الصحراء المغربية وقضية فلسطين – عبد القادر العلمي
منذ توقيع المغرب للاتفاقية الثلاثية مع الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الإجرامي العنصري الغاصب تحت غطاء اعتراف الرئيس الأمريكي السابق بمغربية الصحراء، يثار الجدل حول التزامات المغرب تجاه القصية الفلسطينية ومدى مصداقية الموقف الأمريكي من قضية الصحراء المغربية.
وقبل طرح إشكالية أي جدوى من الاتفاقية المذكورة بالنسبة للقضية الوطنية فإنه يجدر بنا أن نتساءل عن أسباب تعقيد ملف الوحدة الترابية للمغرب حتى أضحت بمثابة الذراع المؤلم الذي يتم الضغط عليه من طرف القوى الاستعمارية وأصحاب المصالح الخاصة في المنطقة لابتزاز المغرب.
من المعروف أن خريطة الشمال الغربي لإفريقيا لم يسبق فيها وجود أي كيان أو دويلة باسم الصحراء الغربية لا في الماضي البعيد ولا في التاريخ المعاصر، وأن الاستعمار هو الذي قسم الأراضي المغربية لفائدة فرنسا وإسبانيا وما سمي بالنظام الدولي لمدينة طنجة، وكان من المفروض أن تتوج نضالات وتضحيات الشعب المغربي من أجل الحرية والاستقلال والوحدة بخروج المستعمر الأجنبي من كل الأراضي المغربية واستعادة الوحدة الترابية والوطنية كاملة.
وفي سنة 1956 التي أعلن فيها انتهاء عهد الحماية كان حزب الاستقلال باعتباره القوة الوطنية الأساسية حينذاك يتوفر على فرع له بمدينة العيون ودخل جيش التحرير إلى تخوم الصحراء المغربية وكان بإمكانه أن يحررها كاملة بكل سهولة، لكن ما حدث هو إيقاف جيش التحرير وحله، وعدم مواصلة العمل السياسي والدبلوماسي بكيفية جادة ومتواصلة على المستوى الرسمي من أجل استعادة الأقاليم الجنوبية للمغرب.
وفي مقابل موقف النظام الرسمي المغربي كانت هناك أصوات وطنية تثير قضية الوحدة الترابية وتطالب بالعمل على استرجاع الأقاليم الجنوبية، ومن هذه الأصوات بصفة خاصة المواقف التي كان يعبر عنها باستمرار وفي كل المناسبات الزعيم علال الفاسي الذي أنشأ جريدة “صحراؤنا” وخصصها للدفاع عن الوحدة الترابية للمغرب دون أن يؤخذ الأمر بالاهتمام الكافي والعمل الجاد من طرف الدولة.
ومع مرور السنوات زاد التغاضي الرسمي عن صوت الوطنيين حول ضرورة استكمال الوحدة الترابية للمغرب، والأدهى والأمر من ذلك أن الشباب المنحدرين من الصحراء المغربية والذين كانوا يتابعون دراستهم في المؤسسات التعليمية والجامعية بالرباط بدؤوا يطالبون الدولة بالعمل على استعادة الصحراء المغربية إلى الوطن الأب، وعوض التعامل مع الشباب المغربي من المنطقة الصحراوية باعتبارهم وطنيين يطالبون بحق المغرب في وحدته الترابية تمت مضايقتهم ومصادرة حقهم في التعبير عن وطنيتهم وتعلقهم بالوحدة الترابية والوطنية، وفي هذا السياق تم قمعهم بعنف في المظاهرات التي نظموها بمدينة طنطان، فاستغلت الجارة الشرقية استياء وتذمر الشباب المغربي الصحراوي لاستقطابهم وجعلهم ورقة تعاكس بها حق المغرب في استعادة وحدته الترابية وتطور الأمر إلى إنشاء حركة انفصالية بتأطير من النظام الجزائري وجيشه مما زاد في تعقيد هذا الملف على المستوى الدولي.
والأخطاء الفادحة التي ارتكبتها الدولة في قضية الوحدة الترابية في المراحل السابقة، وكذا الأخطاء التي ارتكبت في التعامل مع سكان المنطقة وفي تدبير الملف بصفة عامة بعد المسيرة الخضراء، لا يمكن معالجتها اليوم بأخطاء أكثر فداحة بالتعاون مع كيان إجرامي غاصب، ومد اليد لأيادي ملطخة بدماء الأطفال والنساء والرجال في فلسطين المحتلة، فمغربية الصحراء يؤكدها التاريخ والجغرافية وتم استرجاعها بتضحيات جسام للجيش وللشعب المغربيين، والعالم أجمع لا تغيب عنه خلفيات الصراع المفتعل في المنطقة، وإيماننا بأنها قضية عادلة هو ما يدفعنا للتنبيه بأن “التعاون” مع مجرمين قتلة وكيان عنصري غاصب محتل لا يمكن أن يفيد في الدفاع عن عدالة قضيتنا المقدسة بل على العكس من ذلك فهو يسيء إليها إساءة بالغة.
وفضلا عن الإساءة التي تلحق بقضية الوحدة الترابية من خلال إقحامها في اتفاق مع كيان مارق فإن التعامل مع هذا الكيان يجعل التزامات المغرب العربية والإسلامية محل تساؤل من طرف الرأي العام الدولي الذي ربما كان بعضه ينظر إلى المغرب ومواقفه بنوع من الاحترام.
وإذا كان بعض المروجين للتطبيع مع كيان الغصب والاحتلال يحاولون تبريره أو تغليف عاره بوجود الكثير من ذوي الأصول المغربية ك”جالية” في هذا الكيان، فإن هذا الأمر لا يمكن أن ينطلي على أحد لأنه ليس خافيا بكون جرائم التقتيل والإبادة الجماعية والتشريد والتخريب وتدنيس المقدسات الدينية في فلسطين المحتلة يشرف عليها ويرتكبها الكثير من الضباط والجنود والمستوطنون من أصول مغربية، فعن أي “جالية” يتحدث المطبعون؟
في المنطق السليم لا تجوز ولا تصح مساومة أو مقايضة أو مبادلة أي قضية مبدئية بقضية مبدئية أخرى، وبالتالي فإن الدفاع عن القضية الوطنية لا يكون متوازنا ومتينا وذا مصداقية إلا بإبراز مقومات وعناصر عدالة هذه القضية وأحقيتها.
وبغض النظر عن الجانب المتعلق بعدم جواز المبادلة في القضايا المبدئية، فإنه بعد مرور شهور من توقيع اتفاقية الخزي التطبيعي، ماذا جناه المغرب بالنسبة للقضية الوطنية؟ هل تغيرت موازين القوى لصالح المغرب على الصعيد الدولي؟ هل اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية موقفا إيجابيا واضحا ومؤثرا لفائدة الوحدة الترابية للمغرب في منظمة الأمم المتحدة أو في أي محفل دولي؟ هل فتحت الولايات المتحدة قنصلية لها في الصحراء المغربية كما وعد (ترامب) بذلك؟ أو اتخذت أي إجراء في هذا الاتجاه؟ ليس هناك أي جواب إيجابي عن هذه التساؤلات، بل إن الإدارة الأمريكية الجديدة تعتبر وفق تصريحات عدد من مساعدي (جو بايدن) أن قضية الصحراء المغربية لا تندرج ضمن أولويات إدارته.
ولا ينبغي أن ننسى أن تدوينة (ترامب) في موقع (تويتر) حول الاعتراف بمغربية الصحراء جاءت بعد انهزامه في الانتخابات الرئاسية أي في فترة تصريفه لأمور الدولة الأمريكية في انتظار موعد التسلم الرسمي للسلط من طرف الرئيس المنتخب، وبالتالي فقد كان معروفا بأن بهلوانيات الرئيس المهزوم تعيش أيامها أو ساعاتها الأخيرة، وأن ما يقوم به وما يتخذه من قرارات لن يتم تزكيتها بالضرورة من طرف الرئيس الجديد؛ مما يجعل مسايرته مجازفة غير مضمونة النتائج. ورغم ذلك شاهدنا المغالاة في التطبيل للاتفاقية التي دعا إليها ورتبها (ترامب) الذي كان يلعب ورقة سياسية بهدف استمالة اللوبي الصهيوني المتغلغل في بلاده.
إن الصحراء المغربية كانت وستبقى جزءا من التراب الوطني المغربي ولن يفرط أي مغربي في أي حبة رمل منها، ولا مجال لأي مزايدة في هذا المجال، وكل المغاربة يعتبرون أن الوحدة الترابية قضية مبدئية وقضية وطنية مقدسة، وإذا كان هذا الملف ما زال مفتوحا على المستوى الدولي فإنه في حاجة إلى تدبير وطني ديمقراطي يأخذ بعين الاعتبار إرادة الشعب المغربي ولا يقبل أي ابتزاز يقحم المغرب في مواقف لا يرتضيها المغاربة ولا يقبل أي مساومة على حساب قضايا مبدئية وقضايا يعتبرها الشعب المغربي في صلب اهتماماته الوطنية مثل القضية الفلسطينية التي كانت وستبقى دائما قضية وطنية.
إن التحرر من الاستعمار بكل أشكاله ومن رواسبه ومخلفاته على مستوى أمتنا العربية والإسلامية وعالمنا الثالث، كل لا يتجزأ، ولا يمكن أن يتحقق التحرر الكامل في جزء من المنطقة التي ننتمي إليها بالتعاون مع الاحتلال وقوى الإجرام والطغيان الذي تعاني منه نفس المنطقة، وبالتالي فإنه يتحتم علينا أن نناصر بكل قوانا النضال التحرري في فلسطين المحتلة، وأن نتحرر في بلادنا من أي تبعية وأن نعتمد على طاقاتنا الوطنية والقومية في قضيتنا الوطنية المقدسة وفي كل قضايانا المبدئية والمصيرية.