الحقوق المتعلقة بالميت على الحي
*الحمد لله قال و هو أصدق القائلين :” تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)“المُلك.
* و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وقف على شفير قبر فبكى حتى بَلَّ الثرى ثم قال:(يا إخواني لمثل هذا فأعدوا) أخرجه أحمد ، وابن ماجه و المنذري في الترغيب.
* و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قهر عباده بالموت إذ قال عز من قائل:” كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ” الرحمن26 و قال :”كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ” العنكبوت57 و قال: “أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ” النساء78
* ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله صلى الله عليه و سلم من نبي أمين، ناصح حليم وعلى آله وصحابته، وعلى من حافظ على دينه و شريعته واستمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين .
* أما بعد، من يطع الله و رسوله فقد رشد و اهتدى، وسلك منهاجا قويما و سبيلا رشدا ومن يعص الله و رسوله فقد غوى و اعتدى، و حاد عن الطريق المشروع و لا يضر إلا نفسه و لا يضر أحدا، نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إياكم ممن يطيعه و يطيع رسوله، حتى ينال من خير الدارين أمله و سؤله، فإنما نحن بالله و له،
عباد الله، نلاحظ باستمرار كلما حضرنا في جنازة من جنائز المسلمين من الأقرباء و الأصدقاء و الجيران، أن كثيراً من أولياء الميت وورثته إذا نزل قضاء الله بميتهم احتاروا وترددوا،وارتبكوا، لأنهم يجدون أنفسهم لا يعلمون ماذا يفعلون في مثل هذه الأحوال، ويتسبب جهلهم بأمور دينهم وتعاليمه بالوقوع في أخطاء كثيرة مع الذهول بالمصيبة التي نزلت بهم ـ والموت مصيبة لا تأتي إلا بغتة ـ ، مع أنه للميت حقوق على الحي لا بد من القيام بها نحوه، يقوم بها أولياؤه وورثته، وكل منا عليه أن يعلم ذلك لأن كلنا سيقف ذلك الموقف لا شك ما شاء الله. كلنا إذا صرنا إلى ما صار إليه الموتى محتاجين إلى من يقوم بحقوقنا من الأحياء، و إذ نلاحظ أن هذا يتكرروباستمرار نخصص مرة أخرى خطبة لهذا الموضوع نساهم من خلالها في التوعية بما يلزم في هذا الشأن.
عباد الله،علينا أن نعلم أن ما ينفع الميت ثلاثة أمور1 منها ما ينفعه قبل قبض روحه 2ـ و منها ما ينفعه بعد قبض روحه و قبل دفنه 3ـ و منها ما ينفعه بعد دفنه:ـ فما ينفع الميت قبل قبض روحه: وبدأ يعاني سكرات الموت ينبغي: 1ـ حضور بعض الصالحين؛ ليذكروه بحسن الظن بالله تعالى؛لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى)(رواه مسلم) 2- و تلقينه الشهادة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:”لقنوا موتاكم لا إله إلا الله“(رواه مسلم و الترمذي) و قوله صلى الله عليه وسلم (من كان آخرَ كلامه لا إله إلا اللهُ دخل الجنة) (رواه أبو داود وإسناده صحيح) فيذكـِّرُه من حضره بكلمة التوحيد برفق وليس بصيغة الأمر مخافة أن يضجر فيردها. 3ـ ثم الدعاء له لقوله صلى الله عليه وسلم :”إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرا، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون” (رواه مسلم) 4- ويندب توجيهه إلى القبلة مُضْجَعاً على شقه الأيمن؛ فإن لم يتيسر فعلى ظهره ورجلاه إلى القبلة، 5ـ وقراءة سورة ” يس” لقوله صلى الله عليه وسلم:”يس قَلْبُ الْقُرْآنِ، لَا يَقْرَؤُهَا رَجُلٌ يُرِيدُ اللَّهَ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ، وَاقْرَءُوهَا عَلَى مَوْتَاكُمْ “ (رواه أحمد و أبو داود النسائي).ـ أيها المؤمنون ،أما ما ينفع الميت بعد قبض الروح : فإنه لابد من صيانة الميت: 1ـ بإغماض عينيه فقد ورد في حديث أم سلمة:”إن الروح إذا قـُبض تبعه البصر“، 2ـ وتغطية جميع جسده، بثوب غير الذي مات فيه، وعند نزع ثيابه يجب ستر عورته، – 3 منع النساء من أهله من النياحة وضرب الخدود و شق الجيوب؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم-:(من نيح عليه فإنه يعذب بما نيحه عليه يوم القيامة) (رواه البخاري ومسلم) هذا إن كان لم يتبرأ من هذه الأعمال في حياته.4ـ ثم المبادرة إلى تغسيله، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإسراع بالجنازة،فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلمقَالَ“يَا عَلِيُّ ! ثَلَاثٌ لَا تُؤَخِّرْهَا : الصَّلَاةُ إِذَا أَتَتْ، وَالْجِنَازَةُ إِذَا حَضَرَتْ وَالْأَيِّمُ إِذَا وَجَدْتَ لَهَا كُفُؤًا”( رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ)، وأولى الناس بغسل الميت وصيُّه الذي أوصى له الميت، فقد يوصي ألا يغسله إلا فلان فيقوم عليه، ثم أولياؤه لأنهم أشد شفقة وأعلم بالميت، ثم الأقرب فالأقرب، وإذا جعلوا ذلك إلى من يعمل و يحسن غسل الأموات فلا حرج. ثم يجب تكفينه، وقيمة الكفن من ماله،هذا هوالأصل، ويُقدم تكفينه على الدَّيْن، والوصية، والإرث، فأول حق مالي للميت هو ما يتعلق بتجهيزه من أجرة غاسل، وثمن كفن، وأجرة حفار، ونحو ذلك، وإن تبرع بها من تبرع من المسلمين فلهم الأجر والثواب من الله تعالى. وكذلك فإن أي وصية فيها حرام، أو بدعة فيما يتعلق بهذا الأمر فيجب على الأولياء والورثة إيقافها،وعدم تنفيذها، فإن أوصى بكفن معين معتاد فعلى الورثة تنفيذ الوصية، كما صنع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حين أوصى أن يكفن في جُبَّة صوف كان لقي المشركين فيها يوم بدر فكـُفن فيها. و يستحب في صفة الكفن أن يكون حسنا نظيفا ساترا للبدن لقوله صلى الله عليه وسلم:”إذا وَلـِيَ أحدُكُم أخاه فليحسن كَفـَنه” (ابن ماجة و الترمذي) و قوله صلى الله عليه وسلم ” خير ثيابكم البياض فكفنوا فيها موتاكم،و البسوها” (ابن ماجة و الترمذي و أبو داود) و أن يُطيَّب و يُبَخر لقوله صلى الله عليه و سلم:”إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثا” (الحاكم و احمد) ، وأن يتولى تغسيله من اشتهر بالأمانة و الصلاح حتى ينشر ما يراه من خير و يكتم ما يظهر له من شر، لقول الرسول صلى الله عليه و سلم”ليغسل موتاكم المأمونون“(ابن ماجة) كما ينبغي فيمن يتولى الغسل أن يكون عالما بأحكامه فتجب عليه النية ثم يبدأ….
ـ و الكفن الشرعي للرجل أن يكفن في ثلاث أثواب بيض، وإن كانت امرأة فخمس أثواب، ويحرم تكفين الميت بكفن من الحرير.ثم الصلاة على الميت فرض على الكفاية، يتقدم أقرباؤه للصلاة عليه، فإن أراد ابنه أن يؤم الناس فله ذلك إذا كان
يحسن صلاة الجنازة، فأولياؤه أشفق عليه، وأجدر بالإخلاص في الدعاء له.ثم يُحمل، ويُدفن، ويتولى إدخاله في قبره الوصي الذي أوصى له بذلك، ثم أقاربه، وإن تخلى عن هذا لمن شاء من المسلمين أن يدليه في قبره فله الأجر والثواب،كما ينبغي تعجيل دفنه،إلا لعذر كانتظار من يرجي منهم الخير والصلاح؛ للصلاة عليه والإسراع بالجنازة وعدم رفع الصوت، ومنع النساء من اتباعها لعدم صبرهن وأن يقال عند دفنه: (بسم الله، وعلى ملة رسول الله) ثم الانتظار فترة، والدعاء له بالتثبيت عند السؤال.
ـ أما ما ينفع الميت بعد دفنه: 1ـ فالدعاء بعد الدفن، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال:” استغفروا لأخيكم و سلوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل“(أبو داود و الحاكم)2ـ وإن مما ينفع الميت البالغ بعد تمام دفنه تلقينه حُجتَه، فهو مستحب باتفاق علماء هذه الأمة على سنيته و عملا بقوله تعالى(وَذكِّرْ َفاِنَّ الذِّ كرَى تَنْفعُ الْمُؤْمِنِين) (الذاريات: 55) و أحوج ما يكون العبد إلى التذكير في هذه الحالة، و لحديث رواه الطبراني في الكبير مرفوعا و في كتاب الدعاء و ابن منده في كتاب الروح عن أبي أمامة بلفظ (إذا مات أحد من إخوانكم فسَوَّيْتـُم التراب على قبره، فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل يا فلان ابن فلانة، فإنه يسمعه و لا يجيب، ثم يقول يا فلان ابن فلانة، فانه يستوي قاعدا، ثم يقول يا فلان ابن فلانة فانه يقول: أرشدنا يرحمك الله،و لكن لا تشعرون فليقل:اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله،وأنك رضيت بالله ربا و بالإسلام دينا و بمحمد نبيا و بالقرآن إماما، فإن منكرا و نكيرا يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول:انطلق بنا، ما يقعدنا عِندَ مَن لـُقـِّنَ حُجَتـَّهُ) فقال رجل: يا رسول الله، فان لم يعرف أمه؟ قال:(فلينسبه إلى أمه حواء يا فلان ابن حواء) انتهى بتمامه. و ﺑﻬذا الحديث أخذ الإمام الشافعي و الإمام مالك في الموطأ و أبو حنيفة رضي الله تعالى عنهم ،و قد أوصى عمرو بن العاص فقال حين حضرته الوفاة: (فإذا دفنتموني فشنوا علي التراب شنا، ثم أقيموا على قبري قدر ما تنحر جزور و يقسم لحمها حتى أستأنس بكم و أعلم بماذا أراجع به رسل ربي) (رواه مسلم) 3ـ ثم سداد ما عليه من ديون؛ لقوله صلى الله عليه وسلم (نفس المؤمن معلقة بدَيْنِه)(رواه الترمذي وإسناده حسن) 4- وتنفيذ وصيته إن كانت لا تخالف الشرع في شيء.
نفعني الله و إياكم بالذكر الحكيم و كلام سيدنا محمد سيد المرسلين عليه من الله أفضل الصلاة و أزكى التسليم،سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
* الحمد لله على نواله و إفضاله ، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ،وعلى جميع من تعلق بأذياله ، و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد : عباد الله وهناك ـ ـ أعمال أخرى تنفع الميت بعد موته رخص لنا فيها الشرع منها:
* “الصدقة الجارية: قد روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له). و الدعاء يصل للميت إن شاء الله وينتفع به، ودليل ذلك قوله تعالى (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) (الحشر /10) فأثنى الله عليهم باستغفارهم للمؤمنين قبلهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعوا لمن يموت من أصحابه، فدل ذلك على انتفاعهم بالدعاء، ولو كان الدعاء لا يصل وينتفع به الميت ما دعا له النبي صلى الله عليه وسلم ولا رخص فيه* ثم الصدقة:على الميت من أهله أو أحبابه غير الصدقة الجارية التي تكون من كسبه وعمله يصل ثوابها للميت وينتفع بها، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:” إن سعد بن عبادة توفيت أمه وهو غائب عنها، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، فهل ينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: (نعم)، قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عنها) (أخرجه البخاري) .ثمالصوم:جاز أن يصوم الولي عن ميته إن فاته شيء من رمضان لعذر أو لنذر نذره، ومات قبل الوفاء به، ودليل ذلك حديث عائشة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (( من مات وعليه صيام صام عنه وليه)) (أخرجه البخاري) كذلك الحج:جاز الحج عن الميت بشرط أن يكون الولي قد حج حجة الإسلام، وقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ” إن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: ( حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا دَيْنَ الله فالله أحق بالقضاء). فهذه معاشر المؤمنين خلاصة لما ينتفع به الميت قبل وبعد موته وليس من كسبه وعمله. فاتقوا الله و احذروا أن تضيعوا حقوق ميتكم عسى أن يسخر الله لكم بعد موتكم من يصون حقوقكم .عباد الله، روى الديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عباس قال صلى الله عليه وسلم:( ما الميت في قبره إلا شبه الغريق المتغوث(أي يطلب الغوث)،ينتظر دعوة تلحقه من أب أو أم أو ولد أو صديق ثقة ،فإذا لحقته، كانت أحب إليه من الدنيا،وما فيها،وإن الله تعالى ليدخل على أهل القبور ،من دعاء أهل الأرض، أمثال الجبال،وإن هدية الأحياء إلى الأموات الاستغفار لهم) ،
فاستعينوا عباد الله على الاستجابة لأوامر الله و المبادرة إلى طاعته بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم، صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، الخ…
(ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)
( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان)
(ولاتجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم .)
(سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).
الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته :” ذ. سعيد منقار بنيس الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء