الحج عرفة
يوم عرفة هو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، اليومُ التاسعُ يومُ عرفة والحج عرفة وهو يوم الحج الأكبر ومن فاته عرفة فاته الحج كله.
في هذا اليوم يتجلى الله سبحانه وتعالى لعباده ويسدل عليهم رحمته ورضوانه ويباهي بهم ملائكته، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : “إن الله تطول – أي امتن – على أهل عرفات يباهي بهم الملائكة، يقول يا ملائكتي انظروا إلى عبادي شعثا غبرا، أقبلوا يضربون إلي من كل فجٍّ عميق، فأشهدكم أني قد أجبت دعائهم وشفعت رغبتهم ووهبت مسيئهم لمحسنهم، وأعطيت لمحسنيهم جميع ما سألوني غير التبعات التي بينهم”
وروى ابو يعلى والبزار وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه، والبيهقي ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”إذا كان يوم عرفة فإن الله تبارك وتعالى يباهي بهم الملائكة فيقول:انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا ضاحين من كل فج عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهمن فتقول الملائكة: إن فيهم فلانا مرهقا وفلانا، قال: يقول الله عز وجل : قد غفرت لهم”، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”ما من يوم أكثر عِتقاً من النار من يوم عرفة” ولفظ ابن خزيمة نحوه لم يختلفا إلا في حرف أو حرفين، المرهق هو الذي يغشى المحارم ويرتكب المفاسد. قوله : ضاحين هو: با لضاد المعجمة والحاء المهملة أي بارزين للشمس غير مستترين منها، يقال لكل من برز للشمس من غير شيء يظله ويكنه إنه لضاح.
وهو اليوم الذي “ما رئى الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة، وما ذاك إلا لما رأى من تنزّل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام..” (الموطأ كتاب الحج) .”وأفضل الدعاء دعاء عرفة، وأفضل ما قلته أنا والنبيئون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له” (المصدر نفسه).
ولعلك تذكرت الشعار : “إن البر ليس بالإيضاع” وتذكرت كذلك التلبية، ولبيت قبل صلاة الصبح وبعد السلام منها وداومت على التلبية.
فهيا بنا إذاً إلى عرفات، القادر على المشي أولى له، والمسافة 11 كيلومترا، ساعتان من المشي المعتاد بلا تكلف، والحجاج أمامك وخلفك وعن يمينك ويسارك وعلى مد البصر، فلا تخف أن تتيه فالوجهة واحدة والطريق معبأ بشرط مصاحبة المظلة الشمسية.
أما العاجز والمريض فيركبان، والإقتار هنا لا ينفع، فكل ما أنفقه الحاج في أكله وشربه وركوبه يدخل في النفقة المضاعفة عندا لله تعالى.
وبعد الوصول إلى عرفات وهي محدودة بعلامات مكتوب عليها من الخارج ،”بداية عرفات” ومن الداخل ،”نهاية عرفات” تصلي هناك في خيمتك في أي مكان تيسر لك مع جماعتك صلاة الظهر والعصر جمعا وقصرا، مع موعظة مناسبة للمقام يكون فيها الحث على اغتنام الفرصة وعدم تضييع الوقت في أمور الدنيا، فأنت في عرفات الله في أفضل يوم مر عليك منذ ولدتك أمك، فلا مجال فيه للقيل والقال والتطواف وضياع الوقت، وإنما التضرع والابتهال إلى الله تعالى واعلم أن رحمة الله تعالى واسعة، واحذر أن يقول الله تعالى لأهل الموقف كلهم : انصرفوا مغفورًا لكم إلا أنت، فابك إذاً على خطيئتك، وغلب الرجاء على الخوف، واستمر على تلك الحال حتى تغرب الشمس.
الوقوف بعرفة المراد به هو الحضور وليس الوقوف على القدمين، وهو في النهار واجب، والركن منه هو البقاء بعرفة حتى يتحقق غروب الشمس، فمن انصرف قبل الغروب فلا وقوف له.
ويمكن تداركه بالرجوع إلى عرفات قبل طلوع الفجر من يوم النحر وهو يوم العيد.
وبعد الغروب تنصرف إلى مزدلفة، وننصح كذلك القادرين على المشي بالنزول على أقدامهم إلى مشعر مزدلفة، والشعار دائما “إن البر ليس بالإيضاع” فلا تدافع ولا تلحق الأضرار بالحجيج، ولا الإجهاد للنفس فخذ من كل الأمور ما تيسر.
فإذا وصلت إلى مزدلفة، وهي أول الحلّ والمشعر الحرام، فتذكر أن الله تعالى أمرك بذكره هناك وهذه فرصتك فقد لا تعود إليه أبدا، يقول الله تبارك و تعالى : “فاذكروا الله عند الشعر الحرام واذكروه كما هداكم وغن كنتم من قبله لمن الضالين” البقرة الآية 198.
ثم صل المغرب والعشاء جمعا وقصرا للعشاء، والتقط على سبيل الندب سبع حصيات لجمرة العقبة، ولا تنس التلبية في نزولك من صعيد عرفة ووصولك لمزدلفة، وخذ قسطا من الراحة، فإن أمامك يوما حافلا بالمناسك والطاعات من الأقوال والأفعال والقربات، وإسكاب العبرات.
فالواجب هو النزول بالمزدلفة قدر ما تصلي وتلتقط الحصيات السبع، وأما المبيت فهو سنة لمن استطاع ومن لم يستطع فلا حرج عليه إن وصل بعد النزول إلى منى. ففي مزدلفة نومة مباركة لأنها بين يومين حافلين بالأعمال الجليلة مصحوبة بعبرات صادقة بليلة.
من كتاب دليل الحاج والمعتمر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (بتصرف)