الرساليون والتفاعل مع القرآن الكريم- بنداود رضواني
إذا كان القرآن الكريم روح الإسلام ومركزه، وجوهر الدين و قلبه، فلا عجب، إذن، أن تكون سيرة محمد صلى آلله عليه وسلم هي الترجمان العملي لنبضات هذا القلب ودقاته.
لقد كان خلقه القرآن، وكان قرآنا يمشي فوق الأرض عليه الصلاة والسلام، ولا غرو إن التبس على المسلم شيء من معاني الذكر الحكيم، أو غم عليه حكم من أحكام الكتاب الكريم، وجب أن يهرع مستنيرا بالبيان العملي والشرح التطبيقي المضمن في أقوال وأفعال وتقارير السنة النبوية العطرة.
ولابد من إيضاح أن الغاية المرجوة من حديث علماء السيرة عن “الجانب العملي للسيرة النبوية” بالحديث عن الأخلاق القرآنية التي اصطبغت بها أحوال النبي وأحيانه، فهو التأكيد على المنزلة العالية للقرآن الكريم في الحياة الرسالية لمحمد صلى الله عليه وسلم، فما من خلق تخلق به إلا ومنبعه القرآن، وما من عمل نهض به إلا ومصدره وحي السماء….، فهذا هو القصد الأول من استشهادهم ب “كان خلقه القرآن”، وأما الغاية الثانية، فهي التأكيد على الضرورة القصوى لأولوية القرآن في حياة حملة الرسالة المحمدية، وأهميتها في اجتهاد العلماء وحركية الدعاة…
لكن أية فائدة ترجى من علم أو دعوة، إذا تمكن مرض الهجر من حملتها ؟؟!! ” وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا”(سورة الفرقان/الآية 30)، وأي خير ينتظر حين يغدو القرآن وراءهم ظهريا في الخلوات، وحسبهم أن يتغنوا به أمام الناس- فقط – في المسابقات والندوات…؟!!.
والبديهي أن مرض مخالفة الظاهر للباطن، والقول للعمل، والذي حذر منه البيان الإلهي بعبارة “لم تقولون مالا تفعلون”، هو مرض قديم قدم النفس البشرية، و ما تمكنت أعطابه من فرد إلا وفتكت بدينه وأخلاقه، ولا بأمة إلا أردتها كيانا بلا روح، وغلافا بلا جوهر، وانظروا إن شئتم إلى ما آل إليه بنو إسرائيل حين فرطوا فيما نزل على موسى في التوراة والألواح، لبيس ما فعلوا، ولبيس ما يفعلون…
وإذا كان القرآن الكريم كلمات وألفاظ وعبارات، فالآكد أنه سيرة وتطبيق، حركة وعمل، فإذا رغب علماء الأمة ودعاتها في سداد جهودهم العلمية و الدعوية، وتصحيح بيئتهم الإجتماعية، وإقبال الناس على مشاريعهم الإصلاحية، إذا رغبوا في كل ذلك، فالمرجو أن يكونوا أول الخلق وأولاهم تنزيلا للقرآن الكريم في حياتهم، وتطبيقا لأحكامه في نفوسهم، وأسرع الناس تأثرا بآياته، وتفاعلا مع سننه ونواميسه، وأشجعهم تمثلا لمواقفه ومبادئه، فهذا هو المقصد المضمن في حديث عائشة رضي الله عنها: ” كان خلقه القرآن ” صلى الله عليه وسلم.