الدكتور أحمد الريسوني يكتب: “باب ما جاء في دخول الانتخابات، وأن لكل امرئ ما نوى”
نشرت جريدة التجديد مقالا للدكتور أحمد الريسوني عنونه بـ “باب ما جاء في دخول الانتخابات، وأن لكل امرئ ما نوى”، وذلك بتاريخ 2002/7/16، ونظرا لأهميته، نعيد نشره تعميما للفائدة، وهذا هو نص المقال كما أعاد نشره، قبل قليل، الموقع الإلكتروني للدكتور أحمد الريسوني raissouni.net
“صيف هذه السنة سيكون طويلا ثقيلا على بعض الناس؛ فالذين يتوقون ويتشوفون إلى دخول البرلمان والحصول على صفة “النائب المحترم” سيعانون من حرارة مزدوجة إلى نهاية شهر شتنبر، حرارة الصيف وحرارة الانتظار والترقب، وخاصة إذا كانوا ممن أتموا إعداد العدة، ولم يبق أمامهم إلا انصرام المدة.
وأما أصحاب الصفة الحاليون، الذين عزموا على التجديد والتمديد، فهم أعظم مشقة واستثقالا لهذا الصيف، خاصة حينما يفكرون في إمكانية حصول الاحتمال السيء، ذلك أن الفطام صعب، ومرارة الخروج هي أشد وطئا من مرارة عدم الدخول…
ومن المفترض أن هذه الانتخابات – كسابقتها – ستعرف دخول عدد من أهل الدعوة وأبناء الحركة الإسلامية. وهذه هي المشاركة الحقيقية الأولى في الانتخابات، بعد المشاركة التجريبية السابقة.
هذه المشاركة بالذات تثير في الأوساط الإسلامية من التساؤلات والاعتراضات والنقاشات ما لا يثيره غيرها مما أصبح معروفا مألوفا:
هل دخل “الإخوان” أيضا إلى حلبة التنافس على المناصب والمكاسب؟ وهل الدخول إلى الانتخابات والبرلمانات جائز أصلا؟ وكيف يدخلون البرمان وهو يحلل ما حرم الله، وربما يحرم ما أحل الله، أو يسقط ما فرضه الله؟!
وقد وقع في يدي سابقا كتاب سماه صاحبه “القول المفيد في أن دخول المجلس النيابي مناف للتوحيد”، وهو لمؤلف “مجهول”، لكن الظاهر أنه من الصالحين الغافلين الذي تجدهم يسألون سؤال نفي وإنكار: هل عندكم دليل على مشروعية الانتخابات؟ وعلى جواز الدخول في البرلمانات؟ وهل وقع عند السلف شيء من هذا القبيل…؟؟
لأجل هذا، ولأجل هؤلاء وضعت عنوان هذه الحلقة بالصيغة المذكورة أعلاه.
قال الإمام محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله في كتاب الإيمان من صحيحه: “باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة، ولكل امرئ ما نوى”.
ثم قال: “حدثنا محمد بن مَسلمة قال: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص، عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “الأعمال بالنية، ولكل امرئ ما نوى. فمن كانت هجرتهم إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدينا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه”.
وبمقتضى الحديث نقول: دخول البرلمان – أو غيره – يكون بحسب النية والقصد؛ فمن كان دخوله لله ورسوله، لإعلاء كلمة الله، لإحقاق الحق ومدافعة الباطل، لجلب مصلحة للناس، أو درء مفسدة عنهم..، فدخوله في حكم الله وشرعه يكون بحسب ما قصده وما علمه، ولمثله يقال: تقدم مشكورا مأجورا منصورا.
ومن كان دخوله لدنيا يصيبها أو حظوة ينالها، أو وجاهة يتمتع بها، أو حصانة يستقوي بها، أو مكاسب أخرى لنفسه يجلبها، فهجرته إلى ما هاجر إليه، سواء وصل إليه أو لم يصل. وإذا كان هذا قصده ومبتغاه وإليه هجرته ومسعاه، لكنه أخفاه على الناس، وأظهر لهم غير ذلك فهو كاذب غاش لهم. ومن غش فليس منا.
وأما من اختلطت عليه الأمور فيقال له “دع ما يريبك إلى ما لا يريبك”.
وروى الإمام مالك في كتاب الجهاد من موطئه، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الخيل لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر.
- فأما الذي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله، فأطال لها في مرج أو روضة، فما أصابت في طيلها (أي رباطها) ذلك من المرج أو الروضة كانت له حسنات. ولو أنها قطعت طيلها ذلك فاستنت شرفا أو شرفين (أي ركضت شوطا أو شوطين) كانت آثارها وأرواثها حسنات له. ولو أنها مرت بنهر، فشربت منه، ولم يرد أن يسقي به، كان ذلك له حسنات، فهي له أجر.
- ورجل ربطها فخرا ورياء، ونواء لأهل الإسلام، فهي على ذلك (أي على صاحبها) وَزر.
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحُمُر (الحمير)، فقال: “لم ينزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره).”
فعلى كل واحد أن يتدبر هذا الحديث الشريف الصحيح، وينظر الحالات المذكورة فيه، ثم يقيس نفسه ويقيس لنفسه، وينظر أين هو من ذلك، فمن أراد الأجر فليخلص في قصده ونيته، وليصدق في قوله وفعله.
ومن أراد الستر والعفاف فليسلك طريقه وليلزم حدوده، ولا يدّع ما ليس له، فإن “المتشبع بما لم يُعطَ”، كالذي يدعي ما ليس له ويتظاهر بما ليس فيه، إنما هو صانع غش وزور.
وقد ختم الحديث الشريف (حديث الخيل)، بإحالة السائل على آية كريمة وصفها بأنها “جامعة فاذة”، تنبيها على أهميتها الخاصة والبالغة، فهي فريدة في بابها، وهي جامعة لكل ما يمكن أن يعرض للإنسان من أشياء وتصرفات. فهي نص في كل ما لا نص فيه: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره).
فأينما حللتَ وارتحلت، وحيثما دخلت أو خرجت، وكلما أقدمت أو أحجمت… ففي ذلك خير وأجر، أو شر وإثم. فما أتيت من خير وبر ونفع فهو لك، وأنت فيه محسن مصيب محمود مأجور. وما أتيت من شر وسوء وضرر وإذاية فعليك وزره وإثمه”.
الدكتور أحمد الريسوني
*/*/*/*/*/*/*/*/*/*/*/
ملحوظة عامة: مقالات الرأي المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الهيئة الناشرة