الدور الإسلامي الحضاري في مشروع الاتحاد المغاربي الجديد – محمد أبو عجور

مقدمة
يُعد الإسلام في المغرب العربي ليس مجرد مكوّن ديني، بل إطارا حضاريا جامعا شكّل بنية المجتمع والدولة والهوية لقرون طويلة، ورغم تنوع اللغات والأعراق والمكونات الثقافية (الأمازيغ، العرب، الصحراويون، الطوارق)، فإن الإسلام ظل الرابط الأعمق والأوسع الذي حافظ على وحدة المنطقة عبر التاريخ، ومنع تشظّيها أو سقوطها في صراعات داخلية.
وفي ظل التحديات الراهنة المرتبطة بمشاريع التفتيت، وصعود الهويات الجزئية، وتدخل القوى الخارجية، فإن الدور الإسلامي الحضاري يتحول من خلفية ثقافية إلى ضرورة استراتيجية لبناء اتحاد مغاربي جديد قادر على مواجهة التحديات والعودة بدور حضاري فعال في العالم الإسلامي والمتوسطي والإفريقي.
الإشكالية
تقوم إشكالية هذا الفصل على السؤال التالي: كيف يمكن للمرجعية الإسلامية الحضارية أن تشكّل إطارًا موحِّدًا وبنّاءً في مشروع الاتحاد المغاربي الجديد، وتمنع التفتيت، وتعيد تشكيل الهوية الإقليمية؟
ويتفرّع عنه:
- ما الخصائص الحضارية التي جعلت الإسلام عامل وحدة في المغرب العربي تاريخيًا؟
- كيف أسهم تغييب الإسلام السياسي والحضاري في نشوء الأزمات الحالية؟
- ما الدور الممكن اليوم للدين في تحقيق الاستقرار الإقليمي؟
- وكيف يمكن إدارته في إطار عصري، تعددي، وديمقراطي؟
أولًا: الخصائص الحضارية للإسلام في المغرب العربي
- الإسلام كهوية جامعة عبر التاريخ
على امتداد أكثر من 13 قرنًا، شكّل الإسلام:
أساس التشريع
الإطار الأخلاقي
المرجعية الثقافية المشتركة
الرابط بين القبائل والأعراق
القوة الدافعة لتوحيد شمال إفريقيا (العقبة بن نافع – دولة المرابطين – الموحدين)
- الإسلام كقوة تحرير
المغرب العربي لم يدخل الإسلام عبر استعمار، بل عبر:
الدعوة
الاندماج
الإصلاح الاجتماعي
بناء الجوامع والمدارس
تحرير الإنسان من الظلم القبلي
- الإسلام كجسر نحو إفريقيا والأندلس
الإسلام جعل المغرب العربي:
قاعدة انطلاق نحو الأندلس
مركزًا تجاريًا وثقافيًا مع إفريقيا
رابطة وصل بين حضارتين
- الإسلام كإطار استيعاب للتنوع
تميز الإسلام المغاربي عبر التاريخ بـ:
التسامح
استيعاب القبائل
دمج العرب والأمازيغ دون صراع عقائدي
قبول المذاهب الفقهية (المالكية – الإباضية – الطرق الصوفية)
ثانيًا: غياب الدور الحضاري الإسلامي وأثره في التفتيت
- الدولة الوطنية بعد الاستقلال
أسست الأنظمة بعد الاستقلال دولة ذات طابع:
قومي
عسكري
مركزي
وتراجعت المرجعية الحضارية لصالح:
التعريب القسري
فرض النموذج الفرانكفوني
تهميش الأمازيغ
علمنة الهوية
- النتيجة
سقوط الهوية الجامعة
صعود الهويات الجزئية (أمازيغية – جهوية – طوارقية – قبلية)
ضعف الانتماء للدولة
صراع المغرب–الجزائر
نمو الحركات الانفصالية
- تعطيل الدور الإسلامي العالمي
المغرب العربي الذي كان صلة وصل بين:
الأندلس
إفريقيا
المشرق
خسر بوصلته الحضارية، وتحول إلى:
مسرح صراع
منطقة نفوذ فرنسي–أوروبي
ساحة تنافس إقليمي
ثالثًا: الدور الإسلامي الحضاري في “الاتحاد المغاربي الجديد”
- بناء هوية مشتركة
الهوية الإسلامية الحضارية ليست شعارًا، بل إطارًا لـ:
بناء المواطنة
تقوية الانتماء
تقليل الاحتقان العرقي
دمج العرب والأمازيغ والطوارق
- إدماج البعد الأمازيغي داخل الهوية الإسلامية
يُشكّل الإسلام أرضية طبيعية لـ:
استيعاب التعدد اللغوي
دمج الثقافة الأمازيغية
حماية الهويات المحلية
خلق انسجام بين المكوّنات
- تحويل الإسلام إلى “قوة ناعمة” للاتحاد
عبر:
الجامعات
المنظمات الدعوية المعتدلة
المناهج المشتركة
الإعلام
المساجد
الخطاب الديني الوسطي
- الإسلام كضامن للعدالة الاجتماعية
المبادئ الإسلامية قادرة على:
معالجة الفقر
تحسين التوزيع العادل للثروة
تعزيز التكافل الاجتماعي
مواجهة الفساد
تقليل الاحتقان بين المركز والأطراف
رابعا: الإسلام والسياسة في إطار الاتحاد المغاربي الجديد
- القيم السياسية الإسلامية كمرجعية حضارية
مثل:
الشورى
العدل
المسؤولية
الحرية
كرامة الإنسان
حفظ المقاصد (الدين–النفس–النسل–العقل–المال)
- نموذج الحوكمة الإسلامي في الإطار المعاصر
ليس المقصود دولة دينية، بل:
قيم حضارية
مرجعية مشتركة
مبادئ ديمقراطية
تحكيم للقانون
إدارة رشيدة للثروة
- إصلاح التعليم الديني
توحيد المناهج في المغرب العربي
التركيز على الاعتدال والوسطية
مواجهة التطرف والطائفية
إنتاج نخبة معرفية جديدة
خامسا: الإسلام كعامل استراتيجي لتقوية التعاون المغاربي
- الإسلام وحل الصراع المغربي–الجزائري
القيم الإسلامية قادرة على:
خلق لغة مشتركة
بناء مصالحة سياسية
ترميم الثقة
تجاوز عقدة الحدود
- الإسلام كإطار لمحاربة الإرهاب في الساحل
محاربة الأيديولوجيات المتطرفة
تعزيز التصوف السني المعتدل
دعم التعليم الديني الصحيح
إدماج المجتمعات المحلية
- الإسلام كجسر نحو العمق الإفريقي
الاتحاد المغاربي يمكن أن يصبح:
مركزًا دينيًا
مركزًا ثقافيًا
مرجعًا دعويًا
لعمق إفريقيا السمراء التي ترتبط حضاريًا بالمغرب العربي.
سادسًا: نموذج تطبيقي – “النهضة المغاربية” ذات المرجعية الإسلامية
- مبادئ النهضة
الإنسان أولًا
العلم أساس القوة
العدالة الاجتماعية
محاربة الفساد
احترام التنوع
الاقتصاد المنتج
- أدوات النهضة
جامعة مغاربية موحدة
مجلس علماء مغاربي
مراكز تفكير استراتيجية
فقه مقاصدي جديد
منظمات مجتمع مدني عابرة للحدود
- نتائج النهضة
تقليل الاحتقان الداخلي
دمج الهويات
منع التفتيت
بناء نموذج حضاري بديل
إعادة دور المغرب العربي في نهضة الأمة
خاتمة
إن الدور الإسلامي الحضاري ليس إضافة شكلية لمشروع الاتحاد المغاربي الجديد، بل هو الركيزة الأساسية التي تمكّنه من النجاح. فالتاريخ يؤكد أن هذه المنطقة لم تتوحد إلا تحت مظلة الإسلام، ولم تنهض إلا بقيمه، ولم تستقر إلا عندما كانت الهوية جامعة لا ممزِّقة.
وفي زمن تتكاثر فيه مشاريع التفتيت، والصراعات العرقية، والاختراقات الدولية، يصبح الإسلام — كمرجعية حضارية مشتركة — هو الإطار الوحيد القادر على بناء اتحاد مغاربي متماسك، مستقر، عادل، ونهضوي.
وبذلك، يمثل الدور الإسلامي الحضاري جوهر الرؤية المستقبلية للاتحاد المغاربي، ويمثّل عنصر الحماية الأكثر فعالية ضد جميع مشاريع التفكيك في المغرب العربي.




