الطعن في صحيح البخاري وتبييض التاريخ اليهودي – محمد السائح
هذا من أخطر الأهداف التي يساق إليها هؤلاء الجهلة الذين يطعنون في الحديث النبوي، ممثلا بصحيح البخاري. فلم يعد الأمر مقتصرا فقط على إحداث اضطراب في استعمال الدليل من السنة لبيان ما في القرآن عند الحاجة لذلك.
فإن واقع المسلمين اليوم يشهد للأسف تعطيلا كبيرا للأحكام الشرعية المستمدة من القرآن والسنة، وصدور الطاعنين والجاحدين فرحة بذلك، بل صار الأمر يمتد إلى تضييع الذاكرة وتزوير التاريخ الذي يعد الوحي قرآنا وسنة، مصدره الأعلى والأصدق.
حين تقرأ صحيح البخاري، تجد العشرات من الأحاديث التي تتكلم عن اليهود بهذا اللقب أو بلقب بني إسرائيل، تتحدث عن مكرهم وخداعهم وسحرهم وخبثهم وحيلهم وقسوة قلوبهم وجحدهم للحق ورعونة طباعهم وبخلهم، وفي ذلك كما لا يخفى تأكيد لما أخبر به القرآن عنهم، مع ذكر جزئيات تفصيلية من تاريخهم الأسود لم تذكر صراحة في القرآن.
ويود اليهود وأعوانهم، لو يحذفون ذلك من القرآن الكريم، ولا يستطيعون طبعا، فكتاب الله محفوظ بحفظ الله. وقصارى ما قد يحاولونه أن يلعبوا بالمناهج الدراسية ليبعدوا الجيل الناشئ عن القرآن الكريم الذي يفضحهم، ولكنهم وجدوا الحيلة في الطعن في الحديث النبوي، بأفواه الزنادقة المندسين، ليبيضوا ما أمكنهم من تاريخ اليهود المخزي، وسنمثل لذلك بحدث من هذا التاريخ يفضح نفسية اليهود المليئة بالشح والحرص على الأموال.
وهذا الحدث مروي في صحيح البخاري كما سنذكر بعد قليل، ويستحضره الطاعنون مثالا لما يعتبرونه حجة على تحريف الصحيح، لكننا سنقلبه عليهم بإذن الله، لنبين أنهم ينكرونه إرضاء لأسيادهم من اليهود الصهاينة. وهو ما رواه البخاري (وغيره) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم ..) الحديث، فيبادر الطاعنون إلى جعل هذا الحديث مثالا لمخالفة العلم والعقل والواقع، ودليلا على الخرافة، فلننظر في تفسير هذا الحديث بالأسلوب العربي الذي صيغ به، هذا الأسلوب الذي يكرهه الطاعنون أشد الكراهة ولا يفهمون منه شيئا.
لا بد من تقدير محذوف يقتضيه السياق لفهم الكلام، وهو فعل: ادخروا، فيكون السياق كالآتي: لولا بنو إسرائيل ادخروا اللحم، لم يخنز. فواضح أن تعلق خنز اللحم وفساده ليس بذوات بني إسرائيل، بل بفعلهم، وهو ادخارهم له بكميات كبيرة جشعا وحرصا وبخلا، فيسرع إليه الفساد، خصوصا وأنهم كانوا جهلة جفاة لا علم عندهم بطرق حفظ الأطعمة. وقد أطعمهم الله لحم طائر السلوى بما يكفيهم، كما حكى القرآن عنهم، ولكنهم لدناءة نفوسهم وشره طباعهم، كانوا يدخرونه، فيخنز، وكان الأمر عند الناس ألا يدخروه لعلمهم أنه يفسد، فلا يذبحون إلا قدر حاجتهم، أو يتصدقون به على غيرهم.
لكن اليهود لشدة شرههم وبخلهم وجهلهم ادخروا اللحم فخنز، فكانوا أول من سن الادخار المؤدي إلى الخنز، ولكن الناس قبلهم لم يكونوا يدخرون اللحم خشية فساده فسلموا من هذه السبة أن تلصق بهم.
وإذن فإن خنز اللحم كان معلوما لكل أحد عند ادخاره، فتجنبه الناس، لكن بني إسرائيل ومع فرض علمهم بذلك أيضا، ادخروا فشاع فيهم الخنز وخبث الرائحة، حتى كأن اللحم لم يخنز قبلهم، فلما سنوا هذه العادة السيئة فضحوا بالخنز، ولصقت بجبينهم هذه الحقيقة المرة، وهي أنه لولاهم لم يخنز اللحم. فإن كرماء الناس لا يأكلون وحدهم، وما فضل عنهم يعطونه لغيرهم، فيصح لك أن تقول عن قوم كرماء: لا يخنز اللحم عندهم، وليس هذا راجعا إلى شيء فيه يجعله لا يخنز، وإنما لا يخنز لأنه لا يدخر ويستهلك طريا.
فيا أيها الطاعنون في هذا الحديث، أرأيتم كيف تبرئون هؤلاء اليهود الصهاينة المناجيس من هذه الفضيحة التي باء بها أسلافهم، وتبيضون لهم تاريخهم الوسخ المليء بالقاذورات.