الرسول (ص) وكيف حارب السائد من العنف ضد النساء 2/2 – الحبيب عكي
قلنا، لمحاربة ظاهرة العنف على النساء والتخفيف من تنامي شيوعها وحدتها، لابد من ضرورة استحضار مخاطرها على المرأة والأسرة والمجتمع ككل، بالإضافة إلى بعض المداخل الأساسية الأخرى ومن ذلك:
2- ضرورة تقوية الوازع الديني: باعتباره عنصرا إيجابيا ومساهما حقيقيا و بقوة في الحد من التحقير والاهانة والعنف المتبادل بشكل عام وضد المرأة بشكل خاص، فالعقيدة والشريعة والسيرة النبوية الشريفة.. كلها تفيد وتؤكد أن الإسلام دين المودة والمحبة والأمن والأمان والسلم والسلام، دين الرأفة والرحمة ومكارم الأخلاق، دين المساواة والعدالة الاجتماعية والإنصاف، دين الصفح والعفو والتسامح وادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم.. فمن غيره – إذا لم نشوهه كالدواعش – يضمن لنا ولغيرنا الأمان. قال رسول الله (ص):” ليس منا من لم يحترم صغيرنا و يوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا قدرا” رواه أبو داوود والترمذي.
3- ضرورة الاقتداء برسول الله (ص): وهو الذي جسد القيم الإسلامية خير تجسيد فحارب العنف في كل مظاهره وأشكاله كما تبين ذلك سيرته العطرة:
أ- فقد حارب العنف تأسيسا: حيث أرست شريعته قواعد الحكم والعدل والقضاء في المجتمع، وجعلت المودة والرحمة من أسس الزواج لقوله تعالى: ” وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ ” الروم/ 21. وقال (ص): وفي الحديث الصحيح: “استوصوا بالنساء خيرا”. وفي حديث آخر: “إنما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم” رواه أبو داوود. وقال (ص): “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”، وفي الحديث القدسي: “إن الله حرم الظلم على نفسه وجعله بينكم محرما فلا تظالموا”. هكذا حرم.. وحرم.. حتى حرم ترويع البهيمة عن صغارها والطير عن فراخه. وحرم الانتشاء بنفسية العدوان والتعذيب حتى أن امرأة دخلت النار في هرة، حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، بل حرم تدمير البيئة وحرق الأرض حتى خلال الحرب، فما بالك اليوم بمن يساهم في تلوث البيئة وعنف الحياة وجعل حياة الناس جحيما لا يطاق.
ب- وحارب العنف ممارسة: فقال (ص): ” تزوجوا الودود الولود فإني مباه بكم الأمم” حديث صحيح. وشرف زوجته أم المؤمنين عائشة ليأخذ الناس عنها دينهم “خذوا دينكم عن هذه الحميراء”. وأمر بالتلاين والتوافق بين الأزواج فقال:” لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها اخر” رواه مسلم، وكان (ص) يكون في خدمة أهله بكل تواضع، ويتعاون معهم في هموم البيت وعبادات مشتركة كالصلاة والصيام..، ويتشاور مع بعض زوجاته حتى في أمور الدولة بل وينزل على رأيهن ويصبح ناجحا كمشورة أم سلمة في الحلق. إلى أن جعل آخر الدواء الكي فقال تعالى: “الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ” البقرة/229. تسريح بإحسان وليس بعنف ولا غمط حقوق ولا استقواء جمعيات ومحاكم ومستشفيات.
ج- وحارب العنف وقـــاية: فقال لمن جاءه يخبره عن الزواج: “هل لا نظرت إليها فإن في أعين الأنصار شيئا”، وقال: “هل لا تزوجتها بكرا تلاعبها وتلاعبك”؟، وأعطى حق القبول أو الرفض لكلا الزوجين قبل الارتباط وهو أحرى أن يؤدم بينهما. كما أرسى مجموعة من أداب المعاشرة الزوجية والمعاملة الأخوية والرعاية الأسرية كحقوق و واجبات تدفىء الأسر وتجعلها مستقرة بقدر ما تلتزم بها.
ه- وحارب العنف معالجة: قال تعالى: ” وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ ” النساء/ 35. وأفاد بأن الصلح خير، وأدخل فيه أطرافا من أقارب الزوجين بدل أغراب المحاكم، ورتب على جلسات الصلح والتكفل التزامات تعيد للعشرة الزوجية ما قد تكون فقدته من السكينة والمودة، وإن لم يكن فقدر من الاحترام والتقدير واستحضار مراقبة الله في التعامل.
و- وحارب العنف إقرارا ورفضا من عقائد الآخرين وعاداتهم: فحرم ما كان سائدا من عادة وأد البنات: “وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت” التكوير 8-9. وجعل حسن تربية البنات مما يدخل صاحبه الجنة. بل جعل الجنة تحت أقدام الأمهات، ورضا الله تعالى من رضاهن، فبرزت في عهده صحابيات، وتألقت بهديه عالمات واقتدت بتضحياته مجاهدات، وهو القائل (ص): “ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه” رواه مسلم. وشهدت له أمنا عائشة رضي الله عنها بكل ذلك فقالت: “ما ضرب رسول الله شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما” رواه مسلم.
4- ضرورة تنمية جودة العلاقة بين الرجل والمرأة: والآباء والأبناء والأساتذة والتلاميذ والعمال وأصحاب المعامل والحكام والمحكومين..، وينبغي أن يتيقن الجميع أن لا حد للعنف بيننا ما لم يشتغل كل منا على ذاته بمجهودات تنموية فردية ذاتية أو تربوية مؤسساتية، مهما كانت معتقداته وانتماؤه أو مركزه وسلطته، وكما يقول الاستشاريون الأسريون والتربويون التواصليون.. ومن خلال علومهم وتجاربهم، لا يمكن العيش في سلام أو حتى الحلم بذلك مع:
- إنسان: غير مسالم ولا مؤمن مع نفسه، فبالأحرى مع ربه ومع غيره بل وحتى مع بيئته وكونه..
- رجل : عصبي/كذاب/متسلط/ جاف عاطفيا/ بخيل / استغلالي/ لا يقدر/ لا يبالي/ أناني/ لا مسؤول..
- امرأة : كسولة/ مدللة/ جافة عاطفيا/ غيورة زيادة/ عنيدة/ مستفزة/ مهملة/ عصبية/ ثرثارة/ لا مسؤولة..
وكذلك يمكن قول العديد من نفس الأشياء على الأبناء والأسرة والمدرسة وجمعيات المجتمع المدني وكل فضاء يمكن أن يكون مصدرا ومرتعا للعنف والعنف المتبادل، وصدق من قائل: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” الرعد/11.
5- ويبقى أن عنف الانحراف الثقافي والفساد السياسي أقوى: وهو المؤسس لغيره من أشكال العنف، وضاغط بشكل مباشر او غير مباشر على العديد ممن يمارسونه قوة وبلطجة أو مجرد دفاع عن النفس و ردة فعل، ولنأخذ على سبيل المثال: ” تعنيف الوقفات الاحتجاجية لأطباء وطبيبات الغد ورجال ونساء التعليم غير ما مرة.. الحراكات الشعبية السلمية في الشمال والجنوب.. النساء ضحايا عنف كيس الدقيق في الصويرة.. حمالات معابر المهانة في سبتة ومليلية.. ضحايا الهجرة السرية في تطوان والأعالي.. الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد أو الذين اضطروا للتقاعد.. تسقيف سن المباريات في 30 سنة وما يعرفه اليوم من ردود أفعال وغليان.. التهاب الأسعار وضعف القدرة الشرائية للأمهات.. أزمة التشغيل وصعوبة السكن ورداءة الخدمات في العديد من المصالح..، ما أصبح مشاعا من المحاكمات السياسوية وتوقيف بعض أئمة المساجد وتمريغ جرأة بعض الصحافين والصحافيات، ما أصبح يمنع من الوقفات التضامنية مع فلسطين ومناهضة التطبيع، وما أصبح منسيا من قضايا الأمة والقضايا الكونية العادلة..، أين كل هذا من شعارات الحقوق والحكامة والأمن والأمان..؟.
مواطن في كذا ظروف ومواقف لا يمكن أن يكون إلا عنيفا ولو على نفسه وشريكه ولربما على وطنه وأمته، إلا أن يتداركه وعيه وسعيه في محاربة الظاهرة والتخفيف من ضغوطاتها من أبوابها التربوية والقيمية والاجتماعية المتاحة، وهي في الحقيقة أكثر مردودية ونجاعة، إلا أن يتداركه الله بقدر منه ولطف وحبه لرسول الله والاقتداء به، فقد كان الكثيرون ينطقون بكلام الشرك وكان بلال بن رباح رضي الله عنه يعذب لرفضه ذلك ويأبى إلا الصبر والتجلد والاحتساب، وتركها خالدة أمام كل الصامدين الملتزمين أحد.. أحد، لعلهم يحسنون إيمانا إذا أساء الناس.. لعلهم يسالمون مبدئيا ويرحمون إذا تسلط وعنف الناس، فيا أيها المحاربون للعنف في أنفسهم وأسرهم وأمتهم، لابد من شيء من القناعة والمبدئية والمبادرة الجماعية المنظمة والمتكاملة وهي الكفيلة بتغيير الواقع مهما قيل أنه لا يرتفع، فلا بد يوما بعزمنا وتضافر جهودنا وحسن توكلنا سيرتفع.. وسيرتفع، فمزيدا من الوعي الثقافي والوازع الديني والالتزام السياسي.