الحمداوي يحذر من منطق التقاطب ويبين مخاطره على مسار الإصلاح
حذر المهندس محمد الحمداوي، منسق مجلس الشورى لحركة التوحيد والاصلاح، من منطق التقاطب والاستدارج للمعارك الجانبية لما يمثله من خطورة تتمثل في ضرب البعد التشاركي الذي يعد من الركائز الكبرى في مشروع الحركة، وأيضا في إحداث شرخ بين فئات المجتمع والسقوط في التصنيف وتوزيع الشهادات و اعتبار من ليس معنا أنه بالضرورة ضدنا.
وأكد الحمداوي، خلال المحاضرة التي دعي لإلقائها من طرف فرع الحركة بطنجة يوم السبت 28 مارس 2015 في إطار منتدى سبيل الفلاح بعنوان “معالم وأبعاد في مشروع حركة التوحيد والاصلاح”، على أن الحركة تسعى الى تمليك مشروعها للمجتمع باعتباره مشروعا رساليا فلسفة وتنظيما يطرح نفسه كمساهم في إقامة الدين وإصلاح المجتمع وليس بديلا عن ما هو موجود؛ وهو الامر الذي لا يكون ممكنا الا من خلال الاصلاح لما هو موجود بالتعاون مع الغير على الخير كيفما كان هذا الغير ما دام يلتقي مع الحركة في إرادة الخير وفعل الخير لمصلحة هذا البلد.
كما ذكر من خلال استعراض جملة من النصوص الواردة في وثائق الحركة ومنها ” الميثاق” باعتباره الورقة المرجعية الاعلى في أدبيات الحركة بأن المفردات والمفاهيم التي تتظمنها ليست تعبيرات أدبية على أهميتها بل إنها تعبيرات قد نحتت نحتا وظلت مفتوحة على المراجعة متى ظهرت الحاجة لذلك، معددا لمجموعة من المعالم والابعاد التي قال بأنها معالم وأبعادا تجديدية في مشروع الحركة مذكرا بأنها ليست جديدة وإنما هي في حاجة الى بعثها من جديد بنفس العمق الذي وجدت عليها إبان الوحدة الاندماجية سنة 1996.
وتحدث، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، عن خمسة محاور سماها معالم بصيغة الجمع في مشروع الحركة أولها معالم في البعد المقاصدي، وثانيها معالم في البعد التجديدي، وثالثها معالم في البعد التربوي، ورابعها معالم في البعد المؤسساتي وخامسها وآخرها معالم في البعد التشاركي. وتناول بالشرح والتفصيل هذه المعالم مصطحبا النفس والعمق الذين تشكلت في إطارهما ومستحضرا أيضا اللحظة التاريخية التي استشرفت بكثير من النضج المسارات التي سلكتها الحركة ولا زالت الى الآن.
ففي البعد المقاصدي الذي قصد به المحاضر البعد المتعلق بالأهداف والغايات فإن أول ما ينبغي أن يكون حاضرا في كل الاعمال هو ابتغاء وجه الله والدار الآخرة، وهو المبدأ الاول في ميثاق حركة التوحيد والاصلاح، وهو يقتضي تجديد نية العمل باستمرار حتى يكون مقتضى ذلك أنه بعد كل دعاء ختم يأتي دعاء استفتاح. كما يمثل المبدأ الغاية التي من أجلها كانت الحركة ذاتها.
ودائما في ظل البعد المقاصدي استرسل المحاضر في عرض معالم أخرى على درجة عالية من الاهمية لراهنيتها وتفردها في واقع المسلمين اليوم منها حديثه عن إقامة الدين عوض إقامة الدولة مبينا بأن هناك بون شاسع بين المطلبين حيث أن المطلب الأول وهو المعتمد عند الحركة في رؤيتها الاستراتيجية، مفتوح على خمس مجالات لإقامة الدين منها الدولة ( إقامة الدين على مستوى الدولة)، أي أن الاصلاح لا يكون بمنطق البديل الذي لا يوجد غيره، بل يبدأ من ذات الفرد لينتقل الى ما حولها وهنا يكون الفعل السياسي مجرد مدخل بين مداخل أخرى غير مرتهنة بأجندات العمل السياسي وغير متماهية معه بحيث إذا حصل تراجع على المستوى السياسي فإن العمل الدعوي العام لا يتأثر بذلك وبالتالي لا يتراجع التدين في المجتمع؛ بينما المطلب الثاني أخطر ما فيه أنه يعد المدخل الوحيد للإصلاح؛ إذا فشل كانت نتائجه كارثية على الاسلام والمسلمين، وإذا تحقق تحولت الدولة معه الى أداة لحماية نفسها وبناء شرعيتها على أطروحة الاستهداف والتربص بها من قبل الأعداء في حين أن المبرر لقيام الدولة وبقائها مرتبط بمدى قدرتها على تحقيق التنمية وخدمة الصالح العام. واستشهد الحمداوي بتجارب معاصرة أبرزها التجربة السودانية.
وفي حديثه عن الشق الثاني في رؤية حركة التوحيد والاصلاحة بعد إقامة الدين وهو إصلاح المجتمع نبه المحاضر على أن الحركة ليست ناديا فكريا بل هي عمل، عمل من أجل إقامة الدين وإصلاح المجتمع، والعمل هنا ليس مجاله المقرات. غير أن الاصلاح – وإن كانت الحركة تعمل من أجل تحقيقه – يظل مهمة مجتمعية ولذلك فإن ما تطمح اليه هو أن يتحول المجتمع الى حامل للاصلاح وهو ما عبر عنه المحاضر ب ” تمليك مشروع الاصلاح للمجتمع”.
وختم حديثه عن المعالم التجديدية في البعد المقاصدي لمشروع الحركة بتسليط الضوء على مبدأ الواقعية والتدرج مسترشدا بتوصيف للطيب برغوث حيث شدد على أن المنهج العلمي والواقعي في طريق الاصلاح لا بد يلتزم بالعمق في التحليل والموضوعية في التفسير والدقة في التوقع والواقعية في التخطيط والفاعلية في التنفيذ، وقد أسهب في بسط القول في هذه العناصر الخمس.
أما فيما يتعلق بمعالم البعد التجديدي فقد تحدث المحاضر عن الخيارات الهيكلية الكبرى التي حسمت فيها الحركة سواء فيما يخص التنظيم الرسالي الداعي الى الاصلاح من خلال المشاركة والانفتاح عوض التنظيم البديل أو التنظيم السري قبله، أو فيما يخص اللامركزية المتمثلة في إعتماد الجهوية والتعاقد بين الجهة والمركز، واللاتمركز المتمثل في اعتماد التخصصات والأنسجة والائتلافات ألمدنية أو فيما يخص العلاقة بين الدعوي والسياسي حيث تم اعتماد خيار التمايز والاستقلالية التامة كخيار ثالث الى جانب خيار الدمج أو تبعية الدعوي للسياسي كما هو موجود في حالات كثيرة عبر العالم الاسلامي.
وعن البعد التربوي ذكر الحمداوي بأن التربية عند الحركة وظيفة أساسية لا يمكن تفويتها مشيرا الى أنها خدمة مفتوحة كما أنها منظومة علمية لا مجال لارتجال فيها.
وفي سياق استعراض أهم المعالم التجديدية في البعد المؤسساتي، أشار المحاضر الى أن أهم درس قدمته الوحدة المباركة للحركة هو أن الا جتهاد البشري وإن بني على الكتاب والسنة وقام على الدليل فإنه يبقى بشريا مفتوحا على المراجعة ولا يمكن أن يكون مقدسا ولذلك جاء مبدأ ” المرجعية للكتاب والسنة” تعبيرا عن هذا المعنى. يضاف الى ذلك مبدأ “المسؤولية بالانتخاب” ومبدأ “القرار بالشورى الملزمة” مما يجعل القيادة مبدعة وكاملة المشروعية وقادرة على القيام بواجبات المسؤولية على أفضل وجه.
وفي ختام محاضرته أبرز المهندس الحمداوي أهم المعالم التي يمكن رصدها من خلال البعد التشاركي في مشروع حركة التوحيد والاصلاح منها خيار الاصلاح في ظل الاستقرار بناء على مبدأ التعاون مع الغير على الخير. ومنها أيضا اعتبار المسجد جامعا وقضايا الأمة جامعة لا مجال لاحتكارها أو استغلالها في التدافع السياسي أو المجتمعي بين الاطراف المتبنية لقضايا معينة وفق توجهاتها واختياراتها الفكرية والسياسية. وأهمها إعتبار الاسلام هو الهدى (مصدر الهداية) عوض مقولة الاسلام هو الحل التي تحيل على أن المشكل في الدين/ الاسلام وليس في المتدينين/المسلمين.
محمد بن جلول – طنجة