حراك عالمي داعم لغزة يعيد القضية الفلسطينية لدائرة الاهتمام الدولي
تشكل حراك احتجاجي عالمي على امتداد سنة كاملة من العدوان على غزة، امتد من العالم العربي إلى العالم الغربي بسبب بشاعة عدوان الاحتلال “الإسرائيلي” على قطاع غزة، ولم ينحصر على الطيفين الإسلامي والمسيحي فقط بل امتد إلى الطيف اليهودي نفسه.
ولم تتوقف تحركات الدعم على الشعوب العربية والإسلامية وإنما تعدتها إلى باقي شعوب العالم بالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والقارة الآسيوية و إفريقيا و أميركا الجنوبية، وأستراليا
وتمثل الحراك العالمي التضامني بمسيرات حاشدة يمثل خطها صوت الشعوب الحرة، بحثا عن معنى الإنسانية ضمن عدالة القضية الفلسطينية، وأحقية الفلسطيني بأرضه مقابل الاحتلال الإسرايلي.
حراك عالمي
ففي أوروبا، شهدت فرنسا مظاهرات ومسيرات رغم التضييق الذي واجهت به المتضامنين، وانتقل التضييق إلى برلمانها، حيث علق عضوية النائب عن حزب “فرنسا الأبية” سيباستيان دولوغو لمدة زمنية، بعد تلويحه بالعلم الفلسطيني في مقر الجمعية الوطنية.
وكان التحول المسجل في فرنسا هو إعلان رئيسة الكتلة النيابية لحزب فرنسا الأبية “ماتيلدا بانو”، أنه سيتم خلال أسبوعين الإعتراف بدولة فلسطين عقب الانتصار في الانتخابات، وهو الأمر الذي لم يترجم على أرض الواقع حتى الآن.
وتميزت إسبانيا بخط فريد في التضامن مع قطاع غزة، فهي إلى جانب الاعتراف بدولة فلسطين وقيادة جهود الاعتراف بها، شهدت إضرابا عاما لمدة 24 ساعة تحت عنوان “ضد الإبادة الجماعية والاحتلال في فلسطين” دعت له أكثر من 200 نقابة ومنظمة غير حكومية.
وعرفت بريطانيا تنظيم مسيرات حاشدة بلغت أوجها بخروج نقابات وجمعيات وائتلافات في مسيرة مؤيدة لفلسطين وسط لندن، للمطالبة بإنهاء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة شارك فيها نحو 100 ألف متظاهر.
كما شهدت كل من إيرلندا وبلجيكا وهولاندا والسويد وسويسرا والبرتغال وإيطاليا وغيرها مظاهرات تطالب بضرورة إيقاف حرب الإبادة في غزة. ورغم أن ألمانيا فرضت حظرا على تنظيم الوقفات، خرج المتظاهرين في وقفات تضامنية .
وفي أمريكا، نظمت فعاليات مدنية مسيرات ووقفات احتجاجية على مدى سنة كاملة، واعتصم متظاهرون في مجلس النواب الأمريكي، بينما تظاهر مئات الأميركيين أمام محطات القطار الرئيسية للمطالبة للمطالبة بوقف الإبادة، وأضرم طيار أمريكي النار في نفسه أمام السفارة الإسرائيلية بواشنطن احتجاجا على الإبادة.
ووجه مجموعة من نجوم وفناني هوليوود من بينهم الممثل والمذيع الكوميدي البارز “جون ستيوارت” (John Stewart)، والممثل الحائز على جائزة الأوسكار “خواكين فينيكس” (Joaquin Phoenix)- رسالة إلى الرئيس الأمريكي “جو بايدن” طالبوه فيها بممارسة الضغوط اللازمة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، معربين عن رفضهم التام لما يحدث في الوقت الراهن، موضحين في الوقت ذاته أهمية السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
مقاضاة الاحتلال
وكان اللافت في إفريقيا، تقدم جنوب إفريقيا بشكل رسمي بدعوى أمام محكمة العدل الدولية لمعاقبة إسرائيل على جريمة الإبادة الجماعية، ومن جهة أخرى، انخراط المغرب دون توقف في التظاهرات المنظمة على مدى سنة كاملة، وقد نظمت تظاهرات أخرى في نيجيريا وموريتانيا والسنغال وتونس وليبيا وغيرها دعما لغزة.
وفي أمريكا اللاتينية، خرجت التظاهرات في دول مثل البرازيل وتشيلي وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا وفنزويلا ونيكاراغوا وغيرها، كما عبر عبّر أكاديميون وسياسيون وفنانون عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني وتسليط الضوء على نضال فلسطين المستمر لمقاومة الاستعمار الإسرائيلي، بينما قام رؤساء دول بقطع العلاقات واستدعاء السفراء.
ودخلت آسيا على خط دعم فلسطين، حيث خرجت مسيرات في اليمن والأردن والعراق وإيران وتركيا وأندونيسيا وماليزيا وكوريا الجنوبية وباكستان وبنغلاديش وغيرها، كما أدان الاتحاد الدولي لنقابات آسيا وإفريقيا المجازر الوحشية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في حق المدنيين بقطاع غزة في فلسطين.
حراك طلابي عالمي
وتوسعت الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين لتصل إلى الجامعات الأمريكية، وعبرها امتدت إلى جل جامعات في أروبا وأسيا وأستراليا وإفريقيا. ورفعت الاحتجاجات شعارات تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وتنوعت مطالب الاحتجاج من حرم جامعي إلى آخر، مع التركيز الرئيسي على سحب الجامعات لاستثماراتها من الشركات التي لها علاقات مالية مع إسرائيل، وخرجت جامعات للتعبير عن التضامن مع طلاب الجامعات الأميركية الذين يتعرضون للقمع والتضييق من قوات الأمن.
وبلغت ذروة الاحتجاجات مداها في الولايات المتحدة الأمريكية باقتحام القوى الأمنية لجامعة كاليفورنيا، والقبض على أكثر من 2000 شخص في حرم الكليات والجامعات، مع استخدام الشرطة الأمريكية الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي لفض الاعتصامات، وإلغاء إدارات الجامعات لاحتفالات التخرج.
جامعات ترضخ وتفك علاقتها بالكيان
ونجح الحراك الطلابي في عدة جامعات عالمية في تحقيق العديد من أهدافه، بينما لازالت جامعات تواصل ضغطها، وأهمها إجبار بعض إدارات الجامعات على وقف علاقتها مع كيان “إسرائيل”، أو سحب استثماراتها من الشركات التي تدعمها.
ففي أوروبا، قررت 50 جامعة إسبانية مقاطعتها لجامعات الاحتلال الإسرائيلي، استجابة لاحتجاجات طلابية مناصرة لقطاع غزة ضد العدوان الإسرائيلي، وذلك وفقا لما نقله المركز الفلسطيني للإعلام. كما أعلنت جامعة “غنت” البلجيكية أنها قطعت علاقاتها بكل الجامعات والمؤسسات البحثية الإسرائيلية.
أما في أمريكا، فقد رضخت إدارة جامعة إيفرغرين الأمريكية لمطالب الطلاب المحتجين المؤيدين لفلسطين وأبرمت معهم مذكرة تفاهم. كما أبرمت جامعة “براون” الأمريكية اتفاقا مع طلابها ينص على إزالة المخيم من الحرم الجامعي مقابل وعد بأن تعيد الجامعة النظر بعلاقاتها مع شركات مرتبطة بإسرائيل.
كما ألغت جامعة “فيرمونت” خطابا للمندوبة الأمريكية بالأمم المتحدة توماس جرينفيلد كان مقررا إلقاؤه بالجامعة استجابة لمطالب الطلبة. كما قامت جامعة نورث ويسترن بولاية إلينوي، وجامعة روتجرز في نيوجرسي، وجامعة كاليفورنيا ريفرسايد “يو سي آر” وجامعة “UM” بتوقيع اتفاقات مع الطلاب.
يهود ضد الصهيونية
وأدان حراك يهود العالم سياسات اليمين المتطرف وخرجوا في مسيرات احتجاجية عارمة كان آخرها أمام تمثال الحرية في الولايات المتحدة الأمريكية ورفضوا أن تكون هذه الحرب باسمهم وهو ما يشكل ضغطا على صانع القرار.
ودعت حركة المقاطعة العالمية (بي دي إس) في مونبلييه إلى وقفة احتجاجية، منددة بقرار السلطات استغلال حادثة الاعتداء على الكنيس ذريعة لمنع كل أشكال التضامن مع الشعب الفلسطيني، بعد قرار بحظر التظاهرات المؤيدة لفلسطين على خلفية حادثة غراند-موت، وهو القرار الذي لاقى استنكارا واسعا من نشطاء وحقوقيين.
وانتشرت مظاهر التضامن مع غزة في الملاعب الرياضية بفعل تحول هذه الفضاءات إلى ساحات للنزال بين السردية الفلسطينية و”الإسرائيلية”، وقد أضحت مكانا لتمدد التعاطف مع الشعب الفلسطيني رغم الإجراءات والعقوبات التي تفرض في بعض الملاعب، وهو ما فضح ازدواج المعايير بين القضيتين الأوكرانية والفلسطينية.
وكان من اللافت التحول الكبير في مؤشرات الرأي العام المناهض للكيان الإسرائيلي والداعم للحق الفلسطيني والمندد بالعدوان على سكان غزة، حتى إن بلدانا عديدة شهدت انخراط مجموعات من اليهود في الحراك ضد كيان الاحتلال.
وأظهر هذا الحراك العالمي على مدار عام كامل، عودة القضية الفلسطينية إلى قلب العالم الغربي والعربي بعد سنوات من الغياب ومحاولات تحويلها لقضية هامشية ثانوية ضمن قضايا الصراع العالمي.