التفسير المختصر(1)- نورالدين قربال
يمتح هذا المختصر مشروعيته من اجتهادات مجموعة من المفسرين، الذين تناولوا التفسير مباشرة، أو عن طرق علوم تفيد في منهج التفسير، ومن الأعلام المعتمدة في هذا المجال نذكر: ابن عطية، والزمخشري، والرازي، وابن كثير، وابن العربي، ، ومجاهد، وابن عرفة الذي ينتمي إلى قبيلة ورغمة الأمازيغية، وغيرهم كثير.
وفي غالب الأحيان نجد من المفسرين من يعتمد الفهم والعقل، وآخر يوظف الحفظ والنقل أي ناقلا للتفسير.
“أعوذ بالله من الشيطان الرجيم”.الاستعادة بالله من جميع المنهيات المنقسمة إلى الاعتقادات وأعمال الجوارح. جاء في سورة النحل “فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم”. الآية 98. والأمر بالاستعاذة على الندب. والرجيم بمعنى المرجوم. فهو مرجوم باللعنة والمقت وعدم الرحمة، فالنعت للتأكيد.لأن كل شيطان كذلك.
“بسم الله الرحمان الرحيم”ذهب مالك إلى أنها لا تقرأ في الفريضة لا في أول الحمد، ولا في أول السورة، التي بعدها لأنها ليست آية منها. وليست من القرآن إلا في سورة النمل. وبذلك تأخذ الأحكام التالية في أول الحمد: الوجوب، الكراهية، الاستحباب، وقراءتها سرا مستحبة. وهي أية مع كل سورة، وليست جزءا من كل سورة. وما كانوا يعلمون تمام السورة إلا بالبسملة.
وأسقطت في قراءة ورش. وعدد السور قياس وليس سماعيا. وببسم الله يقرأ القرآن ويتلى. وتقديم البسملة للاهتمام به. وقدم الوصف بالرحمان لأنه أبلغ على الوصف بالرحيم، فيلزم أن يكون تأكيدا للأقوى بالأضعف. وجرى الرحمان مجرى الأسماء الأعلام التي تلي العوامل فقدم على الرحيم. والرحمان دال على جلائل النعم، والرحيم على دقائقها. وثبوت الأخص يستلزم ثبوت الأعم. ونفي الأعم يستلزم نفي الأخص. والرحمان دال على كثير النعم بالمطابقة، وعلى دقائقها بالالتزام ودلالة المطابقة أقوى من دلالة الالتزام .والرحمان أبلغ لأنه أكثر حروفا. وهو خاص بالله لم يستعمل في غيره. ولا يزاد حرف إلا لمعنى. والرحمة هي العطف والحنو.
سورة الفاتحة
سورة مكية، قال تعالى “ولقد ءاتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم”. الحجر.87. والفاتحة هي السبع المثاني. وكلمة قرآن عظيم ماض أريد به المستقبل لأنه لم ينزل كله بعد. وجاء في الحديث “لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب” البخاري. وربما هذا الحديث متأخر عن القول الذي خير المصلي بين الفاتحة أو ما تيسر من كتاب الله عز وجل.
“الحمد لله” يطلق الحمد على الله تعالى. وهو مترادف مع الشكر. وقد يكون الحمد أعم. باعتباره يطلق على الصفات الجميلة، والجزيلة. ويكون الحمد باللسان، أما الشكر فبالقلب والقول والفعل نظرا لخصوصيته. والألف في الحمد، للعهد، أوللماهية، أو للجنس. والحمد حقيقة واحدة. وقراءة الحمد بالضم يدل على الثبوت واللزوم، ويستهدف التجديد والحدوث.
“رب العالمين. الرحمان الرحيم. ملك يوم الدين”لا يطلق لفظ الرب بهذا الشكل إلا على الله، ومع غيره تصاحبه الإضافة. قدم الوصف، رب العالمين، إشارة إلى أنه سبحانه هو الخالق. وهذه إشارة إلى أصل النشأة. ولولا الرحمة لما كانت النعم والإحسان التي ينعم به الإنسان. وملك يوم الدين إشارة إلى حال الآخرة، والملك يوحي بالقدرة باعتبار الصلاحية.
“إياك نعبد وإياك نستعين” الملاحظ تقديم العبادة على الاستعانة. والاستعانة سبب في العبادة. والعلة في ذلك أن العبادة وسيلة، والاستعانة غاية، ومن تم هناك ضرورة لتقديم الآلية على المقصد والحاجة. وتوحي بأهمية الإنسان في العبادة من حيث المشاركة والاختيار، والقرينة طلبه للهداية، عنوانا للافتقار الكلي للإنسان بين يدي الله عز وجل. ولذلك هناك جدلية بين الحكم الشرعي ونية التكليف في الطلب. والنتيجة أن العبادة والاستعانة بالله لا شريك له. ويجمع المرؤ بين التوحيد لتحرير مناط العبادة، وطلب المساعدة لتحقيق حوائج الدنيا والآخرة. وهذا الطلب خاص، والعبادة في ظل التوحيد عام. والأولى تقديم العام على الخاص.
“اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين”. هو طلب من أدنى إلى أعلى. ويتأرجح بين السؤال عند المنطقيين والدعاء عند أهل البلاغة. وهو أمر إذا كان من الأعلى إلى الأدنى. وقيل في الصراط الإرشاد وهو نوعان، للخير والشر، أو للخير فحسب. والصراط أو السراط أو الزراط، هو الطريق. وهو مأخوذ من الإبلاغ إلى طريق الخير. ولذلك سمي الإبلاغ بالسرط. ومن صفته الاستقامة، وهي قريبة أو بعيدة. والهداية إلى النعمة مرتبطة بتفضل من الله على عباده. وتشمل الهداية التزود بالقدرة على الطاعة.
ووردت أنعمت بصيغة الفعل، في حين أن غير المغضوب عليهم جاءت بصيغة الاسم. وهو تعبير يؤكد التأدب مع الله عز وجل. فالخير ينسب إليه، والشر عكس ذلك. قياسا “وإن تصبهم سيئة”.”وإذا مرضت فهو يشفين.”وبالتالي فالغضب شامل لله عز وجل، وملائكته، ورسله، والمؤمنين. “ما اصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك”. والداعي واحد في “اهدنا الصراط”. بنون العظمة كما يقال. وهو مقام الخضوع والتضرع. وأثناء الصلاة يدعو المصلي له ولجميع المسلمين “اهدنا”. و هو تعبير عن دور الوحدة النفسية في تكريس الوحدة الإنسانية. والله نسأل التوفيق والسداد.