الدكتور رمال يكتب كلمة في حق الراحل العالم والخطيب محمد السلاوي رحمه الله
كتب الدكتور أوس رمال كلمة في حق العالم والخطيب الحاجّ محمّد بن عبد القادر السّلاوي رحمه الله، أحد رجالات التربية والدعوة بمدينة فاس، والذي رحل مُلبّيا نداء ربّه صبيحة يوم السّبت 29 ذي الحجّة 1440هـ 30غشت 2019 بمدينة طنجة. ودفن مساءه في مدينة فاس.
وفيما يلي نص الكلمة:
“لئن كان السّفر قد حرمني حضور تشييعه والمشي في جنازته وإلقاء كلمة في توديعه؛فلن يحرمني خطّ بعض السّطور في التّعريف به والترحّم عليه.
عرفت الحاجّ محمّد بن عبد القادر السّلاوي مفتّشا ممتازا بالتّعليم الثّانوي لمادّة التّربية الإسلامية والتقيت به في بعض لقاءات لجن الأكاديمية الجهوية للتّربية والتّكوين. وما زلت أذكر مشاركاته الهادئة الهادفة الوازنة التي تنمّ -من جهة- عن الخبرة التي راكمها في مساره المهني، ومن جهة عن الإحباط الذي يصيب العاملين الصادقين أمثاله حين يرون ما آلت إليه أمور التّربية والتّعليم في بلادنا، ونوعية المسؤولين الذين بدأت تُسند إليهم مهامّتدبيرها وتسييرها.
كما عرفته واعظا في عدد من مساجد فاس بابتسامته الدّائمة وحديثه السّهل البسيط الذي ينفذ إلى عموم عمّار المساجد.
وعرفته أيضا من أواخر الأعضاء الغيورين على “جمعية المحافظة على القرآن الكريم”التي كان والدي رحمة الله عليه أحد مؤسّسيها، وهي الجمعية التي تأسّست أصلا لمجاهدة المستعمر عن طريق الجهر بقراءة القرآن الكريم في كلّ مساجد فاس بعد صلاتي الصّبح والمغرب؛ فكانت وراء إقامة قراءة الحزب الرّاتب في كلّ مساجد فاس ثمّ كلّ المغرب بعد ذلك.
وأهمّ ما أذكره له رحمه الله ما كان عليه من تواضع وخفّة روح وانفتاح وصبر وحلم على من يصغرونه سنّا من المفتّشين والوعّاظ والخطباء من أمثالي وأقراني ونحن نتحدّث بين يديه وهو يُلقي سمعه بكل عناية وكأنّه يسمع منّا الجديد الذي لا يعلمه؛ وحقيقة الأمر أنّه يؤمن بالتّشبيب ويحسن سلوكَ طرقِ التّحفيز والتّشويق الذي يفتح المجال أمام الشّباب للعطاء والابتكار.
وكان رحمة الله عليه معروفا بدعمه وتشجيعه لكل أهل الخير مهما تعدّدت مشاربهم أفرادا وهيآت من دون تعصّب. ولذلك حظي رحمه الله بمكانة خاصة عند كلّ من عرفه من أعضاء أسرة التعليم لما طبع عشرته من رفق وحلم وحب للوطن.
والحاج محمّد بن عبد القادر السّلاوي من مواليد مدينة فاس سنة 1944م؛ تدرّج منذ 1962 في مسالك التعليم الوطني والعمومي المتنوعة؛ معلما بعد التخرج من مدرسة تكوين المعلمين، ثمّ أستاذا في المركز التربوي الجهوي بمكناس ثم بفاس. ثم التحق بالمركز الوطني للمفتشين ليتخرّج منه مفتّشا في مادة الإسلاميات.
ولم تمنعه التزاماته المهنية التي كان يتقنها من المساهمة في تنشيط الحياة المدنية من خلال عضويته ضمن طائفة من مؤسسي جمعية خريجي دار الحديث الحسنية، وكذا عضوية رابطة علماء المغرب ضمن الخمسين الذين حرص الشّيخ المكي الناصري رحمة الله عليه توقيع عضويّتهم بنفسه. كما كان عضوا في جمعية علماء خريجي كلية الشريعة.
كما شارك رحمه الله في عدد من البعثات العلمية الرسمية سواء في تأطير الجالية المغربية مرات متعددة، أو في بعثات وزارة الأوقاف الخاصّة بتأطير المغاربة خلال مواسم الحجّ.
كما كان له الفضل في إعداد وتقديم عدد من البرامج الإذاعية التي تخدم التّربية والثّقافة. وكان رحمه الله من السّباقين إلى الوعظ والإرشاد لفائدة السجناء.
رحل مُلبّيا نداء ربّه صبيحة يوم السّبت 29 ذي الحجّة 1440هـ 30غشت 2019 بمدينة طنجة. ودفن مساءه في مدينة فاس. بعد أن خلّف فينا ذرّية صالحة على شاكلة الدّكتورة لالاّ إيمان حفظها الله؛ وجعلها ووالدتها وكلّ أفراد أسرتها من الصّابرين الذين نزل فيهم قول الحقّ تعالى:
{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة 155 – 157).
د. أوس رمّال:
فاس في 02 محرّم 1441/02 شتنبر 2019.