولهم صلى الله عليه وسلم، ومعراجه إلى السماوات العلا، وكان لا يزال قبلتهم الأولى طيلة الفترة المكية، وهذا توجيه وإرشاد للمسلمين بأن يحبوا المسجد الأقصى، وفلسطين؛ لأنها مباركة، ومقدسة.
  • الربط يشعر المسلمين بمسؤوليتهم نحو المسجد الأقصى، بمسؤولية تحرير المسجد الأقصى من أوضار الشرك، وعقيدة التثليث، كما هي أيضا مسؤوليتهم تحرير المسجد الحرام، من أوضار الشرك، وعبادة الأصنام.
  • الربط يشعر بأن التهديد للمسجد الأقصى، هو تهديد للمسجد الحرام، وأهله، وأن النيل من المسجد الأقصى، توطئة للنيل من المسجد الحرام؛ فالمسجد الأقصى بوابة الطريق إلى المسجد الحرام، وزوال المسجد الأقصى من أيدي المسلمين، ووقوعه في أيدي اليهود.

10- أهمية الصلاة، وعظيم منزلتها: وقد ثبت في السنة النبوية: أن الصلاة فرضت على الأمة الإسلامية في ليلة عروجه صلى الله عليه وسلم إلى السماوات، فعلى الدعاة أن يؤكدوا على أهمية الصلاة، والمحافظة عليها، وأن يذكروا فيما يذكرون من أهميتها، ومنزلتها كونها فرضت في ليلة المعراج، وأنها من آخر ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى